مجلة القدس العدد 340 اب 2017
إعداد الباحث الاكاديمي محمود الأسدي - صيدا/ 25 تموز 2017
تتصدرُ وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام بكافة وسائطه حكايات وقصص وأمثلة الإرهاب المستشري عالمياً، في حين وقفت محكمة العدل والجنايات الدولية ومعها هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن عاجزة عن تقديم تعريف للإرهاب وتحديد سبله وتمويله وتدريبه وأهدافه. فبقى هذا التعبير هلامياً تستخدمه بعض الدول وتسقطه تعسفاً على أفراد وجماعات ترفض التسلط والهيمنة على مقدرات الوطن وحصرها بيد فئة مؤهلاتهم روابط أسرية (أبناء، أخوة، أفراد، عشيرة) أو انتماءات حزبية (يسارية، يمينية، معتدلة) أو طائفية، إثنية عرقية وما أكثر انتشارها في الوطن العربي (سوريا، العراق، الأردن، لبنان، مصر، الجزائر، اليمن، السودان، والخليج العربي)، كما تسقطه على دول أخرى لا تدور في فلك الأنظمة المستبدة وتقوم بتمويلها، وتدريبها وتأييدها في المحافل الدولية.
هذا التصنيف بارز بشكل سافر في عديد أنظمة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي.
حذّر هنتنغتون في كتابه "من نحن" من الخطر الإسلامي- الكونفوشيوسي على الغرب، وفي كتابه الجديد "صراع الحضارات" يحذر من الخطر الذي يتعرض له جوهر الهوية الأمريكية الانغلو- بروتستاني من القوة المتعاطفة من الأمريكيين من أصول لاتينية، وكذلك من الإسلاموفوبيا (الإرهاب الإسلامي).
وحيث أنَّ البلدان العربية موطن العديد من الاثنيات القوميات والطوائف والأعراف والهويات (تنتشر في العراق، على سبيل المثال، قوميات كبيرة العدد إذ يعتبر الكرد والتركمان والمسيحية القوى الثانية والثالثة والرابعة بعد العرب، وفي سوريا يعتبر الكرد والسريان من القويمات الكبيرة وأن أول انقلاب نفَّذه المقدم حسني الزعيم وفوزي سيلو وأديب الشيشكلي كانوا كرداً، ويشكل الأقباط طائفة كبيرة في مصر، ناهيك عن الأمازيغ في الشمال الأفريقي، إضافة إلى قوى أخرى أصغر مثل الأشوريين، الصابئة، المندائيين، الإيزيديين، الكدان، .. الخ.
وإذا لم تتجه أنظمة الشرق الأوسط إلى هؤلاء الأخوة من الطوائف والقوميات والاثنيات وتعمل على دمجهم في المجتمعات العربية فإنهم قنابل موقوتة داخل الوطن.
منهجية مبرمجة تعتمدها الأنظمة العربية الفاسدة تجاه بعضها ببعض وتلتمس أحياناً تحالفات حزبية، طائفية وفئوية تستعين بها لقهر مواطنيها وقتلهم وتشريدهم وتدمر الوطن. ونلحظ حالياً فشل ما يسمى "الربيع العربي" عام 2011. ثورات ما يسمى "بالربيع العربي" ليست وليدة الصدفة، بل هي وليدة تراكمات عقود القمع والتسلط، الاضطهاد والتهميش لمكونات الوطن. ومن أجل الحفاظ على مكتسباتها وهيمنتها استعانت الأنظمة العربية المتهالكة بقوى إقليمية ومليشاوية طائفية وقوى عالمية كانت تطمع ليكون لها موطئ قدم في بلدان شرق المتوسط فأبرمت مع تلك القوى الأجنبية تحالفات في جوانب واتجاهات متعددة.
دول الجوار الإقليمية وكذلك الدول الأجنبية في الشرق (روسيا على سبيل المثال) والغرب (أمريكا، بريطانيا وفرنسا) لم تتقدم لنجدة أنظمة فاسدة متهالكة لحسن نيّة وإنما حماية لمصالح سياسية، تجارية، إقتصادية ولوجستية وتثبيت مواقع إستراتيجية وتأمين وحماية طرق مواصلات وجني ثمار إعادة اعمار ما دمرته، واختبار فاعلية أسلحتها المتطورة كالصواريخ الباليستية وفاعلية غاز الأستيلين وانتشاره.
والإرهاب تعريفاً اعتداء على مؤسسات المجتمع المدني، الثقافية والتربوية والترفيهية، الصحية والسياسية، العقائدية والدينية في أي قطر ودولة من مواطني تلك الأقطار أو من أفراد أو أحزاب أو دول. ويشمل التعريف تقييد حرية المواطنين في التجمع والتظاهر والتعبير والتنقل والإقامة والتواصل والإتصال. ومما يدهشنا استخدام عبارة الإرهاب كفزاعةً وتعبير تُسقطه الدول على الآخر- فرداً، طائفة، حزباً، عقيدة أو نظاماً- يرفضُ الاحتكارات والهيمنة الإبتزاز والتسلط فيكون العقاب أساطيل بحرية وقوات جوية وقوات برية تدنس أرض الوطن. وهذا ما نشهد حالياً من تدمير مقومات الوطن في العراق منذ عام 2003، وسوريا وليبيا والسودان وبلدان الشمال الأفريقي منذ عام 2011. دُمرتْ المدن والبنى التحتية للأوطان، ثلث مقومات البلدان، وشُرِدَ المواطنون وهاموا على وجوههم في الصحارى والبحار- منهم ابتلعهم البحر، واعتقل البعض الآخر، ومنهم القلة (حملة المؤهلات العلمية والفنية) حق اللجوء والإقامة، كما حصل الشباب أيضاً حق الإقامة لحاجة الغرب التي شاخ لعنصر الشباب ليكونوا رافعةً إقتصادية في البلدان المضيفة وعوناً في تقديم معلومات لوجستية وتحسين النسل.
ونلحظُ أن الإرهاب لم يقتصر على نظام أو حزب أو فئة محددة، لقد اتسع وتنوع وتشظى وكان من مرتكبيه وأنواعه:
• الإرهاب الفردي Lone Wolf
إعتداء يقوم به فرد واحد ضد الآخر- أكان فرداً أو مجموعة. كما يكون ضد مؤسسات التجمع المدني أو الدولة احتجاجاً وانتقاماً من تسلط الدولة وفسادها، أو استجابة لحشد وتعبئة الإعلام ضد طائفة دينية أو إثنية. شاب في الغرب يعتدي على فتاة مسلمة محجبة! تصدى له بعض المارة فيقتل إثنين منهم. تعتقله الشرطة، ويطل الإعلام "شاب معتوه"، أو أنه "تحت تأثير المخدرات والمسكرات تبريراً لجريمة اقترفها وعنصرية نفذها.
بالمقابل شاب فلسطيني أثاره ممارسات صهيونية عنصرية داخل المسجد الأقصى، ومُنع المصلون تأدية صلاة الجمعة، هاجم الشرطة التي أطلقت النار عليه وقتلته، ثمَّ توجهت إلى منزل والديه واعتقلت شقيقه وعبثت بمحتويات المنزل.
الأطفال الفلسطينيون يعانون الكثير على حواجز الصهاينة في طريقهم إلى مدارسهم أو العودة منها. فيلقون الحجارة على الحواجز. فيعتقل الأطفال فوراً ويتعرضون لأقسى أنواع الإرهاب الفكري والنفسي والجسدي. كما يُقدمون للمحكمة العسكرية للبث بقضايا مدنية!! ناهيك عن مئات الأمهات والصبايا الفلسطينيات اللواتي يرزحن في المعتقلات لتظاهرهن احتجاجاً على الظلم والتعسف الذي يَتعرض له آلاف الأسرى الفلسطينيون.
• الإرهاب الفئوي/ الطائفي
نشاهد يومياً حشداً وتعبئةً لميليشيات أحزاب دينية، فئوية، طائفية، وسياسة تأييداً لقائد أو رئيس ينتمي لهذه الأحزاب والفئات أو الطوائف ضد مواطنية من الطوائف الأخرى في منطقة الشرق الأوسط على الأرجح!!.
تتناغم ممارسات هذه الميليشيات مع ما ترتكبه المليشيات الفئوية وتلك التي تقترفها إسرائيل. الأولى في دول إقليمية والثانية ضد الفلسطينيين داخل فلسطين 1948 والضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967.
إن أفيدا يوسف الحاخام والأب الروحي لحزب شاس الصهيوني اليميني يدعو إلى إبادة الفلسطينيين في "يوم الغفران" قائلاً "تُمنع الرحمة والرأفةُ بهم (أي الفلسطينيين). واصفاً العرب في مقام آخر "أنهم مصاصو دماء يجب التخلص منهم".
ويذكر العالم اغتيال وسيط الأمم المتحدة "كونت برنادوت" في القدس انتقاماً منه لفضح مزاعم الصهاينة وعدم التزامهم بنصوص التقسيم عام 1948. إنه نموذج للعنصرية التي يتعرض لها الفلسطينيون من قبل أحزاب صهيونية متطرفة تتمتع بحماية غربية أوروبية، تحديداً الأنكلو-برتستانتية.
• إرهاب الدولة
إن الحصار الخانق الذي تقيمه سلطات القمع والإرهاب على قطاع غزة وحصار القطاع براً، جواً وبحراً شاهد فاضح لكافة دول العالم وخرق سافر للمواثيق والمعاهدات والقيم الإنسانية. ناهيك عن اجتياح القطاع والدمار الذي خلَّفته طائرات وصواريخ صهيونية في القطاع.
أمريكا كعادتها حامية إسرائيل تقف إلى جانبها باستخدام الفيتو رفضاً لإدانة مجلس الأمن الدولي لقرارات الأمانة. وهي التي تمدُّ المحتل بمستلزمات القتل والدمار إلى جانب ملايين الهبات والمنح لإنعاش الاقتصاد المنهار، وتغض الطرف عن ممارسات الاعتداء الصارخ للمسجد الأقصى، وإقامة بوابات إلكترونية لمراقبة دخول المصلين المسلمين إلى الأقصى واحتجازها مفاتيح ثلاث بوابات للمسجد وفرض الدخول من بوابات محددة.
الصهاينة يرفضون إقامة دولة فلسطينية. ورفضوا إتفاق مدريد، كما رفضوا تطبيق بنود اتفاق أوسلو 1993، ورفضوا خطة الطريق للرئيس الأمريكي بوش وكذلك مقترحات الدول العربية لعام 2002. إنهم يتطلعون إلى إقامة "دولة يهودية" كما صرح رئيس وزرائهم "نتن ياهو".
للتذكير فقط- إن الدول القائمة في العالم لها سمات وميزات خاصة بها تؤهلها للحياة ومنها اللغة المشتركة، الأرض الإقليمية المشتركة، التاريخ المشترك، الثقافة المشتركة والحياة الإقليمية المشتركة. وهذه جميعها غير قائمة في تجمعات اليهود قديماً وحديثاً. إن الدولة الصهيونية بإجاز تام تفقد هذه السمات والمميزات كما يشير العرض التالي:
• اللغة المشتركة
اللغةُ أول مرتكزات الدول للتفاهم بين الأفراد، وتدوين محفوظات الدولة وآداب وثقافة الشعب وفنونه وأنشطته الترفيهية والرياضية، وغيرها. فالصهاينة الذين وفدوا إلى فلسطين ليس لديهم لغة واحدة، اليهود الروس يتقنون التحدث والتدوين بلغات ولهجات كانت سائدةً بالاتحاد السوفياتي قبل تفكيكه، والحال كذلك مع اليهود الفلاشة القادمين من أفريقيا، ومثلهم الكرد الذين نزحوا من العراق.. والعديد الذين وفدوا من أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة أو إسبانيا وبريطانيا والبلاد العربية..
• الأرض الإقليمية المشتركة
لم يعرف اليهود أرضاً مشتركةً منذ القدم. عاشوا على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية منذ التيه والتغريب والسبي لأن ديدانهم نبذ الأخر دينياً واجتماعياً، وثقافياً واجتماعياً،حضارياً وإنسانياً مما حدا بالمؤتمر المسيحي الرابع إلى إصدار قرار معاقبتهم وطردهم من أوروبا عام 1215.
لذا، لم يرسم دستور الصهاينة في فلسطين حدوداً لما يسمى "دولة الصهاينة" لأنهم يدركون أنهم غرباء ومحتلون لا بدّ من طردهم وتشتتهم مرة أخرى.
• التاريخ المشترك
لا رابط ولا تاريخ مشتركاً يشد التجمع الصهيوني القادم من أقاصي الأرض إلى فلسطين. تاريخهم ميثولوجيا (أساطير) ومعتقداتهم زائفة ترتكز على الكذب والدجل، التزييف والتحوير.
فلسطين موطن الكنعانيين أجداد الفلسطينيين عاشوا فيها آلاف السنين. وحين ظهرت مقولة الصهيونية طالب هرتزل مكاناً لتجمع الصهاينة فيه حتى ولو كان في أوغندا في أفريقيا. لكن الاستعمار البريطاني تحقيقاً لطموحات معينة وتحقيقاً لتأمين طريق المواصلات ومواقع استراتيجية في الشرق الأوسط أصدر وعد بلفور عام 1917م، وعمل على تقسيم فلسطين عام 1947.
المسيح عليه السلام إبن فلسطين ولد في بيت لحم وحمل صليب المعاناة وسار في طريق الجلجلة في القدس يوم وشى به اليهود للرومان.. والقدس ثالث الحرمين المقدسين ومسرى الرسول الكريم محمد (صلم). فلسطين عربية وإسلامية منذ القدم. وستعود كذلك بإذن الله.
• الثقافة المشتركة
لا ثقافة جامعة مشتركة للصهاينة. إنهم حقيقة يحملون أشتات ثقافات متعددة. وإصرار الحزب الصهيوني اليوم على "دولة يهودية" فاقد المرتكزات. إنه تمنٍّ عنصري سقط مع خروج البيض من جنوب أفريقيا أمام نضال وكفاح وإصرار الرئيس منديلا.
الصهاينة متعددو الأعراق والأجناس والأثنيات (منهم الروسي، الكردي، الفلاشي، العربي، الأشوري، اللاتيني، الاسباني، والبريطاني والأميركي). وإنهم فاقدوا الهوية القومية التي تضم الطوائف والأجناس التي تعتبر الرابط بين كافة الشعوب.
• الحياة الإقليمية المشتركة
حال الصهاينة القادمين من أصقاع العالم، يشهدُ تبايناً واختلافاً واضحاً في العادات والتقاليد والأعراف واللغات واللهجات، حملتْ كل فئة منهم ما إكتسبته في الأقطار التي ولدوا وعاشوا فيها. وكانت جزءاً من كيانهم وسلوكهم الإجتماعي وطرق حياتهم.
ويلحظ مراقب ودارس وباحث السيسيولوجيا تفاوتاً في لون البشرة عند الصهاينة أنه ألوان قوس قزح منهم الأسود، الأبيض، الأصفر، اللاتيني، المنغولي)، واختلافاً في الخلق والهيئة الجسدية، وتبايناً في المعارف والثقافات.
تشير الدراسات الحديثة إلى دور الصهاينة في التقرب من الإثنيات والأقليات المنتشرة في الوطن العربي ليس محبة وتقديراً وإنما لتنفيذ مآرب سياسية وأمنية لإصفاف الوطن العربي وإنشغاله بمشاكل إثنية داخلية لهدر طاقاته وإبعاده عن جوهر الصراع مع دولة الصهاينة.
ويذكر المهتمون بعلاقة الأقليات (الكردية- الإسرائيلية) ترتيب هروب الطيار العراقي النقيب منير روفائيل الأشوري بطائرة الميغ 21 إلى إسرائيل أثناء حرب 1973م. هذا ونشطتْ المخابرات الإسرائيلية في شمال العراق وقيام الموساد الإسرائيلي على تدريب وحدات عسكرية كردية للتجسس، كما تشهد بصمات القامشلي في سوريا، آذار 2004 (وليد عبد الناصر، السياسة، عدد 135، ص.ص 129-130).
لم تختلف سياسة إسرائيل الخارجية عن كل من سياسيات بريطانيا، فرنسا، روسيا، وأمريكا التي تلعب على تناقضات القومية والدين بغية الحفاظ على بقاء قضيتهم حية والعمل على تحقيق طموحاتهم. وقد جعلتْ الدول الغربية من قضيتهم قنبلة موقوتة يفجرونها بأوقات يرونها مناسبة لهم..
وفي المناسبة، هل يحقق الأمريكيون وعد الرئيس روزفلت بـ "إقامة الدولة الكردية لحماية النفط في الشرق الأوسط"؟
الدول الكبرى تسعى عبر التاريخ لتحقيق مصالحها والحفاظ على التوازنات الإقليمية فكرست الطائفية بشكل لافت. وتسعى أمريكا واللوبي الصهيوني وإسرائيل إلى تقسيم منطقة الشرق الأوسط إثنياً وقومياً، وتستخدم مفاهيم أيدلوجية عصبوية من شأنها الإنقسام العمودي للمجتمع وشرذمة المجتمع المدني بشكل خاص!.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها