ثلاثة عشر عاماً مرت على رحيله الموجع وما زال ياسر عرفات هو ياسر عرفات الحاضر أبداً  في السيرة والمسيرة، ثلاثة عشر عاماً ولا نرى له غياباً برغم دمعة القلب التي تنطق بالحسرة والتفجع.

ثلاثة عشر عاماً وفي كل عام، وعند يوم الذكرى، نتوهج أكثر بمعنى ياسر عرفات، بفكرته الوطنية، بنهجه وواقعيته النضالية، بغاياته وأهدافه الفلسطينية تماماً، بخطواته التي ما كانت تسير إلا في طريق الوحدة الوطنية، لدحر الاحتلال وإقامة دولة فلسطين الحرة المستقلة.

لهذا فإن الذكرى بالنسبة لنا ليست مهرجاناً استعراضياً، بقدر ما هي مناسبة أخرى للاحتفاء بسيرة ومسيرة ياسر عرفات النضالية، وأيضاً بقدر ما هي موعظة طيبة وحسنة ووطنية خالصة، لنواصل مسيرة الحرية بلا أخطاء الحسابات الفصائلية الضيقة، وبلا خطايا تمويلات المال الحرام، التي لا تريد سوى تمزيق صفوفنا وشرذمتها وتدمير أحلامنا وتطلعاتنا المشروعة في الحرية والاستقلال.

ولهذا أيضاً نرى أن الوفاء لسيرة الزعيم الخالد، إنما يكمن في التمسك بنهج هذه السيرة وأفكارها ومبادئها، والتماهي معها على نحو ما يجددها، وليس بمزاودات الخطاب الفارغة، واستعراضات مهرجانات التمويل الانتهازية..! كما نرى أن الوفاء يكمن في قول كلمة الحق والصواب وهي اليوم وعلى نحو شديد الضرورة والأهمية، كلمة الوحدة الوطنية التي هي كلمة الدولة ووعي الدولة كضرورة حرية.

والوحدة الوطنية، هي وحدة القرار الوطني المستقل، ووحدة السلطة الوطنية الواحدة، والقانون الواحد، والإدارة الواحدة، والسلاح الواحد.

وهذا هو ياسر عرفات، هنا يكمن معنا، وحيث هو روح الوطنية الفلسطينية وعقلها المشرق من تاريخ بطولاتها النضالية.

في يوم الذكرى لا ترانا إلا خطى ما زالت تمضي في طريق الحرية الذي شقه ياسر عرفات مع إخوته من قادة الكتيبة الفتحاوية الأولى، قادة التأسيس والشعلة التاريخية، التي يرفعها اليوم عالياً الرئيس أبو مازن وقد باتت تتوهج أكثر بما حقق لفلسطين في الأمم المتحدة، وبما أنجز وينجز من مقومات الدولة.

ويبقى أن نؤكد دائماً، لا الذكرى، ولا الذكريات، هي ما يجعل الزعيم الخالد الحاضر أبداً بيننا ومعنا ولنا، وإنما هي فكرته التي تسكن فينا والتي سبق وأن اكتشف ذلك على نحو مبدع شاعرنا الكبير محمود درويش حين قال في بيان حزنه على ياسر عرفات "إن في كل واحد منا فكرة شخصية منه، وعناق وقبلة" ولا زمن في التجربة الملحمية الفلسطينية يقدر على محو الفكرة العرفاتية خاصة وهي على هذا القدر من الحنو والحميمية المعمدة بالعناق والقبل.

وياسر عرفات القدس على بوابة الفجر لرايات فلسطين التي قلت إنها سترفرف على أسوار المدينة، وعلى مآذنها وأبراج كنائسها، وقد عادت داراً للسلام حين هي عاصمة لدولة فلسطين الحرة.