أكدت مجموعة من الشخصيات الفلسطينيّة المقيمة في لبنان على أهميّة إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينيّة، لما تشكله من ضرورة وطنيّة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإحياء المشروع الوطني، وما يعنيه ذلك من التمسك بالحقوق والأهداف الفلسطينيّة، وخصوصًا حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بإقامة الدولة الفلسطينيّة وإنجاز الاستقلال الوطني وحقه في عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجِّروا منها.
جاء ذلك خلال ندوة نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة "مسارات" بالتعاون مع مركز حقوق اللاجئين "عائدون" لنقاش وثيقة "إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينيّة" الذي أعدتها مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة الفلسطينيّة، وذلك في فندق "كراون بلازا" في العاصمة اللبنانيّة بيروت، وبحضور أكثر من 70 شخصيّة فلسطينيّة مثّلت مختلف الفصائل والفعاليات والمؤسسات الأهليّة والتجمعات والمخيمات الفلسطينيّة في لبنان. وأدار الندوة جابر سليمان، مدير مركز "عائدون"، الذي أكد على أهميّة الوثيقة، لا سيما ونحن بأمس الحاجة إلى إعادة بناء منظمة التحرير.
وأشار مدير عام مركز مسارات هاني المصري، إلى أن الوثيقة تنطلق من أن عمليّة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة ينبغي أن تندرج في سياق إعادة القضيّة الفلسطينيّة إلى مكانتها، وإعادة تعريف المشروع الوطني، بحيث لا يقتصر على إقامة الدولة الفلسطينيّة على حدود 1967، وإنما يتضمن إنهاء الاحتلال والعودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني والدفاع عن الحقوق الفرديّة والوطنيّة للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وفتح الباب أمام البدائل والخيارات الأخرى، خصوصاً مع الانسداد المتزايد لإمكانيّة قيام دولة فلسطينيّة والتوصل إلى حل وطني للقضيّة الفلسطينيّة؛ ما يعطي الأولويّة لإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينيّة، بحيث تضم الجميع وتكون قادرة على تحقيق الأهداف الوطنيّة.
وتحدث عن مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة كل من: معين رباني وخليل شاهين وكايد الغول وسهيل الناطور، حيث أكدوا على أن المجموعة هي إطار وطني تعددي بمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وأن الوثيقة استندت إلى مجموعة من الأوراق المرجعيّة التي عكست الأفكار والتصورات المتداولة في عدد من التجمعات الفلسطينيّة حول عمليّة إعادة بناء التمثيل الوطني، وإعادة القضيّة الفلسطينيّة إلى مكانتها. وهي تتناول الظروف المحيطة بمشروع إعادة بناء الحركة الوطنيّة في إطار منظمة التحرير، والتحولات التي تشهدها المنطقة عموما، وتحدد الأسس والتوجهات العامة الواجب اعتمادها لإعادة بناء مؤسسات المنظمة وليس إصلاحها أو ترميمها.
وقدم جميل هلال، معد المسودة الأولى للوثيقة، عرضًا سريعًا لها؛ بين فيه ضرورة إعادة بناء الكيان الوطني الجامع والموحد للنضال والحامي للحقوق والرواية التاريخيّة، وإلا فإن هذه التجمعات تواجه خطر الاستفراد بها والانكشاف التام من قبل القوى المتحكمة في واقعها بحكم غياب من يمثل ويدافع عن مصالحها وحقوقها.
وأضاف: ان الشعب الفلسطيني يمر بمرحلة تحرر وطني يعاني فيها من الاحتلال لكل وطنه التاريخي، ومن تشريد أكثر من نصفه داخل الوطن وخارجه، الأمر الذي يستدعي امتلاكه للمؤسسات الكيانيّة الجامعة، وبخاصة مؤسسات منظمة التحرير التي غيبت منذ اتفاق أوسلو لصالح سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي، ليتابع نضاله التحرري الوطني والاجتماعي والديمقراطي وبمشاركة كل مكوناته في فلسطين التاريخيّة وفي الشتات. لذلك، ومن هنا أهميّة فسح المجال أمام كل تجمع/مجتمع/ جالية فلسطينيّة للمشاركة في عمليّة إعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطيّة ووطنيّة تمثيليّة شاملة، وتشكيله هيئاته الراعية لشؤونه، واختيار ممثليه إلى المجلس الوطني باعتباره الهيئة التشريعيّة الأولى المعنيّة بالشؤون الوطنيّة الجامعة للشعب الفلسطيني، والتي تنتخب هيئة تنفيذيّة تتابع تنفيذ قرارات المجلس.
وبيّن هلال أن الوثيقة تدعو إلى إعادة صياغة الميثاق الوطني، لغة وبنودًا، بالاستناد إلى الوثائق التي لقيت إجماعا، أو ما يقرب الإجماع، وبمشاركة القوى السياسيّة، وبما يحافظ على الحقوق الطبيعيّة والتاريخيّة والسياسيّة والقانونيّة للشعب الفلسطيني. كما تؤكد الحاجة للبناء على فضائل التراث الكفاحي لمنظمة التحرير وإرثها التعددي ومرجعيتها المدنيّة (العلمانيّة)، وتجنب نقائصها وأخطائها وإخفاقاتها.
وأشار إلى أن عمليّة إعادة مؤسسات منظمة التحرير بصفتها الكيان الوطني الجامع والموحد تتطلب الإسراع في بناء إطار تنظيمي جامع يستند إلى عمليات دمقرطة مكونات الحركة الوطنيّة السياسيّة (الأحزاب) والقطاعيّة من اتحادات ونقابات، وموقعيّة (لجان شعبيّة، مجالس بلديّة وبلديات) وإقليميّة أو مناطقيّة (السلطة بعد البت بعلاقتها بمنظمة التحرير كونها المنظمة الأم)؛ وعلى أن يترافق مع البدء في بناء الإطار التنظيمي الجامع صياغة مشروع وثيقة مرجعيّة يحظى بأوسع درجة من الإجماع الوطني والشعبي ليتم إقرارها من قبل المجلس الوطني المشكل ديمقراطيا وعبر آليات أخرى إن برزت ضرورة لذلك.
ونوه هلال إلى حاجة الحركة الوطنيّة الجديدة، كحركة تحرر وطني لشعب يقيم في كيانات سياسيّة دولانيّة متعددة الأوضاع والشروط والتكوينات إلى إستراتيجيات مواجهة ونضال تشترك في صياغتها وتحقيقها الفئات الاجتماعيّة الأوسع في كل تجمع بالاستناد إلى حاجات وطاقات وميزات كل تجمع.
وجاء نقاش الحضور بالإجمال متناغمًا مع هدف الوثيقة، حيث أكدوا على أهميّة إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، وعلى التمسك بالحقوق والثوابت، كما أكدوا على أهميّة موقع لبنان في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وخصوصًا حق العودة إلى ديارهم التي هُجِّروا منها، وعلى أن لبنان مهتم بإقامة الدولة الفلسطينيّة، بينما طالب بعض الحضور بالاكتفاء بالحديث عن تفعيل المنظمة وإصلاحها، لأن المطالبة بإعادة بناء المؤسسات قد يُفْهَمُ منه مطالبة بإيجاد منظمة تحرير بديلة أو موازية.
وبينوا أنه يمكن لفلسطينيي لبنان لعب دور من خلال انتخابات اللجان الشعبيّة، والعمل على إجراء انتخابات للمجلس الوطني، لا سيما وأن هناك قبولًا لبنانيًا مبدئيُا بهذا الصدد. وفي سياق ذي صلة، وتطرق الحضور إلى أهميّة ما يجري في سوريا وتأثيره على اللاجئين الفلسطينيين، وطالبوا بالارتقاء إلى مستوى مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه اللاجئين هناك ومناطق أخرى.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها