لا مشهد سيوازي المشهد الذي كانت عليه غزّة في ساحة السرايا، مشهد الوطنية الفلسطينية، وقد احتشدت بمليونية فتحاوية لإحياء ذكرى الرحيل الموجع للزعيم الخالد ياسر عرفات.
مليونية ليس بوسع أية كلمات أن تصفها على نحو منصف، حتى لو فاضت بكل فنونها، وحتى لو استنجدت بالقصيدة.
مليونية عصية على الوصف تماماً، خاصة في معانيها، وهي تُؤكِّد وبحيوية الحشد العظيم، وصوته الفتحاوي أنَّ طريق الزعيم الخالد، طريق القرار الوطني المستقل، طريق الكرامة والعزة الوطنية تظل هي طريق فلسطين، وهي بالقطع طريق العهد والوعد والقَسَم، الذي طالما ردَّده ياسر عرفات، والذي ردَّده الرئيس أبو مازن، بروح الوفاء والمحبّة، وبعزم الإرادة الحرة، في كلمته التي ألقاها إلى الحشد المليوني عبر شاشة تلفزيون فلسطين الذي ما عاد يغيب في نقله الحي المباشر عن أية مناسبة وطنية.
مشهدٌ يعزُّ نظيره اليوم على امتداد ساحات العالم أجمع، وعلى مختلف القوى الوطنية والإقليمية والدولية أن تقرأ المشهد جيداً، وعلى (إسرائيل) قبل غيرها أن تتمعَّن وتقرأ بعمق هذا المشهد، لعلَّها تكف عن معاقرة أوهام الفكرة العنصرية، وأحابيل الاستيطان، فتعود إلى صواب المفاوضات الجادّة لتحقيق السلام العادل، المشهد لم يكن عظيمًا بمليونيّته فحسب، وإنَّما، والأهم، بروحه التي قالت بحقيقة الطبيعة الفلسطينية، وبأنَّها الطبيعة التي لا تقبل انكسارًا ولا يأسًا ولا يمكن لها أن تتراجع يوماً عن مواصلة طريق الحُريّة حتى انتزاعها كاملة.
مشهدٌ اختصر وبصورة فريدة من نوعها، خطابَ الوطنية الفلسطينية، وقالَ بوضوح الحشد واتّساعه: هذا هو الشعب الفلسطيني التَّواق للحُرّيّة والوحدة، التّواق للدولة التي لن تكون في غزّة، ولن تكون بدونها.. وعشر سنوات من الحصار الإسرائيلي الظالم على القطاع وثلاث حروب عدوانية ما استطاعت أن تنال من هذه الروح الوطنية لدى أبناء شعبنا في المحافظات الجنوبية، والتي تجلَّت وأشرقت في ساحة السرايا بأكثر من مليون مواطن.
كما أنَّه مشهدٌ أكَّد صواب المصالحة الوطنية وضرورةَ استكمالها على أتمِّ وجهٍ بالتمكين الكامل لحكومة الوفاق الوطني بإقرار القانون الواحد، والإدارة الواحدة، والسلاح الشرعي الواحد.
الحشد المليوني واضح الرؤيا والموقف في هذا الشأن، وننصح مَن يريد التعامل مع المصالحة كعملٍ "تكتيكي" أن يعود إلى رشد ممكن، وأن يكفَّ عن تعاطي أوهام الشعارات الفارغة واستعراضاتها الممجوجة، فلا عودة للوراء، ولا مكان للاستفراد والإقصاء.
ساحة السرايا بعد عشر سنوات من الانقسام، قالت بحشدها المليوني أنَّ سياسة الإقصاء لم تكن غير عبثِ لا طائل من ورائه لأصحابها. وغزّة لا تبيع تاريخَها لأنَّه دمها النّقي، ولأنَّه نبضُ الوفاء والانتماء، ولأنَّه حاضرها الذي يتطلّع إلى المستقبل.. ولأنَّه باختصار سيرتها النضالية التي لا تعرف ولن تعرف أيَّ تراجع أو تردُّد لتواصلها بالوفاء للزعيم الخالد والمضي في طريقه بقيادة الرئيس أبو مازن أخيه ورفيق دربه منذ يوم التأسيس الأول، وحتى القدس العاصمة بعون الله، وبعزم شعبنا وصموده العظيم.
يبقى أن نقول إنَّ مَن يعتقد أنَّ تمويلات المال الحرام يمكن لها أن تحقِّق له مكانًا في الساحة الوطنية ليخدم مصالح المموّلين، سيظل غريبًا في هذه الساحة، إن لم تدسه أقدام أهلها، وسيظل التمويل الأهم هو تمويل الحشد المليوني الذي لا يُثمَّن بملايين دولارات المال الحرام مهما كثرت.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها