للوهلة الأولى عندما ننطق بكلمة غزة ، يترواد إلى أذهاننا أننا نتكلم عن قطاع غزة المحاصر في جنوب فلسطين، والمنهك من الحصار ومن قيد الاحتلال ومن تكالب العرب على معابر القهر والذل التي وضعت فقط للإهانة، ولكن مهلًا فحديثنا اليوم سيذهب باتجاه آخر نحو غزة ولكن ليس القطاع انما المبنى المتواجد في لبنان في منطقة صبرا القريبة من مخيم شاتيلا والذي يقطن به عائلات بشكل جماعي.
مبنى غزة ليس مبنى آثريًا، فتعود قصته إلى السبعينات فكان المبنى عبارة عن مستشفى تتلقى دعمها من منظمة التحرير الفلسطينية، وكان من أهم المستشفيات التي يلجأ إليها اللاجئين الفلسطينين في بيروت وبالأخص لاجئي مخيمي صبرا وشاتيلا، و هو الذاكرة التي تحكي قصة مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث يحتوي على المشاهد الأليمة التي ارتكبت في المجزرة، وكان المكان الذي احتوى جثث الضحايا لهذه المجزرة.
ولكن الجدير بالذكر أن هذا المبنى لم تتبدل وظيفته بل كان مستشفى للألم والجراح وأصبح الآن مأوى للقهر والمجروحين الذين لا دواء لهم سوى الصبر.
فواجه المبنى ظروفًا صعبةً أدت إلى انهاء الخدمة الطبية فيه، بعد قيام المقاتلات الإسرائيلية بقصف المنطقة، مما أدى لتحطيم زجاج الشبابيك والجدران، وبعدها واجهت المستشفى فقدان العناصر الطبية مما جعل من ظروف العمل فيه سيئة جداً، وكذلك عدم تلقيه تمويلاً يساعده على المضي بمشواره الإنساني، مما دفع القائمين عليه أن ينهوا الخدمة فيه.
وسمي المبنى بغزة تخليداً لقطاع غزة، وهنا نرى أن هناك تشابه كبير بين القطاع المحاصر والذي يقطنه مليون ونصف المليون لاجئ ، وبين هذا المبنى المحاصر والمقيد في الظروف اللإنسانية. والذي يسكنه العديد من العائلات بشكل مكدس.
وتملك كل عائلة قاطنة بهذا المبنى غرفة مرفقة بحمام ومطبخ صغير، ولا يمكن للشمس أن تدخل غرفه ولا أقسامه وكل ما يدخلها الرطوبة والروائح الكريهة التي تؤكد أن هذا المبنى هو مدفن وليس مسكن.
يسكن فيه عائلات فلسطينية لم تجد لها مآوى، فاضطرت للسكن فيه ليس حبًا فيه بل هرباً من الظروف التي تمنعهم من استئجار منزل كباقي البشر، عاش هؤولاء المدفونين في المبنى رغماً عنهم، وكل من يدخله يشتم عبق اللجوء والنزوح، وكل هذا على مرأى ومسمع أولياء أمور هذا الشعب الذين قرروا أن ينضالوا بالسياسة ويبتعدوا عن هموم وشجون اللاجئين الذين كلوا من وجودهم.
فكلما لجؤوا للجهات المعنية في لبنان ، اصطدموا بحائط العنصرية، بل أكثر من هذا فبعض الجهات اللبنانية تقول لهم “عليكم أن تحمدوا الله بأنكم قاطنين على أرضيا وعليكم أن ترضوا بهذا المسكن فلا يوجد لدينا علاج وحل لمشاكلكم اذهبوا لمنظمة التحرير ممثلكم أو للأونروا المسؤولة عنكم”.
وهكذا يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى الله لأن القضاء يفتقد إلى العدل، ولا يمكن اللجوء له في هذه الدولة.
إن الصبر الذي اكتوى به الشعب الفلسطيني منذ 65 عاماً كفيل على صبر هؤولاء وعلى مرارة العيش بهذا المبنى، فما هو الفرق بين الذي يشرب البحر وبين الذي يشرب الساقية ؟َ!.
ولكن السؤال الذي نود أن نوجهه لأصحاب الضمائر العربية والذين يسكنون في قصور أشبه بقصور المماليك، ألم تتعبكم ضمائركم بعد، فلقد امتلئت بالذنوب أليس للمسلم على أخيه المسلم حقٌ أم أن اللاجئين هم غير مسلمين ولا حق لهم.
في هذا الزمن لا مكان لفقير ولا لمظلوم ولا للاجئ، و قدره الوحيد أن وطنه سلب رغماً عنه، سلب أمام جحافل الأمة العربية التي ساقت بنا لننام ونفترش الطرقات ونفترش المشافي المنتهية الصلحية، لنسطر أمجاد أمة غابت عنها الإنسانية.
فكم وكم سندق أبوابكم ونحملكم وزرنا، فبكل زورب من زواريب المخيم ألف قصة وقصة تنتظر من يقرأها ويصدقها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها