كان في مدينة أمير عطوف، محبوب ومقدر من جميع رعاياه، غير أنه كان ثمة رجل فقير الحال،  معدم جعل دأبه وديدنه ذمّ الأمير، والتشهير به، وتحريك لسانه أبداً ودائماً في التشنيع عليه.  وكان الأمير يعرف ذلك، ولكنه ظلّ صابراً لا يحرّك في شأنه ساكناً.

وأخيراً خطر بباله أن يضع له حدّاً، وأرسل إليه في ليلة من ليالي الشتاء خادمه، وحمّله كيس طحين وعلبة صابون، وقالب سكر.

قرع الخادم باب الرجل وقال: "أرسل إليك الأمير هذه الهدايا، علامة تذكار، ودليل رعاية."

وشعر الرجل بالزهو، وأخذه العجب، إذ حسب أن الهدايا تكريم من الأمير له،  وذهب في نشوة الكبرياء إلى أحد أصدقائه وأخبره بما فعل الأمير قائلاً : "ألا ترى كيف أن الأمير يطلب رضاي ؟" ولكن صديقه قال: "ما أحكم الأمير وما أقلّ فطنتك"، إنه يتكلم بالرموز، الطّحين لمعدتك الفارغة، والصابون لقذارة سريرتك، والسكر ليحلو لسانك المر.
وأصبح الرجل خجلاً منذ ذلك اليوم،  حتى من نفسه وسكت بعد ذلك،  ولم يتعرض للأمير بكلمة.
في كثير من الاحيان ننسى فهم الناس فنعتبر الأدب والأخلاق والطيبة ضعفاً واستكانة يجب ان نحترم الجميع ونعاملهم بما يستحقون.