رغم مرور 65 عاماً على النكبة ما يزال من تبقى من الجيل الأول للنكبة في جنين يتذكرون طقوس رمضان ومظاهره قبل النكبة والتي رسمت عادات الشعب الفلسطيني في تلك الحقبة من تاريخه. ويستذكر الحاج فايز عبد القادر من قرية صبارين قضاء حيفا صورة رمضان في قريته قائلاً: "كنا نطحن ونخبز ونعيش من خيرات أرضنا، ونخصص صاعاً من القمح للعالم إبراهيم النعاني، الذي كان يتطوع في بلدنا، ويعطي الناس دروساً في رمضان".
وأضاف: "كانت (الهيطلية) والزلابية والفطير والبرغل الوجبات الشائعة في رمضان، فيما كنا نسمن الخراف لذبحها مع حلول العيد، وكنا نعرف توقيت حلول الشهر الكريم وحلول العيد من الراديو الوحيد عند المختار مسعود عبد القادر". وأردف: "ما زلنا نحفظ (توحيشة) شهر رمضان للمسحراتي أسعد الناطور، ونتذكر استعدادات الرجال والنساء لموسم الصيام، وطحن البرغل، وتجهيز البيوت للشهر الفضيل، واعتماد الناس على ما تزرعه وتربيه في طعامها وسحورها".
المسحراتي أبو كلاش: ويقول الحاج حسين سالم أبو مراد، من مواليد قرية اللجون عام 1930: "كانت قريتنا غنية بالخيرات، مثل الخضروات والحنطة، وفي رمضان لم نكن نحتاج إلى شيء، وكانت العزائم دارجة بين الناس، وفي المساء يقام مولد للشيخ حسن محاميد، وكان المسحراتي محمود أبو كلاش يلف البلد لإيقاظ الناس".
وتروي الثمانينية يُسر عبد الجبار هنطش ذكرياتها لرمضان قبل النكبة فتقول: "كنا ننتظر المسحراتي أبو محبوبة، ونساعد أمهاتنا في إعداد وجبة السحور والفطور، ونوفر معظم طعامنا من الخضراوات التي يزرعها والدي". وتسرد كيف كانت تطبخ البرغل المفلفل مع الشعيرية على الحطب، وتقدمه للعائلة خلال وجبة السحور، إلى جانب وجبات اللبنة والحليب البلدي الطازج، والزبدة المنتجة في البيت.
آخر رمضان في "إجزم"
وروت كيف كان أهل البلدة يجتمعون في مجالس تسمى (حوزات)، ويحضرون الزغاليل والدجاج البلدي المحشي للإفطار، ويتسحرون مع بعضهم على المهلبية وهي خلاصة النشا المستخرج من القمح بطريقة يدوية مضافاً إليها الحليب، وتسرد الحاجة هدى الخطيب أجواء رمضان في قرية "إجزم" القريبة من حيفا، حين قصفت طائرات "العصابات الصهيونية" القرية بالطائرات، بالتزامن مع وقت الإفطار، وقتلت العديد من المجتمعين على الموائد، وأجبرت الباقين على الفرار بجوعهم وعطشهم.
وأشارت الخطيب إلى أن ذلك كان آخر رمضان قبل النكبة؛ حيث حدثت حالة هرج ومرج في القرية وقت الإفطار وتشتت الناس واستشهد عدد كبير دون مراعاة من الاحتلال لحرمة الشهر الفضيل. وأضافت أن ذلك المشهد كان آخر ذكرياتها قبل النكبة حيث امتزج الإفطار بالدم؛ مشيرة إلى أن رمضان قبل النكبة كان فيه الخير والبركة، مستذكرة قيام المواطنين في البلدات والمدن الساحلية بأخذ طعام الإفطار وتناول على شط البحر بسبب الحر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها