هنا عهد التميمي، هنا فلسطين ، هنا القدس، هذه بداية خطابنا السياسي والثقافي والإعلامي وفاتحة صلواتنا في كل جامع وكنيسة وشارع ومظاهرة، نبدأ به فصولنا الطويلة وسنتنا الجديدة، نستقبل ثلجنا وأحلامنا وحياتنا وبشارتنا وسحبنا الماطرة.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، فتاة تولد وتكبر ومعها حجارتها وقناديلها الفسفورية بأضوائها المدهشة، يولد أطفال فلسطين مع نعوشهم الصغيرة، إعدامات ميدانية، هراوات الجنود، ليالي اقتحام النعاس بعد منتصف الليل، ضرب وتنكيل وتعذيب وكلاب مسعورة، من علّم القناص أن يثقب الكتاب والرأس الصغيرة؟
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، من قرية النبي صالح إلى شارع صلاح الدين حتى باب العمود، ومن العيسوية حتى وادي سلوان، ومن جبل المكبر حتى جبل الطور، عهد التميمي تصهل في الساحات الدامية، منذ أن خلقها الله تدافع عن طفولتها القادمة، تشتبك مع الليل والجنود والطغاة، تسقط ثم تنهض ثانية، دم طفلة، صرخة أسيرة، تتناثر الآن على أيامنا الغابرة.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، فلتثمر الجثة الخالدة، وليكن ثمراً ناضجاً مباركاً رطباً طائراً اخضر يصل الآن من أفق اللحظة العابرة، وليكن صوت انتفاضة الحجر والشجر والآيات والموجات والصرخات وما يحرك جمر التاريخ والذاكرة.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، عهد ركلت وصفعت وطردت المحتلين من حياتنا، طردت السجان من غرف النوم والزنازين، طردت المستوطن من حقولنا، طردت الخوف والخنوع والتراجع والتعب، طردت القاضي العسكري من المحكمة، كسرت القيد، فتحت الأبواب الموصدة، عهد ابنة الزيتون والتين، كاهنة العشب الأخضر ودوالي العنب، عهد حركت كل ما فينا من حق وبرهان وغضب.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، صاعدة إلى أعالي الكرامة، فاتحة بلا سيف ولا رمح، مدججة بالتهاليل والزغاريد، حركت الرياح شرقاً غرباً، شمالاً جنوباً، حارسة بيتنا وعظام أجدادنا، حارسة خطواتنا من جبال الكرمل حتى صحراء النقب.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، لن تكون بعد اليوم المنافي، الضحايا، السجون، لن تكون المستوطنات، الجدران، الجنازات، فاخرجوا أيها الأحرار في دمكم المستقيم، عهد التميمي جسر أرواحكم إلى القدس باب باب حارة حارة صلاة صلاة، دم قمصانكم، وجع أولادكم، راية عالية، ها هي مقبلة، الشمس والسنبلة.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، فجأة طوحت يدها في فضاء الردى، صفعة على وجه جندي دخيل، صرخة انفجرت غيمة في المدى، انفجرت وردة ناسفة، هي لم تعد خائفة.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، 128 دولة صوتت لفلسطين والقدس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ترفض قرار ترامب المشؤوم، العالم يزف الطفلة عهد التميمي في موكب دولي إلى القدس، يحطم قيدها وينشر حكايات أطفال فلسطين الرائعين، أني رأيت صلاة فلسطينية تشتعل بوضوء الشجاعة وعسل التراب في الركعة الخامسة.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، انظروا إليها ها هي تشاركنا في صلاة منتصف الليل بمريولها المدرسي في كنيسة المهد في بيت لحم، أقدامها أشجار واقفة، عيونها شموع تضيء المكان بعيداً بعيداً، لن يطاردنا الليل مرة أخرى، نجمتنا في يدنا، نجمتنا في سمائنا، فرددوا من ورائها ما قررته الجموع الزاحفة.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، تصرخ عهد: كفى أيها الجنود الذين تعبرون حدود بيتي وجسدي وأمنياتي البعيدة والقريبة، إنكم تقتحمون صف مدرستي ومشتل نعناعي، تعتقلون أمي وأبي وأشقائي وصديقاتي وألعابي وأحلامي، تدعسون على ورودي وجسدي، سبعة آلاف أسير وأسيرة، جرحى وشهداء ونزيف، فارحلوا.. القدس عاصمتنا الأبدية، ارحلوا روحي هناك في القدس، دماء كثيرة، شموع كثيرة.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، هي كل ما لم يقله البشر، النطفة الواضحة، الثورة الكاسحة، كل ما نام تحت الرماد وانفجر، ويا أمريكا لن تشبه الليلة البارحة، لنا المجد في العلى وعلى أرضنا السلام وفي قدسنا المسرّة، نصلي، تفتح أبوابها الأرض، تفتح أبوابها السماء.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، سبحان من حمل الصليب وأيقظ النبي صالح من المقبرة، شاهداً على حضورنا الإنساني ، شاهداً على اشتعال التراب، لن تمر المجزرة.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، هنا المسيحيون والمسلمون، الملح والماء والهواء، للقدس الدعاء، وللمرابطين والأمهات وأهالي الأسرى والشهداء، عهد توصيكم: كل من مات في القدس غطوه بالشمس.
هنا عهد التميمي، هنا فلسطين، هنا القدس، هنا كف فتاة طوحته على وجه دولة عنصرية عسكرتارية فاشية، هنا الكرامة والكبرياء، صوت الماء في صخور أجسادنا، صرختها على الأرض جسماً ورعداً، ذراعاً تمدها معلنة إننا نموت ولا لن نموت، عيونها شبابيك السجون وسراج البيوت، إننا نموت ولا لن نموت.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها