يعتبر د. يوسف زيدان من أهم كُتّاب القصة الذين يتسابق الناس في القراءة لكبتهم، ولكن عندما يتحدث في الرواية التاريخية، والدعوة للتفكير والتأمل والانفتاح فإن النقاش معه يتخذ منحى آخر، لاسيما وإن أسلوبه اللاذع المتسم بالنفس الاستعلائي على الآخرين، وتسخيفهم واتهام كل من يخالف رأيه بالجهل والغفلة يجعله في محل تناقض ذاتي بين دعوته للتفكير، وتجهيل المخالفين له.

في اللقاءات التي يجريها الكاتب المصري المعروف مع عمرو أديب، وحين تطرق لفلسطين، لنا أن نسجل مجموعة من الملاحظات أولها وهو الايجابي حيث يرى: أن الصراع مع الإسرائيليين يجب أن يتخذ المنحى القانوني وليس الديني ليفهمه العالم، كما يشير للعبة السياسية عبر التاريخ والتي استغلت الدين لمصلحة الحكم ما نتفق معه به أيضا، وهو إذ يشير أن العداء يجب ألا يكون لذات الديانة أي ديانة ثالثا فإننا نتشاطر معه هذه الرؤية المتسامحة.

وأيضاً في نقد زيدان لمسار الجماعات الدينية المتطرفة من جميع الأديان رابعاً لابد أن نعبر عن احترامنا لمثل هذا الفكر، أما النقطة الخامسة والايجابية فيما طرح فتتعلق بأنه لا يمتلك حلا للصراع العربي الإسرائيلي وأن حل الصراع يجب ألا يكون على حساب حقوقنا.

إلى هنا فإننا ندرك أن مثل هذا التأمل والرأي والتفكير يتسم بالعصرية والتقدم والانفتاح، ولكنه للأسف الشديد يتناقض مع مجموعة من الطروحات التاريخية التي أوردها وتبناها والتي استند فيها للرواية المتداولة دون بذله أي جهد لقراءة صفحة من مئات آلاف الصفحات التي كُتبت تناقضها، فهو يعتمد على الرواية المتداولة "الكلاسيكية" تلك التي سقطت تحت أقدام الأبحاث الحديثة في القرن العشرين.

كنا نحبذ –وما زلنا نأمل-أن يطلع الكاتب على مئات الأعمال والكتب للمفكرين والبحاثة الأجانب والإسرائيليين أنفسهم والعرب ممن صحّحوا الرواية والتاريخ، وأسقطوا الاعتماد على الرواية التوراتية كتاريخ أو جغرافيا أحداث، أو مضامين أسطورية من أمثال: أرثر كوستلر"اليهودي الهنغاري" وكتابة القبيلة ال13 عن يهود الخزر، أو كتب العلامة توماس طومسون (الماضي الخرافي:التوراة والتاريخ)، وكيث وايتلام (اختلاق إسرائيل القديمة)، أو ليتش أو ملّر، وفيكتور سيجلمان، وجان لوك بواتيه وصوفيا لوران أو أخيرا "شلومو ساند" (الإسرائيلي) بكتبه الثلاث حول أسطورة واختراع "الشعب" اليهودي واختراع "أرض" إسرائيل، والقائمة تطول.

ومن أمثال المفكرين العرب الكبار يتقدمهم د.زياد منى، وأحمد داود، ود.جواد علي وفاضل الربيعي، وأحمد الدبش، وفرج الله صالح ديب، وأحمد عيد، وفضل عبدالله الجثام، وكمال الصليبي، ود.لطيف الياس لطيف، ود.سهيل الزكار الذين على ما يبدو لم يقرأ لهم أسفارهم الطويلة عرباً وأجانب وإسرائيليين والتي تنقض كثير مما طرحه مفترضا أنه حقيقه مطلقة،وسأوجزها بالتالي:

استعاد زيدان الرواية المتداولة المتعلقة ب"إسرائيل" وفلسطين مفترضاً صحتها من ناحية الوقائع ومن ناحية الجغرافيا (والمقصود الرواية التوراتية حول إبراهيم فإسحاق، ويعقوب، ثم موسى، وداوود، وسليمان عليهم السلام..الخ) وهو ما بثت عدم صحته – أو على الأقل وجود رواية أخرى قوية – من خلال المفكرين والبحاثة والآثاريين وغيرهم من الدارسين الكبار، لذا كان من المفترض التروي في طرح الأمر، فنحن لسنا بصدد قصة أو رواية أدبية وإنما تاريخ يخضع للتمحيص العلمي والروايات المتقابلة.

لم يصب الهدف برأينا عندما سار مع الرواية المتداولة بالقول أن السبي البابلي حدث في فلسطين وهو حدث لقبيلة بني إسرائيل العربية لمنقرضة هناك باليمن القديم (حقيقة السبي البابلي لفاضل الربيعي).

وعلى نفس المنوال خلط بشكل خطير بين المفاهيم حين افترض أن الديانة اليهودية مغلقة!؟ بالقول أن اليهودي منسوباً للأم فقط ما يعني عنده أن الجميع اليوم من يهود العالم من أصل أو عرق أو قومية واحدة! ولكن الحقيقة التاريخية أن الديانة التوحيدية "اليهودية" انضمت لها من القبائل العربية – غير قبيلة بني إسرائيل – كما انضم لها من الفرس والكرد والأتراك، فانضمت لها مملكة هيدبا في القرن الأول الميلادي وهي الممتدة من كردستان إلى أرمينيا، كما أن الرومان الوثنيين سمحوا لليهود الديانة بالتبشير إلى أن أصبحوا خطراً عليهم مع انتشار المسيحية في القرن 4 فمنعوهم، ولاحقاً انضمت للديانة اليهودية ملك ثم العديد من قبائل الخزر منذ القرن 11 الميلادي (من كييف إلى كريمية ومن الفولغا إلى جورجيا) بين البحر الأسود وقزوين، (أبراهام بولاك، ثم أرثر كوستلر، ثم شلومو ساند)

وعليه يصبح أجداد الإسرائيليين المقيمين اليوم في فلسطين وخارجها قد جاءوا من الفولغا وليس من كنعان، ومن القوقاز وليس من ضفاف الأردن ولا صلة لهم بإبراهيم، واسحق، ويعقوب، وموسى.

وفي إطار الخلط لدى د.زيدان بفرض أن اليهودية ديانة مغلقة، قاده للفرضية الأخطر وهي أن اليهود عرق!؟ وهذا خطر داهم ومناقض، وهو اختراع صهيوني حديث تم تأصيله واختراعه منذ القرن 19 فقط، وهم بالحقيقة أي أتباع الديانة اليهودية ليسوا إلا جماعات من أعراق وإثنيات مختلفة كما أسلفنا فلا أصل واحد فريد لهم البتة.

من المهم الإشارة وعلى عكس ما قاله زيدان أن بني إسرائيل قبيلة عربية يمنية منقرضة، ولا علاقة لسكان بلادنا فلسطين من أتباع الديانة اليهودية اليوم بهم من إثنيات متنافرة، من ناحية عرقية أو قومية. (ولمراجعة عشرات إن لم يكن المئات من الأبحاث والكتب بالموضوع للمفكرين والبحاثة ممن أوردنا ذكرهم)

كما من المهم الإشارة أن من أشار لهم زيدان بأنهم أعراق هم ليسوا الا قبائل وليسوا أعراق والمقصود العرب الكنعانيين والعرب الفلسطينيين والعرب اليبوسيين.

وفي الجدل حول اللغة العبرية فإنه مما لا شك به لدى العلماء الكثر اليوم أن كل اللغات الآرامية والعبرية والعربية الحديثة (القرشية الشمالية) من جذر عربية الجزيرة العربية، وبالمناسبة فإن اسم سام اسم توراتي مخترع ولا دليل على وجوده بالتاريخ.

وفيما أشار له د.زيدان عن تدمير المعبد أو الهيكل وما قام به الرومان فلا دليل علمي أو آثاري في فلسطين على وجوده مطلقاً لا قبل الميلاد ولا بعد الميلاد، فلا أثر لما يسمى الإمارة أو المملكة الداوودية السليمانية لا من علم الآثار ولا من علم التاريخ (ما لا يعني إنكارهم كأنبياء فنحن مؤمنين ولكن وجدوا في جغرافيا أخرى).

