ونحن نحيي ذكرى استشهاد الرمز القائد ياسر عرفات نتوقف عند أعزِّ الذكريات لدى ياسر عرفات وهي ذكرى إعلان استقلال دولة فلسطين الذي تم في العام 1988، هذا الاعلان الذي شكّل منعطفاً مهماً في المسيرة الوطنية الكفاحية للشعب الفلسطيني، ومع إعلان الاستقلال تجسَّدت الوحدة الوطنية الفلسطينية أثناء انعقاد المجلس الوطني في الجزائر. هذا الاعلان عبَّر عن طموحات الشعب الفلسطيني وآماله وتطلعاته نحو الحرية والسيادة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. إعلان الاستقلال جاء تتويجاً لعقود من النضال الفلسطيني بدأته الثورة المعاصرة العام 1965، وتواصل من خلال العمل العسكري والسياسي الذي تمكَّن من تغيير الواقع المأساوي، واقع التشرد واللجوء باتجاه استعادة الهوية الوطنية، واقامة الكيان الوطني الفلسطيني، واكتساب الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني عربياً ودولياً، إضافة إلى نيل عضوية دولة فلسطين في الجمعية العمومية.

نقف اليوم باعتزاز لنحيي الرمز ياسر عرفات صانع الاستقلال ونؤكد له بأننا متمسكون بالوصية التي تركها لنا أن نصون الوحدة الوطنية، وأن نرفض الوصاية والتبعية، وأن نتمسك بالقرار الفلسطيني المستقل.

ونعاهده بأننا على العهد باقون وعلى دربه سائرون، وعلى الأمانة محافظون، وعلى تماسك حركة فتح ووحدتها حريصون.

 

من هنا فإننا نؤكد مجموعة حقائق لا بد من التوقف عندها وهي:

أولاً: في ذكرى استشهاد مؤسس الثورة وصانع الاستقلال نؤكد أهمية وضرورة استكمال كافة الإجراءات القضائية والقانونية والامنية التي تساعد على كشف مرتكبي جريمة العصر التي استهدفت حياة رمز الشعب الفلسطيني ياسر عرفات، ولنا ملء الثقة بالرئيس أبو مازن واللجان التي يكلفها بمتابعة هذه القضية الوطنية بامتياز والتي تعني كل الشعب الفلسطيني وكل الاحرار والشرفاء في العالم. وفي هذا المجال فإننا نرفض وندين مواقف كافة الاطراف والجهات الاسرائيلية والفلسطينية التي تشكك في مواقف القيادة الفلسطينية ونزاهتها في متابعة هذا الموضوع، ونأسف للتساوق الحاصل بين التصريحات التي صدرت عن صلاح البردويل الناطق باسم حركة حماس، والتصريحات الاسرائيلية لوضع الشبهة داخل الإطار الفلسطيني وليس في الإطار الاسرائيلي من خلال تلفيق الأكاذيب والاتهامات للرئيس أبو مازن لتطال مكانته السياسية والاخلاقية في محاولة واضحة لإثارة أزمة في الساحة الفلسطينية تعطّل المصالحة الفلسطينية بشكل كامل وتحول دون إنهاء الانقسام التدميري.

 

ثانياً: إنّ قيادة حركة فتح برئاسة الأخ أبو مازن الذي اختاره المؤتمر السادس بالاجماع قائداً لحركة فتح خلفاً للشهيد الرمز ياسر عرفات، ومازال متمسكاً بنهجه وبثوابته الوطنية المعهودة، وقد أثبت عبر التجربة الشاقة قدرته على تحمل المسؤولية بأمانة وحكمة، وعرف كيف يقود سفينة الثورة، رافضاً الضغوط الاميركية والاسرائيلية كافة، باحثاً باستمرار عن المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، مقدماً المصلحة الفلسطينية الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، على الخيار التنظيمي، وهذا ما حصل على صعيد إنجاز المصالحة والجهود التي بُذلت من قبل الرئيس أبو مازن وصبره المشهود على النهج الذي اعتمدته حركة حماس من أجل تعطيل المصالحة حتى هذه اللحظة، وذلك من خلال رفضها الالتزام بموعد إجراء الانتخابات والتي هي الخيار الديموقراطي، والاستحقاق الشعبي لاختيار قيادة جديدة للشعب الفلسطيني، لكن إصرار حركة حماس على الهروب من الانتخابات مردُّه إلى خوفها من نتائج سلبية تنتظرها بسبب التغيرات التي طرأت بعد الانقلاب الاسود الذي تم في 14/6/2007. ورغم توقيع الاتفاقات من قبل جميع الفصائل في قطر وفي القاهرة إلاّ أنّ العرقلة ما زالت قائمة وأن حركة حماس مازالت تتمسك بتشكيل حكومة قبل الاتفاق على الانتخابات في لعبة مكشوفة تستفيد فيها حماس من الحكومة ولا تلتزم بالانتخابات، ويبقى الحال على ما هو عليه، ورغم أن الاتفاق تم في القاهرة على أن يتم الاعلان عن تشكيل الحكومة، وعن موعد بدء الانتخابات في تاريخ محدد، إلاّ أنّ التهرُّب ظلّ هو سيد الموقف، وظل الانقسام قائماً لصالح الكيان الاسرائيلي العنصري حيث استخدمه لمضاعفة الاستيطان والتهويد، والعدوان اليومي على شعبنا وممتلكاته، وتدمير بيوته، هذا الانقسام الذي أضاع كل فرص تشكيل وتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية.

 

ثالثاً: إنَّ منهجية قيادة حركة فتح حدَّدها ياسر عرفات ومازالت فالقيادة تعتمد على شعبها أولاً وقبل كل شيء، ولا ترهن القضية الفلسطينية عند أي طرف عربي أو غير عربي، ولا تُساوم على ثوابتها الوطنية، وهي تتعاطى مع كافة الأطراف على أرضية واضحة وهي أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية والاسلامية. ومن هنا كان التعاطي مع النظام المصري سواء في عهد مبارك، أو في عهد محمد مرسي، أو في عهد الحكومة الأخيرة يقوم على مبدأ واضح لا بيع فيه ولا شراء، فنحن مع خيار الشعب المصري، ومن يختاره الشعب المصري نتعاطى معه. والرئيس أبو مازن كان مبدئياً عندما قال بأن ملف المصالحة سيبقى في مصر نظراً لأهمية مصر ودورها في المنطقة، ونظراً للعلاقة بين الطرفين. وحركة فتح كانت ومازالت تستخدم علاقاتها مع مصر وغيرها من أجل دفعها لتوحيد الوجهة الفلسطينية، وحركة فتح أخذت على حركة حماس استثمار علاقتها مع الاخوان المسلمين في مصر من أجل تكريس مشروعها في قطاع غزة على حساب وحدة الوطن والقضية والشعب وفصل القطاع عن الضفة بشكل نهائي لتصفية الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهذا ما يريده الجانب الاسرائيلي للاستمرار في مشروعه الاستيطاني.

إنّ هذا التحوُّل الذي لمسته قيادة حركة فتح في نهج القيادة المصرية نبَّهت إليه وأوضحت بأنها لا تقبل بإلقاء قطاع غزة في حضن مصر لأن هذا ما تريده "إسرائيل"، وانَّ مشروع إقامة دولة في غزة على حساب الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس رفضه ياسر عرفات العام 1993 عندما أصر على الربط بقوله "غزة أريحا أولاً" وهذا ما أربك الاسرائيليين لأنهم كانوا يخططون لإعطاء القطاع للفلسطينيين لإقامة كيان فيه، ونقطة على السطر.

 

رابعاً: في ذكرى استشهاد ياسر عرفات، وذكرى إعلان الاستقلال نؤكد حرصنا في لبنان على حماية مخيماتنا، ورعاية العلاقة الأخوية والوطنية التي تسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار الداخلي. وتسهم في إقامة العلاقات الاخوية النضالية مع مختلف الاطراف اللبنانية ساعين باستمرار إلى إقامة أفضل العلاقات التي تقوم على الاحترام المتبادل والتي تخدم القضية الفلسطينية كونها القضية المركزية، مستندين في هذا النهج على العلاقة الاخوية والتاريخية مع أهلنا في لبنان، وملتزمين بعلاقات واضحة مع الدولة اللبنانية تقوم على أساس احترام السيادة اللبنانية، رافضين كل أشكال التوطين متمسكين بحقنا في العودة إلى أراضينا التي شُرِّدنا منها في العام 1948. كما أننا نسعى من خلال هذه العلاقة الايجابية التي كرسها الرئيس أبو مازن عبر زياراته ولقاءاته للحصول على حقوقنا المدنية والاجتماعية والانسانية، والتوصل إلى حلول لكل الاشكاليات والتعقيدات للحفاظ على علاقات متوازنة مع كافة الأفرقاء.

 

خامسا : نؤكد ضرورة استمرار الجهود المبذولة من قبل القيادة الفلسطينية لوقف الاعتداءات التي تتعرض لها مخيماتنا الفلسطينية في سوريا بسبب الأوضاع المأساوية التي تشهدها الساحة السورية ، وندعو كافة الأطراف المعنية الى اتخاذ الإجراءات التي تسهّل عودة الحياة الطبيعية الى المخيمات لحقن الدماء ، ووضع حد للمعاناة خاصة ان القيادة الفلسطينية قد أكدت أكثر من مرة بأننا لسنا طرفاً في الصراعات الدائرة ، وأننا نتمنى عودة الحياة العادية والاستقرار إلى سوريا ، سادسا : في حضرة ذكرى استشهاد ياسر عرفات ندعو كافة القوى الوطنية والإسلامية إلى رص الصفوف ، وتوحيد الجهود من اجل حماية القدس ومقدساتها وإفشال كافة المشاريع الإسرائيلية الرامية إلى تمكين المستوطنين من استباحة المسجد الأقصى وتقسيمه ، والتحكم بمداخله وبمحيطه، وإذا لم نستطع نحن الفلسطينيين من القيام بهذا الواجب المقدس فإن الخطر محدق بنا ، وعاصمتنا في خطر ودولتنا في مهب الريح ،. في هذه الذكرى المباركة نتوجه بالتحية والتقدير إلى قوافل الشهداء الأكرم منا جميعا ، وإلى الأسرى الأبطال الصامدين خلف القضبان يتحدون السجّان ويؤكدون يوما بعد يوم تصميمهم على نيل الحرية والاستقلال ، وكسر شوكة الاحتلال ، كما ندعو كافة أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات وخاصة أبناء حركة فتح للالتفاف حول قيادة الرئيس ابو مازن خليفة ياسر عرفات والذي يمثّل القيادة التاريخية لهذه الحركة الرائدة.

 

وأنها لثورة حتى النصر

حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح

إقليم لبنان ١٥/١١/ ٢٠١٣