دعا تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو المكتب السياسي لتحرير فلسطين الى إنهاء الانقسام والى استعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني من مواجهة الضغوط التي يتعرض لها، والتصدي للتحديات التي يفرضها الوضع الدولي والإقليمي المعقد، ومواصلة نضاله الوطني بكل السبل والإمكانيات وبصفوف موحدة من اجل انتزاع حقوقه الوطنية في تجسيد قيام دولته المستقلة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين

وأكد خالد في حوار مع وسائل الاعلام أن المصالحة الوطنية وجهود استعادة وحدة النظام السياسي في السلطة الوطنية ، ما زالت عالقة في الطريق بين المصالح الفئوية والأنانية الضيقة . وعلى هذا الاساس يتواصل  الانقسام المدمر ويتعمق ولا يلوح في الافق فرص حقيقية لطي صفحة هذا الانقسام ، إلا إذا تمكنا من خلال انتخابات المجالس المحلية ان نفتح بوابة أمل بإمكانية تجاوز حالة الانقسام من خلال استعادة حق المواطن في الممارسة الديمقراطية

وبشأن انسداد آفاق التسوية السياسية أشار خالد إلى أن الحركة الوطنية الفلسطينية تقف أمام منعطف : إما الاستمرار في الرهان على التطورات والمبادرات الخارجية ، التي يعول البعض على نجاحها في إعادة الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي الى طاولة المفاوضات الثنائية دون شروط مسبقة كما تدعو لذلك حكومة نتنياهو  ، أو البحث عن خيارات أخرى تقودنا نحو التخلص من الاحتلال والأستيطان وانجاز الاستقلال .

وأوضح أن الجانب الفلسطيني دخل في تجربة نعرفها جيدا مع الخيار الأول على امتداد كل هذه السنوات منذ التوقيع على اتفاقيات اوسلو عام 1993 ، وحصد نتيجة سياسته نتائج مرة ومريرة يجب ان تدفع جميع من لديهم اوهام الى التخلي عن اوهامهم بإمكانية التوصل مع الجانب الاسرائيلي الى تسوية سياسية من خلال الدخول في نفس التجربة وتوقع نتائج مغايرة لتلك التي افضت اليها التجربة السابقة .

وبشأن عمليات التطبيع الجارية بين عدد من الدول العربية ودولة الاحتلال الاسرائيلي  قال "إن المسألة هنا لا يمكن اختصارها بالتطبيع ، لأن ما يجري أخطر من ذلك بكثير . ما يجري هو بصراحة  دعوة لإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة باصطفافات وتحالفات جديدة على حساب المصالح والحقوقه الوطنية للشعب الفلسطيني وجساب ومصالح الحقوق القومية لشعوب الامة العربية   

وحول ميول التطرف في اسرائيل أوضح ان الاوضاع في اسرائيل تجاوزت التطرف نح صعود ميول الفاشية ، التي لم تعد ظاهرة عابرة وهامشية في الاوساط الشعبية والرسمية بقدر ما أصبحت حالة قائمة تجد تعبيراتها في الاعمال الاجرامية والاعدامات الميدانية التي يمارسها جيش الاحتلال على الحواجز العسكرية

وحول تراجع فرص التقدم نحو تسوية سياسية على اساس حل الدولتين أكد خالد بأنه يجب عدم الاستهانة بما يجري على الارض وعدم التقليل من مخاطرة ، خاصة إذا ما واصلت حكومات اسرائيل مخطط توسيع المستوطنات وخلق واقع تسيطر فيه دولة إسرائيل على مساحات واسعة متصلة من أراضي الضفة الغربية، بينما يجد الفلسطينيون انفسهم محشورون  في 'كنتونات' أو معازل مفتتة غير متصلة وتدعوهم اسرائيل الى تسميها دولة .

وفي ملف الانتخابات أكد تيسير خالد أن انتخابات المجالس المحلية مطلب جماهيري وحق من حقوق المواطن وشكل من أشكال الممارسة الديمقراطية، لافتا إلى أن وانتخابات المجالس المحلية عملية ينبغي الا تخضع للمناورات أو للمساومات السياسية بربطها مثلا بالمصالحة الوطنية وانهاء الانقسام كما أوحى البعض في البداية ، وألا تخضع كذلك للتسييس ، لأنها ببساطة ليست انتخابات سياسية بقدر ما هي عملية ديمقراطية يشارك فيها المواطنين من اجل انتخاب من يرعى مصالحهم ويقدم أفضل الخدمات لهم في مقابل التزامات يؤدونها نحو مجتمعاتهم المحلية

وفيما يلي النص الكامل للحوار :


1 - تمر القضية الفلسطينية الآن في مأزق خطير في ظل التغول الإسرائيلي وتسارع وتيرة الإستيطان والإنقسام الفلسطيني والانشغال العربي- فما هو تقييمكم الدقيق للوضع الفلسطيني في ظل هذه التطورات؟

الحالة الفلسطينية  تقف أمام منعطف ، وأمام أحد خيارين : إما الاستمرار في الرهان على تطوير النظام الفلسطيني نحو الدولة من خلال المفاوضات كخيار وحيد او خيار رئيسي ، أو البحث عن خيارات أخرى تقودنا نحو التخلص من الاحتلال والاستيطان وتضع اقدامنا بثبات على طريق تمكين دولة فلسطين تحت الاحتلال ، كما عبر عنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 19/67 لعام 2012 من ممارسة سيادتها على جميع اراضيها المحتلة بعدوان 1967 وكما حددها قرار الجمعية العامة المذكور.

الخيار الاول جربناه على امتداد كل هذه السنوات منذ التوقيع على اتفاقيات اوسلو عام 1993 ، وقد انتج ما نراه اليوم من أوضاع مأساوية يعيشها المواطن الفلسطيني تحت الاحتلال .

ويخطيء من يعتقد أن تكرار التجربة بنفس الأساليب ونفس الأدوات يمكن أن يأتي بنتيجة مختلفة عن الوضع الذي نحن فيه . في ظل هذا الخيار سوف تواصل اسرائيل سياستها الاستيطانية الاستعمارية وسياسة التهويد والتطهير العرقي كما تجري في القدس وفي مناطق الاغوار الفلسطينية ومناطق جنوب محافظة الخليل وغيرها من المناطق في الضفة الغربية ، لنصحو على مأساة أن تتحول الضفة الغربية الى جليل جديد في ظل حالة العجز العربي وفي ظل صمت المجتمع الدولي وسياسة ازدواجية المعايير ، التي يسير عليها

وعليه فليس أمامنا ، إذا ما اردنا الحيلولة دون ابتلاع الضفة الغربية وتحويلها الى جليل جديد ، سوى القطع مع هذا الخيار البائس والدخول في مواجهة سياسية شاملة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاسس ، التي اتفقنا عليها في قرارات المجلس المركزي في دورة انعقاده في آذار من العام الماضي ، وذلك بوقف التنسيق الأمني دون تردد مع سلطات وقوات الاحتلال وإعادة بناء العلاقة مع اسرائيل باعتبارها دولة احتلال كولونيالي استيطاني ودولة ابارتهايد وتمييز عنصري ، بكل ما يترتب على ذلك من اجراءات وتدابير لفك الارتباط مع هذا الاحتلال في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والادارية بدءا بالعلاقات الاقتصادية وبخاصة اتفاق باريس الاقتصادي مرورا بسجل السكان وسجل الاراضي وانتهاء بحق دولة فلسطين في ممارسة سيادتها على جميع اراضيها المحتلة ورفض استمرار تقسيم الضفة الغربية الى مناطق على الطريقة الاسرائيلية هذه لك ( مناطق A ) وهذه لي ( مناطق C  ) وهذه لي ولك ( مناطق B )  ، ومواصلة التصرف  وكأن هذه الاراضي مناطق متنازع عليها ، هذا الى جانب مواصلة التحرك والهجوم السياسي على المستوى الدولي ودعوة دول العالم الى التعامل مع اسرائيل باعتبارها دولة احتلال كولونيالي استيطاني ودولة ابارتهايد وتطهير عرقي وملاحقتها في المحافل الدولية على هذا الأساس حتى تكف عن التصرف كدولة استثنائية ودولة فوق القانون وتمتثل للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، والتحضير في الوقت نفسه للدخول في عصيان وطني يدفع المجتمع الدولي للتدخل والبحث عن حل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي في إطار دولي ورعاية دولية وسقف زمني محدد ومرجعية سياسية وقانونية لإنهاء الاحتلال على اساس اليات تنفيذ لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني – الاسرائيلي .