كما أن خلطه الفاحش بين قدش (همقداش) وأورشليم يحتاج منه لقراءة كتاب أحمد الدبش (اختطاف أورشليم) وكتاب فاضل الربيعي (القدس ليست أورشليم) وكتاب اختطاف جغرافيا الأنبياء لجمعية التجديد البحرينية -لاسيما أنه قال ليرشدني أحد ويصححني فلعله يستمع- وله أن يقرأ لكل من ذكرنا أسماؤهم وأبحاثهم العلمية الثمينة التي يبدو أن د. يوسف زيدان قد عفّ عن قراءتها أو أهملها أو لم تصله وهذا غريب.

ولنا أن نعيد التفكير والتأمل معه في المفاهيم الأخرى التي ذكرها والتي تتسق مع فهمنا بأن العرب استوعبوا الديانة اليهودية ، واستوعبوا العرب اليهود الديانة ، وفي الإشارة لفكرة المشيح / المسيح عند الديانة اليهودية ، وفي اعتبار أن مصطلح (الأمي) في القرآن الكريم لا يعني من لا يقرأ ويكتب وإنما يعني من هو غير اليهودي الديانة (الاممي=الغوييم).

وفي سياق القول أن (الإسلام مرتبط بالديانة اليهودية) وأنه اتبع (قبلة اليهود) فلا نتفق في ذلك، فالإسلام وما سبقه من أديان هو ديانة التوحيد، أما اليهودية اليوم فهي الديانة المحرفة عن التوحيدية ولا علاقة بينهما بنص القرآن (يحرفون الكلم عن مواضعه) وكذلك الأمر المتعلق بقبلة الموحدين في القدس.

إن التاريخ العربي والإسلامي بحاجة لتنقية وتصحيح من الكثير الغث والكثير المزور عمدا بيد الكهنة،وبيد أصحاب السلطان، وبحاجة لإعادة قراءة واعية في ظل الأبحاث الحديثة وآلاف الكتب والأحبار والصخور التي نقبت لتثبت الشيء الجديد المختلف عن الرواية المتداولة وخاصة منذ القرن العشرين.

وأجد من المناسب أن أهدي د.يوسف زيدان الحقائق التالية، وله أن يغوص في الكتب الكثيرة مما ذكرناها أو لم نذكرها، بل وله الاتصال بكتّابها، فلحسن الحظ الكثير منهم أحياء أطال الله بأعمارهم جميعا،

حقائق تاريخية في فلسطين والقدس تقوّض الادعاءات اليهودية

1-فلسطين هي أرض العرب الفلسطينيين، وهم من سكنها من قبائل العرب (الكنعانيين واليبوسيين والفلسطينيين واللخميين...) ما قبل الميلاد،اثر هجرات جنوب الجزيرة

2-لم يكن في القدس وفلسطين سكنا أو ولادة أو معيشة أو وفاة أي من أنبياء الله من (موسى إلى سليمان، وداوود، ويوشع، ويوسف، ويعقوب...الخ) الذين نشئوا وماتوا في مكان آخر وكثير من الأبحاث دلت على أنه في اليمن القديم (انظر فاضل الربيعي واحمد الدبش ود.زياد منى وفرج الله صالح ديب وكافة الأبحاث الجادة الحديثة)

3-فلسطين على مر الأزمان لم تسكنها (قبيلة بني إسرائيل العربية اليمنية المنقرضة) إلا حين هاجرت مع قبائل العرب الأخرى إلى هنا، اثر تدمير إماراتهم/ مخاليفهم بعد سبيهم 'مع غيرهم من القبائل' من اليمن لبابل، وغيرها من الأسباب في اليمن

4- عندما ولد المسيح عليه السلام ونشر دعوته في منطقة محدودة من فلسطين متوجها لبقايا قبيلة بني إسرائيل (في ظل وجود قبائل كثيرة أخرى)، لقي النُكران المعتاد.

5- المسجد الأقصى مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، وبناؤه ثابت على زمن عبدالملك بن مروان ثم الوليد، فهو إسلامي فقط بامتياز

6-معبد قبيلة بني إسرائيل المنقرضة "الهيكل" بني قبل انقراضهم في أورشليم اليمنية، ولا يوجد ما يثبت مطلقا أي وجود جغرافي تاريخي لهم هنا (وأورشليم اليمنية غير القدس اليمنية وهي 3 بلدات اسمها قدس مختلفة)

7- اليهود الحاليين بالعالم لا علاقة لهم بقبيلة بني إسرائيل العربية المنقرضة المذكورة بالقرآن، هم من الخزر والروس والأوربيين الذين اعتنقوا اليهودية القرن12م (انظر المؤرخين اليهود: كوستلر وساند..)

8-الأرض المقدسة المطلوب من بني إسرائيل "القدماء المنقرضين" دخولها لأعمارها المذكورة بالقرآن ليست في فلسطين، بل (باليمن القديم)، وأي كان مكانها فهي مرتبطة بقوم عرب انقرضوا ولم يورثوها كورااثة الابن عن أبيه مطلقاً، وإنما فُرض عليهم دخولها للدعوة للتوحيد، وفشلوا.

9- لم يعطِ الله سبحانه أية أرض حتى باليمن لأحد ، فهو ليس وكيل أراضي وعقارات جل شأنه، لان هذا الفهم العنصري القاصر يتناقض مع الفهم القرآني أن الأرض يرثها (يعمرها) العباد الصالحون ثم الله سبحانه.

10-الكُنانيين (الكنعانيين) عرب اقحاح من قبيلة طيء وكذلك (الفلستيين) وهم القوم الوثنيين عبيد الإله فلس قبل إيمانهم، وكذلك قبيلة بني يعقوب (إسرائيل) العربية المنقرضة

11- يسرق الإسرائيليون اليوم الثوب الفلسطيني والفلافل والكنافة ...الخ، كما سرقوا قبل ذلك أسماء المدن والمستوطنات العربية، وكما سرقوا بلادنا كلها، وكما سرقوا نجمة بابل السداسية، ثم لاحقا الإسلامية (نجمة صلاح الدين) فنسبوها زورا لهم

12-كان مبرر قيام بلد لليهود (اليهودية دين فقط) هو مسعى الاستعماريين الاوربيين منذ العام 1881 م بعد مذابحهم لهم في روسيا واضطهادهم في أوربا لقرون لغرض التخلص منهم ، وتفتيت أمة المسلمين بزرع كيان غريب في جسد الأمة ، ما تبنته الصهيونية لاحقا.

13- لم يشكل اليهود (أتباع الديانة)، أو "قبيلة" بني إسرائيل المنقرضين "شعبا" قط كما لم يكن لهم "أرض" أو "وطن" محدد جغرافيا قط (انظر شلومو ساند وغيره)

14-حتى القرن ال18 كانت الكنيسة تعتبر الأرض الموعودة ليست على الأرض بل في السماء

15-لا يوجد حجر واحد في القدس أو فلسطين يشير لأي صلة لليهود (الديانة) أو قبيلة بني إسرائيل المنقرضة، فما بالك بهؤلاء الجُدد سكان بلادنا (انظر علماء الآثار الإسرائيليين)

16-المسميات المنسوبة لأنبياء في مدينة القدس هي تبركا أو في حقيقتها أسماء سلاطين أو حكام أو من أولياء الله، وليست بالمطلق ذات علاقة بسليمان أو داوود ...الخ، الأنبياء عليهم السلام

17-الانتماء لديانة محددة لا يؤسس حقا في جغرافيا أو مكان منشأ الديانة فكما لا يُسوغ للاندونيسي أو الماليزي المطالبة بمكة المكرمة لأنه مسلم، لا يحق لمعتنق الديانة اليهودية الادعاء بحق جغرافي في فلسطين أو اليمن أوغيرها.

18-لم يثبت علميا أي صلة وراثية-جينية أو قومية بين كافة معتنقي الديانة اليهودية وبعضهم البعض، فالإثيوبي والإيراني واليمني والاكراني والروسي المعتنق لليهودية له قوميته الخاصة ولا صلة وراثية أبدا بينهم، (حاول العلماء الإسرائيليون اليوم إثبات ذلك وفشلوا)

19-كهنة التوراة مؤكد تزويرهم للتاريخ وبالتالي للتوراة، فهم من حرّف "الكلم عن مواضعه" وهم من كتب "التناخ" المليء بالأساطير والأحلام والأكاذيب-كما أكد إسرائيل فنكلستاين، وزئيف هرتزوغ، وسبيلبرغ وغيرهم- والتي تسربت لموروثنا التاريخي العربي والإسلامي.

20-أعمِل عقلك أولا، ولا تلتفت لموروث التاريخ غير المثبت مطلقا الملئ بخرافات التوراة تاريخيا وجغرافيا ما حُشي في كتبتا للأسف، وثق ان الله معنا، وهذه بلادنا لم تدنسها أي رجل أجنبية لا بمملكة ولا إمارة/ مخلاف، ولا بلدية