قد يعتقد البعض أن قيام إسرائيل بالتصويت بنعم لفلسطين خيال ومستحيل واضافة للمستحيلات المعروفة في العالم أو أنه يصلح لفيلم للترويج لإسرائيل على أنها دولة محبة للسلام وتحترم التزاماتها التي قطعتها على نفسها تجاه الأمم المتحدة فيما يتعلق بتنفيذها للقرار (273 ) التي قبلت بموجبه إسرائيل وفقا لقرار التقسيم . في السياسة لا يوجد مواقف ثابتة وانما يوجد مصالح ( ثابتة ) والأهم أن الثابت الوحيد في السياسة هو المتغير وأهم سياسة خارجية لأي بلد هي سياستها الداخلية تجاه مواطنيها ومجموع السياسات والقوانين .

نتانياهو لم يغير من مواقفه منذ أن كان في ال 28 من عمره وملعبه المفضل المال والأعمال والاقتصاد ، ولا يريد لشيء ان يبعده عن الاهداف التي يريد تحقيقها وفي وقت قريب أوقف هجوما عسكريا وشيكا على غزة وانهى اشتباكات أيلول 96 فيما عرف بانتفاضة او مواجهات النفق رغم مقتل جنود اسرائيليين.

ونتنياهو نفسه الذي طلب من رئيس لجنة المساعدات في الكونغرس تحويل مبلغ 50 مليون دولار للسلطة الفلسطينية وان كان وزير المالية قد اوصى خلاف ذلك ، وان الجولات المكوكية والدبلوماسية الأمريكية لديفيد هيل ودنيس روس والمقترحات التي تقدم بها مبعوث الرباعية تمثل محاولة من نتنياهو لجس النبض ولاحتواء التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة فهو مرغم على تقديم موقف جدي اذا ارادت الادارة الامريكية ذلك كما حصل في واي ريفر وفي بروتوكول الخليل الذي وقعه وما كاد يفعل .

طاقم نتنياهو منذ 96 هو نفسه والطاقم الفلسطيني المقابل هو نفسه بكامل أعضائه نتنياهو تلقى ضربة سياسية كبيرة من تركيا فسارع الى الرد بضربة اقتصادية بخفض سعر صرف الشيكل مقابل الدولار ، نتنياهو لا يريد الخروج خارج ملعبه لا للسياسة وللحرب ، فالحرب مفوض بها ايهود باراك والسياسة مفوض بها ليبرمان و نتنياهو للمال و الأعمال الاستراتيجية والاقتصاد والمشروع الاسرائيلي.

عقيدة الليكود الرأسمالية تنسحب على السياسات والسياسة التي تنتهجها سرائيل وبالاخص حكومة نتنياهو ، ولأن اسرائيل تدرك بأن الحرب العالمية الثالثة حرب اقتصادية للسيطرة على العالم ماليا واقتصاديا فإن اسرائيل تريد أن تكون جزءا من المستقبل كتحول للاستعداد لخوض غمار الزعامة العالمية ، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الولايات المتحدة الامريكية .

وفي الغالب فإن الانتخابات الأمريكية كذلك تتركز على الاقتصاد وأن العبارة الشهيرة التي قالها الرئيس الأمريكي الاسبق كلينتون في مناظرته التلفزيونية حول الاقتصاد "انه الاقتصاد يا غبي " اضحت عنوانا مهما لمقالات واقتباسات بعد ان مكنته من الوصول للبيت الابيض .

رئيس الحكومة الاسرائيلية يشترك في رؤيته لأهمية الاقتصاد وهو المستشار المالي والاقتصادي الذي اعتزل السياسة من أجل المال فإنه لن يغامر بالمال من أجل السياسة ولكنه قد يغامر سياسيا من أجل المال.

إن تداعيات ونتائج التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة ستعزز العزلة الاقتصادية لاسرائيل الأمر الذي يضعف من مكانة علاقات اسرائيل التجارية مع العالم وتعزز من فرص مقاطعة اسرائيل سياسيا ومنتجاتها في العالم ، والتي قد تمتد لشركات كبرى لها شراكات مع اسرائيل الأمر الذي يشابه الى حد كبير الانهيار الذي تعرضت له جنوب افريقيا ونظام بريتوريا العنصري ، واذا ما اضيف لها الحراك الداخلي الاجتماعي وبازار المزايدات السياسية داخل اسرائيل اضافة للاستفزاز الكبير وغير المسبوق الذي أعلنته الحكومة بنيتها ترحيل 30.000 عربي من النقب ، والاستمرار في هدم ما يقارب ثلاثة آلاف بيت للفلسطينيين في القدس واطلاق غير مسبوق للعنان للمستوطنين وتسليحهم وتنظيمهم وفرضهم بقوة على الأرض في الضفة الغربية كقوة ضاربة مباشرة يومية لمشاغلة الفلسطينيين وسلب أرضهم والاشتباك اليومي معهم بهدف ارهابهم وارعابهم ، واتمام بناء جدار الفصل العنصري وخنق الفلسطينيين وحصارهم وفصل المدن عن بعضها البعض وتحويل حياتهم الى معاناة فإن اسرائيل مدانة أخلاقيا وقانونيا وانسانيا ومحليا ودوليا وعربيا . إلا اذا شاركت اسرائيل العالم بنعم كبيرة لعضوية فلسطين

في الأمم المتحدة كما فعلت السودان في موضوع جنوب السودان ، عندها قد تستطيع اسرائيل امتصاص الموقف الدولي المؤيد لدولة فلسطين 194 ، وخصوصا بأن الموقف قد انتقل وينتقل ويتسع في اطار الحراك الشعبي بين الشعوب وثورات الربيع العربي والاحزاب والقوى التقدمية والاشتراكية في العالم وحركات التضامن والمناصرة لفلسطين ، أو أن يقوم رئيس الحكومة الاسرائيلية ومن رام الله ببث مباشر بإعلان اعترافه بحل الدولتين وأن الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس وبتجميد الاستيطان وتمهيدا لمفاوضات جدية تنتهي خلال فترة محددة ( ثلاثة اشهر) من اعلانه استعداده للتفاوض على قضايا الحل الدائم .