إدرك جديا أن الانتقال من خيار الرهان على المفاوضات كخيار رئيسي او خيار وحيد الى خيار المواجهة السياسية الشاملة على اساس قرارات المجلس المركزي في دورة انعقاده الاخيرة لن يكون انتقالا سهلا ، ليس فقط بسبب العوامل الخارجية الاقليمية والدولية في وضع تعيش فيه المنطقة مخاضا محفوفا بالمخاطر على قضيتنا الوطنية ، بل وبسبب عوامل داخلية تتصل بشرائح اجتماعية ترى مصالحها مهددة في حال الدخول في مواجهة شاملة مع دولة الاحتلال ، غير أن خيار المواجهة هو الوحيد ، الذي من شأنه أن يعيد التوازن في مواقف القوى الاقليمية ، بما فيها العربية بالطبع ، ومواقف القوى الدولية من قضيتنا الوطنية.

2 - التطرف الإسرائيلي أصبح جزءا من الحياة السياسية في اسرائيل  وما يسمى قوى السلام تكاد تختفي- مقابل ذلك هناك تطبيع عربي وكل ذلك إنعكس على الوضع الفلسطيني حيث تسود حالة من اليأس في صفوف المواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال هل من مخرج لحالة اليأس هذه؟

نعم هذا صحيح ، فالتطرف الاسرائيلي اصبح مجتمعيا ، بل اكثر من ذلك فما يسمى باليسار الصهيوني في تراجع مستمر  بينما الفاشية في اسرائيل وباعتراف عدد غير قليل من السياسيين والعسكريين وقادة الرأي العام في حالة صعود في اسرائيل في حالة حضور وصعود . جميعنا يذكر تباين المواقف لدى عدد من هؤلاء السياسيين والعسكرين بعد جريمة الاعدام الميداني للمواطن الفلسطيني عبد الفتاح الشريف في الخليل نهاية آذار الماضي ، كان هناك اوساط سياسية بينها حكومية تبنت الجريمة ودافعت عنها وأوساط سياسية اخرى في اسرائيل رفعت صوتها محذرة من التحول المتسارع  نحو الفاشية ليس فقط عند الاحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة وأحزاب وأوساط المستوطنين بل وكذلك في الاوساط الحكومية الرسمية . ميول الفاشية لم تعد ظاهرة عابرة وهامشية في الاوساط الشعبية والرسمية بقدر ما أصبحت حالة قائمة تجد تعبيراتها في الاعمال الاجرامية والاعدامات الميدانية التي يمارسها جيش الاحتلال على الحواجز العسكرية المنتشرة في طول الضفة الغربية وعرضها  وعلى مفترقات الطرق وفي الاعمال الارهابية التي يمارسها المستوطنون وخاصة سكان البؤر الاستيطانية ، التي تحولت الى حواضن للارهاب اليهودي ، هذا الى جانب اعمال القوانين العنصرية التي تصدر عن الكنيست وأعمال التحريض العنصري اليومي ضد المواطنين الفلسطينيين فضلا عن  فتاوى حاخامات الكراهية .

وفي المقابل تجري في محيطنا العربي مع الأسف الشديد عمليات انفتاح على دولة الاحتلال الاسرائيلي . ينبغي عدم الاستهانة بما يجري أو التقليل من خطورة انفتاح بعض الدول العربية وخاصة في الخليج العربي على اسرائيل ، أو حتى الصمت على التصريحات ، التي تصدر عن رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين الاسرائيليين بشأن تطور العلاقات مع دول عربية محورية انطلاقا من تقاطع المواقف او السياسات ، التي تدعو لخارطة تحالفات جديدة في المنطقة لمواجهة ما يسمى بالخطر الايراني الشيعي او خطر المنظمات الارهابية السنية كتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش )

وفي تقديري ان ما يجري يتجاوز التطبيع ، لأن ما يجري أخطر من ذلك بكثير . ما يجري هو بصراحة  دعوة لإعادة ترتيب الاوضاع في المنطقة باصطفافات وتحالفات جديدة لا مصلحة فيها للدول العربية وبالتأكيد لا مصلحة فيها  للشعب الفلسطيني ، بل إنها سوف تكون على حساب مصالحه وحقوقه

وإذا كانت حكومة نتنياهو تحاول خلط الاوراق واستغلال الخلافات المذهبية والطائفية في المنطقة ، التي تغذيها الدوائر الاستعمارية الحليفة لدولة اسرائيل ، وتجميل الوجه الارهابي القبيح لدولة اسرائيل ، فإن على اشقائنا في الدول العربية عدم الانخداع بسياسة حكومة اسرائيل ، لأن حكومة اسرائيل ، برئاسة نتنياهو أو غيره من قادة الارهاب الصهيوني لن ترفع الكستناء لأحد من النار ، وهذا ما يجب أن يدركه الأشقاء العرب وخاصة الذين يستعجلون الدخول في إصطفافات جديدة في المنطقة على حساب المصالح العليا لشعوب الامة العربية بشكل عام وعلى حساب المصالح والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بشكل خاص .

هذا كله ينعكس بكل تأكيد على الاوضاع الفلسطينية وحالة المواطن الفلسطيني تحت الاحتلال ، غير انني لا اتفق مع الرأي القائل بأن ذلك ينعكس على نحو يعمق حالة اليأس في صفوف الفلسطينيين . اليأس يغلق أبواب الأمل وينطبق على الافراد اكثر من انطباقه على الشعوب ، ولهذا فإنني أميل الى توصيف الحالة بأنها حالة احتقان تنذر بانفجار ، وهو في تقديري قائم وقادم كلما وصلت حدة التناقضات في المصالح المادية والسياسية الوطنية حدودا لا تحتمل . والمهم هنا ان تلتقط القوى المبادرة وتتقدم الصفوف وان تمتنع السلطة وأجهزتها العسكرية والامنية عن التصرف كسد مانع كما كان الحال مع انتفاضة الشباب . 

4. هل تعتقدون في ظل كل ما يحدث الآن من تطورات أن الحل القائم على دولتين مستقلتين متجاورتين تعيشان بسلام أمر ممكن أو لنقل ما زال قابلا للتحقيق؟  وإذا إختفى هذا الخيار فما هو البديل أو البدائل؟

فرص بقاء حل الدولتين على قيد الحياة ترتبط بالتطورات الجارية على الارض وخاصة في الضفة الغربية والدروس ، التي على الجانب الاسرائيلي استخلاصها كلما امعن في تقويض فرص التقدم نحو تسوية سياسية قاعدتها الرئيسية وليست الوحيدة طبعا حل الدولتين . ذلك لا يعني أن على  الجانب الفلسطيني أن يكتفي بدور المراقب ، فعلى العكس من ذلك ينبغي أن يكون دوره على هذا الصعيد محوريا ، خاصة وأن الامر يتعلق بمستقبله . وعلى العموم ما زالت الممارسات الاستيطانية هي التي توجه التطورات في كل ما يتصل بشؤون التسوية السياسية للصراع وطبيعتها ، بدءا بنشاطات اسرائيل الاستيطانية مرورا بسياسة هدم منازل ومنشآت الفلسطينيين وخاصة في القدس ومحيطها وفي المناطق المصنفة حسب الاتفاقيات مناطق ( C ) وانتهاء بسياسة الترانسفير والتطهير العرقي الصامت التي تجري في القدس ومحيطها وفي مناطق الاغوار الفلسطينية ومناطق جنوب الخليل بشكل خاص وفي مختلف المناطق في الضفة الغربية بشكل عام .

فمنذ احتلال الضفة عام 1967 وضعت دولة الاحتلال الاسرائيلي نصب اعينها تغيير الطابع الديمغرافي للضفة الغربية تحديدا من خلال الشروع ببناء المستوطنات . وقد مر الاستيطان في الضفة الغربية على امتداد سنوات الاحتلال بثلاثة مراحل رئيسية ، الاولى خلال حكم حزب العمل ، الذي انتهى بفوز الليكود في انتخابات الكنيست 1977 حيث كان الاستيطان يتركز في القدس وفي محيطها وفي غوش عتصيون بين بيت لحم والخليل وفي مناطق الاغوار الفلسطينية ، والثانية بعد صعود الليكود الى السلطة عام 1977 بزعامة مناحيم بيغن حيث بدأ الاستيطان ينتشر في جميع انحاء الضفة الغربية خاصة بعد ان اصبح شارون أرئيل شارون، وزيراً للإسكان 1990 ، وبدأ بتطبيق رؤيتة في محو ما يسمى الخط الأخضر (الخط الفاصل ما بين أراضي 1967 و1948) بشكل كامل والثالثة بعد التوقيع على اتفاقيات اوسلو 1993 ، حيث أخذت جميع الحكومات في اسرائيل تسابق الزمن بفرض المزيد من وقائع الاستيطان على الارض لترسم بذلك ملامح التسوية السياسية مع الفلسطينيين ، وقد تضاعف نشاط اسرائيل على هذا الصعيد عاما بعد آخر وخاصة بعد الاتفاق على خطة خارطة الطريق التي اعتمدها المجتمع الدولي في نيسان من العام 2003 كرشوة جرى تقديمها من الادارة الاميركية بعد غزو واحتلال العراق . الآن يوجد  145 مستوطنة في الضفة، و 15  القدس الشرقية، وما بين 100 – 120  موقع استيطاني عشوائي او بؤرة استيطانية تحول معظمها الى حواضن لمنظمات الارهاب اليهودي في الضفة الغربية ، أما عدد المستوطنين فيجري التعتيم عليه بحيث يتراوح في الضفة الغربية بما فيها القدس بين 560 ألفا في الظاهر و 750 ألفا في الواقع .

الاستيطان من ناحية وسياسة هدم منازل ومنشآت الفلسطينيين من ناحية ثانية وسياسة الترانسفير والتطهير العرقي الصامت من ناحية ثالثة بدأت تدفع ليس فقط بعض الأوساط الفلسطينية بل وكذلك الدولية ، إلى الاعتقاد بأن حل الدولتين لم يعد ممكناً . وفي اسرائيل ذاتها هناك من يشعر بالمخاوف ويرى أن اسرائيل تتجه اكثر فأكثر نحو المأزق كلما اوغلت في نشاطاتها الاستيطانية وانتهاكاتها لحقوق المواطن الفلسطيني تحت الاحتلال ، لأن بديل حل الدولتين بالنسبة لهؤلاء هو دولة فصل عنصري . البعض يعتقد أن الامور يمكن ان تسير والحالة هذه نحو الدولة الواحدة ثنائية القومية، غير أن إسرائيل تخشى ذلك ، فموجبه ستكون هناك أغلبية فلسطينية ما بين البحر والنهر لأن النمو الديموغرافي في صالح الفلسطينيين ، الذين كما تشير المعطيات سوف يشكلون أغلبية سكانية ( بنسبة 52% ) في فلسطين التاريخية بحلول عام 2020 .

ورغم ذلك يجب عدم الاستهانة بما يجري على الارض وعدم التقليل من مخاطرة ، خاصة إذا ما واصلت حكومات اسرائيل مخطط توسيع المستوطنات وخلق واقع تسيطر فيه دولة إسرائيل على مساحات واسعة متصلة من أراضي الضفة الغربية، وبحيث تحشر الفلسطينيين في 'كنتونات' أو معازل مفتتة غير متصلة وتسميها دولة .

لا أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة على هذا الصعيد ، فدائماً هناك خيار بديل، سواء بالنسبة لدولة الاحتلال الاسرائيلي أو بالنسبة للجانب الفلسطيني . شبح الدولة ثنائية القومية يؤرق اوساطا تتزايد في دولة الاحتلال الاسرائيلي ويتفاقم هذا القلق كلما بدت صورة الحالة الديمغرافية في المدى المنظور أوضح ، وبالنسبة للجانب الفلسطيني فإن الخيارات محدودة ، ويبقى الخيار الوطني البديل لدولة المعازل ( عمليا دولة او سلطة الحكم الذاتي الموسع للسكان دون الارض ) هو خطوات جادة ومسؤولة بفك الارتباط في مختلف مناحي الحياة مع دولة الاحتلال والتحضير لعصيان وطني يفضي الى تسوية شاملة متوازنة على اساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ويوفر الفرص لقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية دون اجحاف بالحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف وفي المقدمة منها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم ، التي هجروا منها بالقوة العسكرية الغاشمة .

4. نلاحظ أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي قد أوغلا كثيرا في تهميش القضية الفلسطينية ، كيف نعيد الاهتمام بالقضية في المحافل الدولية.

لا شك أن التطورات والاحداث الساخنة التي تجري في المنطقة قد ساعدت في دفع قضية الشعب الفلسطيني الى الظل ومكنت الامم المتحدة من إدارة الظهر للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي والاكتفاء بدور المراقب لما يجري على الارض من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي والقانون الانساني الدولي على ايدي سلطات وقوات الاحتلال والاكتفاء بالتعليق الخجول على تلك الانتهاكات . وكلنا يذكر الدورة الاخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة ، حيث غابت فلسطين تماما في كلمات الزعماء بدءا بكلمة الرئيس الأميركي وغيره من رؤساء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي .

هذا التجاهل لقضية الشعب الفلسطيني كان عاملا من العوامل التي دفعت الشباب الفلسطيني الى النزول الى الميدان في انتفاضة الشباب ، التي حركت المياه الراكدة ودفعت بعض الدول الى التصرف بمسؤولية ودعوة الامم المتحدة الى تحمل مسؤولياتها في البحث عن تسوية للصراع تنهي معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال . ولسوء حظ الشعب الفلسطيني فإن القيادة الفلسطينية تخلفت عن مسؤولياتها في احتضان ورعاية وتوجيه انتفاضة الشباب وفضلت الاضطلاع بدور أثار سخطا واسعا في الاوساط السياسية الفلسطينية . وهكذا تراجع دور انتفاضة الشباب ومعه تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية بالضرورة ، حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه في التقرير الذي قدمته الرباعية الدولية الى مجلس الأمن الدولي مطلع الشهر الماضي وما تضنه من توصيات تمت صياغتها بالتنسيق والتوافق بين الخارجية الاسرائيلية والمندوب الاميركي في الرباعية الدولية .

وقد جاءت التوصيات ، التي تضمنها التقرير ، الذي قدمته الرباعية الدولية الى مجلس الأمن الدولي تعكس حالة العجز والشلل ، التي تعيشها اللجنة الرباعية والمفروضة عليها منذ سنوات من الادارة الاميركية وسياستها المنحازة بشكل أعمى للسياسة العدوانية الاستيطانية والاستعمارية لدولة الاحتلال الاسرائيلي . تلك التوصيات لم تكن متوازنة  وجاءت تعكس سلسلة من الاملاءات على الجانب الفلسطيني وتعطي في الوقت نفسه الضوء الأخضر لحكومة بنيامين نتنياهو للاستمرار في مواصلة النشاطات الاستيطانية بعد ان رفضت الادارة الاميركية بشكل قاطع إدانة تلك النشاطات ودعوة اسرائيل الى وقفها وبعد ان نجح نتنياهو في اقناع الادارة الاميركية وبتواطؤ مع ممثل الامين العام للأمم المتحدة نيكولاي ميلادينوف بشطب كل ما يتعارض مع سياتها ونشاطاتها الاستيطانية  الاستعمارية ، بحجة ان ذلك يمكن ان يعزز الموقف الفلسطيني في حال طلب التدخل من المحكمة الجنائية الدولية بشأن الاستيطان .

وجاء انتقاد الرباعية لدولة اسرائيل وسياستها التي تقضي ببناء وتطوير مستوطنات، وتخصيص اراض لاستخدام الاسرائيليين حصرا، ومنع الفلسطينيين من البناء والتطوير ، وفقا لما جاء في تلك التوصيات ، بمثابة الضوء الأخضر ، الذي لا يمنع حكام تل أبيب من مواصلة أعمال البناء في المستوطنات وهو ما استوعبه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في تعليقه على تلك التوصيات حين وصف ما جاء فيها حول النشاطات الاستيطانية بالكلام الفارغ  ، في تحد واضح للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، التي تدعو الى وقف جميع اشكال النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس باعتبارها غير شرعية وباعتبارها كذلك تندرج وفقا للقانون الانساني الدولي ووفقا لنظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في اطار جرائم الحرب .

وباختصار فإن التوصيات العشر ، التي تضمنها تقرير الرباعية الدولية تنطوي على خطورة بالغة وعلى سلسلة من الإملاءات على الجانب الفلسطيني لا يمكن القبول بها ، مثلما لا يمكن القبول بأن تتحول لغة التقرير والتوصيات الى سقف جديد للموقف الدولي ، كما تريد كل من الادارة الاميركية وحكومة اسرائيل . ومن هنا دعونا ردا على تلك التوصيات الى  سرعة التحرك بالتنسيق مع الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة والتوجه دون تردد الى مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار يجرم الاستيطان ويدعو اسرائيل الى وقفه دون قيد او شرط ويؤكد الحاجة والضرورة لعقد مؤتمر دولي للسلام في إطار الامم المتحدة يطلق عملية سياسية برعاية دولية على اساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ، مثلما دعونا الى نقل ملف الاستيطان الى المحكمة الجنائية الدولية بطلب واضح من المدعي العام بإحالته الى الشعبة القضائية في المحكمة باعتباره جريمة موصوفة وفقا للفقرة الثامنة من المادة الثامنة لنظام روما للمحكمة الجنائية الدولية .

5. أين وصلت جهود المصالحة بين السلطة وحماس؟  ألا ترى أن هناك ضرورة وطنية حاسمة لرأب هذا الصدع الخطير؟  هل من مبادرات جديدة؟

المصالحة الوطنية ، او بمعنى أدق جهود استعادة وحدة النظام السياسي في السلطة الوطنية ، عالقة في الطريق بين المصالح الفئوية والأنانية الضيقة . وعلى هذا الاساس يتواصل  الانقسام المدمر ويتعمق ولا يلوح في الافق فرص حقيقية لطي صفحة هذا الانقسام والتوجه نحو تعزيز الوحدة الوطنية واستعادة وحدة النظام السياسي في اطار السلطة الفلسطينية ، وهناك من يرى في هذا الانقسام المدمر وسيلة لتعزيز نفوذه ومكاسبه على حساب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني . فرغم توقيع العديد من اتفاقيات وتفاهمات المصالحة، بعضها على مستوى ثنائي بين حركتي فتح وحماس وبعضها على مستوى وطني ضم جميع الفصائل الوطنية والديمقراطية والإسلامية، فضلا عن الشخصيات المستقلة، إلا أن جميع هذه الاتفاقيات ما زالت عالقة في طريق المصالح الفئوية الضيقة، لأن المصالحة عند البعض ما زالت تستند إلى حسابات المصالح والنفوذ والسيطرة والهيمنة في الأمور الصغيرة منها والكبيرة ، ويجري التمترس وراء الانقسام بحجج مختلفة، في اعتداء على حق المواطن الفلسطيني في الممارسة الديمقراطية. وإذا استمرت الأمور على هذا الحال، فمن الطبيعي أن تعيش المؤسسات الرسمية حالة من التدهور على أوضاعها وعلى دورها ليتقدم المشهد في النظام السياسي حلول الحكم الاستبدادي محل حكم المؤسسات الدستورية كما هو الحال في الضفة الغربية أوسيطرة حكم الميليشيات كما هو الحال في قطاع غزة، وأعتقد أنه لا مخرج من هذا الانسداد في أفق المصالحة، سوى الخيار الديمقراطي واحترام حق المواطن في الممارسة الديمقراطية بعيدا عن الحجج والذرائع التي تسعى لتعطيل هذا الحق ، أي الذهاب الى انتخابات عامة رئاسية وتشريعية وعلى قاعدة قانون انتخابات ديمقراطي وعصري يعتمد نظام القوائم والتمثيل النسبي الكامل واحترام نتائج الخيار الديمقراطي من ناحية والأخذ بالاعتبار اننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني تتطلب الحفاظ على الائتلاف الوطني العريض ومغادرة سياسة الانفراد والتفرد في إدارة الشأن الوطني العام من ناحية ثانية ، فنحن لا نملك ترف الحديث عن تداول سلمي للسلطة ، ما دام الوضع الفلسطيني بأسره تحت سلطة الاحتلال .

6. كيف تتوقعون أن تسير عملية الانتخابات البلدية القادمة؟ هل ستتمتع بالشفافية والسلمية والحيادية ويتم الإلتزام بنتائجها؟

انتخابات المجالس البلدية والمحلية والقروية مطلب جماهيري وحق من حقوق المواطن وشكل من اشكال الممارسة الديمقراطية وهي عملية ينبغي الا تخضع للمناورات أو للمساومات السياسية وألا تخضع كذلك للتسييس ، لأنها ببساطة ليست انتخابات سياسية بقدر ما هي عملية ديمقراطية يشارك فيها المواطنين من اجل انتخاب من يرعى مصالحهم ويقدم أفضل الخدمات لهم في مقابل التزامات يؤدونها نحو مجتمعاتهم المحلية . تسييس مثل هذه الانتخابات يلحق الأذى والضرر بدور ووظيفة هيئات الحكم المحلي المنتخبة سواء كانت مجالس بلدية ام مجالس محلية ام مجالس قروية . وهي انتخابات تحكمها شروط الكفاءة والمهنية قبل غيرها لارتباطها أساسا بخدمات تقدمها هذه المجالس للجمهور كخدمات التخطيط الهيكلي والتنظيم والبناء وخدمات الكهرباء والماء والنظافة والحفاظ على بيئة نظيفة وغيرها من الخدمات الأساسية ، التي لا غنى للمواطن عنها في حياته اليومية .

ومن الضروري هنا احترام ما سمي بوثيقة الشرف ، التي اتفقت عليها مختلف القوى والتي تنطلق من اعتبار العملية الانتخابية حقا شعبيا وضرورة وطنية وحاجة اجتماعية ملحة ، ووسيلة لتفعيل المؤسسات الوطنية الفلسطينية واستعادة دورها في خدمة الشعب ، والعمل في الوقت نفسه على توفير المناخات الإيجابية لإجراء الانتخابات وأن تكون لجنة الانتخابات المركزية هي المرجعية لكافة الإجراءات الإدارية والفنية والإجرائية الكفيلة بضمان إجراء الانتخابات وفقا للقانون ، وأن يتم احترام  دور محكمة البدايات في الضفة وغزة باعتبارها المرجعية القانونية للعملية الانتخابية استنادا للقانون الفلسطيني ، هذا الى جانب التزام الجهات الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بتوفير الحماية والأمن للجان الانتخابات وتوفير الحماية للمتنافسين ومقارهم الانتخابية واحترام الحكومة لنتائج الإنتخابات، بما يلزمها التعاون قانونيا إداريا وماليا مع المجالس المنتخبة ، وأن تجري الانتخابات بشفافية وأن يسمح لمؤسسات المجتمع المدني المحلية بمراقبتها وأن يتم تسهيل مهمة المراقبين والصحافيين أثناء عملهم لمراقبة وتغطية الانتخابات بكافة مراحلها ، هذا الى جانب عدم إفساد الانتخابات باستخدام المال السياسي أثناء العملية الانتخابية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

وعلى كل حال وفي ظل الاوضاع التي تعيشها الساحة الفلسطينية ، فإن هذه الانتخابات يمكن أن تشكل رافعة من روافع تجاوز حالة الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني ، إذا ما تم توفير سبل نجاحها وإذا ما  جاءت في سياق الاعداد للانتخابات العامة ، الرئاسية والتشريعية ، والتي في إطارها وفي ضوء نتائجها يمكن أن نؤسس لنظام سياسي يحترم حق المواطن في الممارسة الديمقراطية كأساس لا غنى عنه في حياتنا السياسية . غير أنه من الانسب عدم رفع سقف التوقعات على هذا الصعيد أو الدخول في عملية ربط ميكانيكي مجرد بين انتخابات السلطات المحلية والانتخابات العامة ( الرئاسية والتشريعية ) حتى لا يصاب الرأي العام بإحباط جديد إذا ما غابت الارادة السياسية بشأن اجراء الانتخابات العامة .