ما زالت حركة "حماس" تهوى التلاعب بالكلمات والمناورة بها، على وهم أنَّها بهذا التلاعب، وهذه المناورة، قادرة على إخفاء ما تُبطن من موقف ما زال مناهضاً للمصالحة الوطنية، التي من الضرورة، أن تبدأ أولاً من إنهاء الانقسام القبيح، بل أن المصالحة لا يمكن أن تستقيم دون هذا الإنهاء وعلى نحو حاسم.

  في القاهرة، وفي أجواء الخطاب القومي المسؤول للأشقاء المصريين بشأن المصالحة الوطنية، أعلنت "حماس" استعدادها لحل اللجنة الإدارية فورا، وقد يبدو هذا الإعلان تطوراً ايجابياً في هذا السياق، لكن التلاعب بالكلمات يبطل هذا التطور الايجابي، ويؤكد باطنية "حماس"، ويكشف عن نواياها الحقيقية المناهضة للمصالحة الوطنية، وإصرارها على أن تظل حواراتها هي حوارات الطرشان على أقل تقدير، وإلا ماذا يعني أن تضيف حركة "حماس" في هذا الإعلان أنها على استعداد للحوار مع حركة "فتح" لإبرام اتفاق وتحديد آليات تنفيذه (...!!!) وكأنها لم تحاور حركة "فتح" قبل هذا اليوم، والأهم كان اتفاق القاهرة الموقَّع عام 2011 والذي أُعيدَ التأكيد عليه بتوقيع جديد عام 2012، لا وجود له البتة..!! وليس ذلك فحسب، بل أنه لا وجود أيضا لاتفاقية مكة المكرمة، ولا لإعلانات صنعاء والدوحة والشاطئ!!

وفي غزة تغتنم حركة "حماس" ذكرى انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة، وبعد أن تصور في بيان شعبوي مطول، هذا الانسحاب الذي أسس للانقسام القبيح بانه انتصار مظفر، تغتنم هذه الذكرى لتواصل هجومها على السلطة الوطنية، على أن هذا ليس هو المهم، بل المواقف التي تكرسها في هذا البيان، والتي تؤكّد أنَّها ليست إلا مواقف إقصائية، لا تقرب ولا بأي حال من الاحوال المصالحة الوطنية، ولا بأي كلمة من الكلمات، ما يعني أن إعلانها في القاهرة، ليس إلا إعلان علاقات عامة لتكريم حسن الضيافة المصرية!!

وفي هذا البيان بمواقفه الإقصائية، لا تريد "حماس" من الكل الوطني سوى أن يكون مزمارًا لها، ولمشروعها الذي انكشف تماما، أنه لا يعرف المقاومة حقا خارج الخطاب والشعار، بل أنه لم يقربها في يوم من الأيام على نحو وطني صحيح، وقد تكشفت عمليات التفجير التي نفذتها أواخر تسعينيات القرن الماضي، بأنها لم تكن تستهدف الاحتلال الإسرائيلي، بقدر ما استهدفت إضعاف السلطة الوطنية، وتدمير فرص السلام التي كانت ممكنة في ذلك الوقت، وهذا ما استثمره اليمين الإسرائيلي المتطرف الى أقصى حد، وما زال يستثمره حتى اللحظة لوأد فكرة السلام بحد ذاتها، وفي هذا البيان تصر "حماس" على المناكفة، والمغالطة، ونفي الحقائق، وتلبيس السلطة الوطنية مواقف لا وجود لها ولا واقع مطلقا...!! ففي الوقت الذي تعرف فيه أن الرئيس أبو مازن قد أوقف حقًّا التنسيق الأمني وما زال، فإنها تطالب بوقف هذا التنسيق (...!!) والكف عن اعتراض مسار المقاومة..!! هذا المسار الذي لا يعرف أحد أين هو، وما هو شكله ولونه وطبيعته، وأين هي الخطوات الماضية فيه..؟؟ لكنه وكما يكشف البيان ليس إلا المسار الذي تريد "حماس" بواسطته إجبار السلطة الوطنية على الاستمرار في تمويلها للانقلاب والانقسام القبيح..!! وخطوات الضرورة الوطنية التي يتخذها الرئيس أبو مازن لوقف هذا التمويل، ليست إجراءات عقابية ضد القطاع كما تصورها "حماس" وبيانها، وإنما هي لقبر الانقسام القبيح ليس إلا، وقد تفهم ذلك اهلنا في القطاع المكلوم على نحو بالغ الوضوح.

وباختصار بيان "حماس" في ذكرى انسحاب قوات الاحتلال أحادي الجانب من قطاع غزة، لا ينسف فقط ما أعلنته "حماس" في القاهرة، بل أنه يؤكد حقيقة موقفها الإخواني الرافض للتخلي عن هذه الإمارة التي تراها جماعة الإخوان المسلمين بأنها قاعدتها الآمنة التي يمكن لها أن تحيي مجدّدًا مشروع الجماعة على هذا النحو أو ذاك..!! "حماس" ما زالت هي "حماس" بالباطنية ذاتها، التي ما زالت تفشل في إخفاء حقيقة مواقفها، في الوقت الذي تنجح فيه في إبقائها في جلدها الذي لا تريد الخروج منه أبدًا!!