دعت الحركة النسوية الفلسطينية والأحزاب السياسية إلى أهمية النظر في كافة القوانين ألفلسطينية وإقامة حوارات مجتمعية شاملة لما يبرز في المجتمع من تحديات وإشكالات يتعين معالجتها على قاعدة أن المجتمع المتماسك هو الأقدر على مواجهة الاحتلال.وجاء ذلك في مؤتمر عقده مركز الدراسات النسوية في رام الله حول حقوق المرأة وبناء الديمقراطية، وتطرق المؤتمر التي عقدت يوم الإثنين على مدار يومين لمناقشة عدد من النقاط الأساسية التي تعنى بها الحركة النسوية في فلسطين سواء تلك المرتبطة بالتحولات الجارية في المنطقة العربية، أو ما يتعلق بالتنمية المجتمعية في فلسطين وجاهزية المجتمع الفلسطيني لتغيير وضع المرأة.
المرأة في ظل التحولات الجارية
أكدت وزيرة شؤون المرأة "ربيحة ذياب" في كلمتها على أهمية سن قانون يحمي المرأة الفلسطينية على ألا يكون في معزل عن تنمية شاملة للمرأة تمنح القانون ضمانة النجاح في ظل المفاهيم السائدة في المجتمع الفلسطيني الذي يتسم بالذكورية، في ظل التغييرات التي تشمل المجتمعات المدنية العربية سيما بعد الربيع العربي. ومن جانبها استعرضت رئيسة مجلس إدارة مركز الدراسات النسوية "زهيرة كمال" الموقف الراهن للمرأة الفلسطينية بالمقارنة مع المرأة في باقي دول العالم، التي أثبتت الدراسات والأبحاث وفق ما ذكرت في كلمتها أنه ومنذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان منهج عمل بكين لا تزال الفجوة كبيرة لصالح الرجل في المجتمعات، ولا تعكس التطورات والمكاسب النسوية مشاركة سياسية فاعلة في الحياة العامة وأكدت على أن الديمقراطية لا تكون كاملة أو حقيقية دون تحقيق مبادئ المساواة بين الرجل والمرأة، ومكافحة العنف ضدها.
المرأة والإسلام السياسي
وبدوره استعرض النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني قيس أبو ليلى أبعاد العلاقة ما بين المرأة وتيار الإسلام السياسي في منظوره لحقوقها، وتناقضه مع العملية الديمقراطية التي خاضها في بلدان الربيع العربي، ولاسيما في جمهورية مصر العربية. واتهم أبو ليلى تيارات الإسلام السياسي بتوظيف الدين في الصراع السياسي، على قاعدة الدمج بين الدين والدولة بما يجعل التناقضات واضحة أمام المتتبعين لحركات الإسلام السياسي، التي يتعين أن تعترف من وجهة نظره بأن الديمقراطية علمانية في أصلها. وشدد على أن العلمانية لا تعني العداء للدين أو مناهضته؛ أنما هي ضامنة حرية المعتقد لكافة الأديان، عبر الفصل بين الدين والدولة والسياسة على قاعدة أن الدين لله والوطن لجميع من فيه.
وأكد أبو ليلى أن اعتراف تيارات الإسلام السياسي في اعترافها لا تكون بذلك نابذة للمرجعية الفكرية للإسلام في تقديم حلول مجتمعية، بل تلتزم في تطبيق ذلك بالديمقراطية دون سعي لفرض كل معتقدها وفكرها السياسي على المجتمعات، ودلل على ذلك بالحزب الحاكم في تركيا – حزب رئيس الحكومة رجب أردوغان – الذي يقبل علمانية الدولة التركية وطابعها العام.
واستعراض موقف الإسلام السياسي من المرأة الذي يصل إلى ذروة التناقضات في تناوله لحقوقها وواجباتها وذلك من منظوره بدونية لها، وتحديده للعلاقة معها على مبدأ الولاية والقوامة، وبأن حقوقها تنبع من كونها طرف ضعيف يجب إكرامه لا من مبدأ المساواة والحقوق الكاملة.
وأكد أبو ليلى أن تيارات الإسلام السياسي لا تمنح حقوقا للمرأة على مبدأ المواطنة، ويبرز هذا الأمر في معارضتهم لبنود اتفاقية سيداو التي صدرت عن الأمم المتحدة وتحدثت عن السلم الأهلي والقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. وأشار أبو ليلى إلى أهمية إعادة النظر في أحكام القبول بتعدد الزوجات، قياسا على قاعدة اختفاء نظام الرق وملك اليمين مع أنها مباحة في الإسلام وهو ما يرفضه أنصار الإسلام السياسي، وقضية الميراث الذي شدد على ضرورة أن يكون على قاعدة التساوي بين الرجل والمرأة.
المرأة والعلمانية
تناول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية "صالح رأفت" دور العلمانية في تعريف الدولة التي تخدم مواطنيها جميعا على أساس ألمساواة وانتماء الفرد لدولته في معزل عن معتقداته بأن يكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات للدولة التي تفصل الدين عن سياستها وتعاملاتها مع الأفراد بتحقيق الالتزام بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطات عبر شكله المتعارف عليه (الانتخابات) وتحقيق عدالة القانون والكرامة الاجتماعية وإرساء مبادئ التكافل والتضامن وحقوق التعليم والصحة والعمل.
وأشار رأفت إلى أن وثيقة الاستقلال الفلسطينية أكدت بما لا يضع مجالا للشك على علمانية دولة فلسطين داعيا إلى إعادة صياغة قوانين فلسطينية وإنجاز دستور شامل يلغي كافة أشكال التمييز في القوانين القائمة، بما فيها قوانين الأحوال الشخصية، وأن تكون تلك القوانين نابعة من مفاهيم المواطنة وملتزمة بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان عموما والمرأة على وجه الخصوص.
المرأة والبنية العشائرية
انتقدت عضوة المجلس التشريعي الفلسطيني "خالدة جرار" عدم التفات المجلس التشريعي لوضع المرأة الفلسطينية لاسيما في ظل الحالة العشائرية في فلسطين. وتناولت جرار تركيبة العشائر في فلسطين ومنظورها للمرأة ألفلسطينية وما تجره من هضم لحقوق المرأة لاسيما فيما يتعلق بمفهوم القتل على خلفية الشرف، الذي تتجاهل المنظومة السياسية خطورته على النساء في فلسطين مستفيدة من العشيرة التي لا يسيطر على مواقفها وأحكامها القانون. وفي ذات السياق أوضحت جرار أن التغيير الاجتماعي يعتبر من أصعب أنواع التغيير الذي يطال المجتمعات العشائرية ذات السلطة الأقوى التي يمتلكها على الأغلب شيخ القبيلة الذي يعد أكثرها مالا أو نفوذا. بما يجعل التغيير الاجتماعي مرتبطا بالظروف الاقتصادية التي تنعكس على كافة الجوانب الحياتية.
وأكدت جرار على أن العشيرة تتعامل مع المرأة من موروث ثقافي وديني يستند إلى أن المرأة كائن ضعيف لا يجوز خروجه عن وصاية العشيرة ورؤيتها لمصيرها، التي تتجلى في العديد من الممارسات الاجتماعية كما في الزواج والطلاق. وأشارت جرار إلى أن غالبية القضايا المنظورة في المحاكم الفلسطينية أثبتت بما لا يجعل مجالا للشط أن نزاعات الملكية هي السبب الرئيس في قضايا القتل على خلفية الشرف، وأن العشائر الفلسطينية تمنح الغطاء لتلك الجرائم متذرعة بمفاهيم الرجولة والشرف والنخوة.
وطالبت جرار توفير الحماية الشاملة للمرأة التي تقتل في كل شيء ورفع الاضطهاد عنها، بتوقيع الرئيس محمود عباس على قانون الأحوال الشخصية وقوانين المرأة التي لم يقم بإنفاذها بمراسيم رئاسية حتى الآن، وهو ما فسرته جرار على أنه موقف مبني على حسابات سياسية لدى الرئيس عباس وتأتي على حساب المرأة ألفلسطينية وهو ما وافقها عليه عضو اللجنة التنفيذية صالح رأفت الذي أكد أن الرئاسة لن تستجيب دون تشكيل ضغط شعبي عليها لتعديل قانون الأحوال الشخصية.
قضية المرأة مجتمعيا
وتحدثت عضوة المجلس الوطني الفلسطيني والوزير السابقة ماجدة المصري حول المجاملة السياسية والحزبية والاجتماعية على حساب المرأة في فلسطين، داعية إلى حوار بين كافة التيارات السياسية الفلسطينية بما فيها الأحزاب والفصائل التي تمثل تيار الإسلام السياسي. وأن يبدأ ذلك الحوار بين المكون النسائي أولا، والحركة الوطنية والإسلامية تاليا وعموما.
وأما الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني "بسام الصالحي" فوجه انتقاده للحركة النسوية في فلسطين، مطالبا إياها للتصالح مع الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية، التي اعترف الصالحي في ذات السياق بأن المرأة لم تعد على أولى أولوياتها، وتتعرض لانتكاسة في برامجها المجتمعية التي هي وفق تعبيره من صميم نهجها ومبادئها.
وأشار الصالحي إلى أن القضايا المجتمعية لا تقف على رأي واحد بين الرجل والمرأة، فالعديد من القضايا أيضا تخص الرجل كما المرأة، علاوة على القضايا النسوية الخاصة. ونبه الصالحي إلى أن المكون النسائي الفلسطيني يشمل المرأة الإسلامية أو المتدينة بالدين الذي تعتنقه، ولها رأي في كافة القضايا المطروحة وهو ما يثبت أن المرأة الفلسطينية تحتاج إلى حوارات معمقة في كافة الملفات التي تطرحها الحركة النسوية، وكافة القضايا المجتمعية المرتبطة بنوع الجنس أو الشاملة للجنسين. وشدد الصالحي أيضا على أهمية الالتفات إلى النظام التعليمي الفلسطيني وفلسفة التعليم، وإلى العودة إلى الإصلاح الديني الذي عطلته قوى الإسلام السياسي بأفكارها المبنية على الإفادة والتمكين السياسي عبر توظيف الدين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها