يعيش 79% من المقدسيين تحت خط الفقر  وفقاً لتقرير الفقر الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية نهاية العام المنصرم 2012، ويعزو المختصون ارتفاع هذه النسبة إلى سياسة الاحتلال التي تنتهجها في مدينة القدس لإفقار السكان وإرغامهم على ترك المدينة تحقيقاً لهدف الاحتلال بإفراغ القدس من سكانها، وتتجلى سياسات التهجير في العديد من الصور ومنها فرض الضرائب الباهظة التي لا يقابلها تقديم الخدمات، والجدار الذي يقطع أوصال المدينة، وإغلاق المحال التجارية؛ فمنذ العام 1999 أكثر من 5000 مصلحة تجارية، إلى جانب التضييق على التعليم بعدم  توفير غرف صفية  كافية في المدارس

ويصف الخبراء الوضع الاقتصادي في القدس بالهزيل والمعزول الذي أصبحت فرص تطوره نادرة بحكم الوضع السياسي في المدينة والذي تنعكس سلبياته على جميع مناحي الحياة فيها، وتفيد إحصائيات معهد القدس للدراسات الإسرائيلية أن 40% من الرجال المقدسيين  من العاطلين عن العمل، وتزداد الصورة قتامة إذا ما علمنا أن نسبة النساء العاملات في القدس الشرقية لا تتعدى نسبتهن 15% فيكون ما يقارب 85% من النساء عاطلات عن العمل.

صعوبات تواجهها المرأة المقدسية: تواجه المرأة الفلسطينية في القدس صعوبات في الانخراط في سوق العمل، فلا تستطيع النساء في المدينة إيجاد فرص عمل جيدة بأماكن مناسبة، وإذا ما عثرت إحداهن على وظيفة مناسبة ستكون في منصب بسيط لا يتوافق مع مؤهلاتها، علاوة على انتهاكات حقوق العمل التي تتعرض لها الموظفات المقدسيات بدءا بالرواتب الضئيلة وساعات العمل الطويلة، الأمر الذي يجبر تلك النساء على المكوث في المنزل دون عمل.

وتضيف المحامية نسرين عليان من جمعية حقوق المواطن في إسرائيل إلى الأسباب السابقة عوامل أخرى تساهم في تدني الوضع الإقتصادي للنساء في القدس، منها نسبة التسرب العالية من المدارس خاصة بين الإناث، عدم إتقان اللغة العبرية إذا ما كان هناك فرصة للعمل في القدس الغربية أو حتى الشرقية، بالإضافة إلى صعوبة التنقل في القدس الشرقية في ظل وجود نظام مواصلات معقد يأخذ من الوقت الكثير وبالتالي إذا كان العمل سيستمر لوقت متأخر فهناك منظومة عادات وتقاليد لا تتقبل مثل هذا الأمر
وتتابع عليان الحديث عن المنظومة الإجتماعية التي تساهم بشكل كبير في تدني نسبة مشاركة النساء في سوق العمل وإنخفاض مستوى وضعهن الإقتصادي، فالتوقعات الإجتماعية تريد للمرأة أن تبقى في المنزل، على إعتبار أن الإعتناء بالأطفال والقيام بالأعمال المنزلية هي المهام الأكثر ملائمة لها في ظل مجتمع محافظ يرى في خروج المرأة للعمل هو تعارض مع الوظائف الأساسية.

وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني  هناك ثلاثة مجالات تشغيل أساسية للفلسطينيين في القدس، وهذه المجالات هي، الفندقة والمطاعم بنسبة 25%، التربية والتعليم 18.9%، والخدمات العامة كذلك بنسبة 18.9%، ولعل المجالين الأول والثالث يكون العمل فيها أكثر ملائمة للرجال، باستثناء التعليم الذي تنخرط فيه نسبة كبيرة من المقدسيات الحاصلات على شهادات عليا. وعليه نجد أن غالبية النساء اللواتي يحصلن على عمل في المدينة المقدسة يخضن بيئة عمل غير مقاربة  لاحتياجاتهن، فهي إن لم تكن معلمة أو سكرتيرة في مؤسسة خاصة أو إحدى المؤسسات الإسرائيلية، أو في واحد من صناديق المرضى التي تشترط معرفة الموظفة للغة العبرية لقبولها، فهي ستكون عاملة نظافة في القدس الشرقية أو الغربية وغالباً ما يشرف على هذه الأعمال مقاولون لا يترددون في إنتهاك حقوقهن، وهكذا تكون المرأة المقدسية بين خيارين أحلاهما مر، إلا أن صعوبة الحياة والحاجة للمال تجبران النساء على مثل هذه الأعمال لاسيما وإن كان الزوج عاطلا عن العمل. وبالرغم من جميع ما ذكر آنفاً، إلا أن هناك بقية لفسحة للعيش والأمل، وهذا ما تؤكده المحامية عليان، التي تحدثت عن بداية إنتشار نوع من الوعي الذي تحاول بعض النساء من خلاله تعويض أنفسهن عن الخسائر وإثبات قدرتهن على العطاء والمساهمة في تطوير أوضاعهن وأوضاع عائلاتهن الاقتصادية. وبدأت العديد من النسوة بالعودة لاستكمال تعليمهن على إعتبار أنه السلاح الذي سيحميهن مستقبلاً، ومنهن من بدأن بفتح مشاريع صغيرة داخل المنزل كمخرج للضائقة الإقتصادية التي يعشنها وعائلاتهن، وتتعدد نماذج هذه المشاريع فمنهن من تعمل كمصففة شعر (كوافيرة)، أو من تقوم ببيع المطرزات، أو بيع المعجنات وغيرها من الأعمال.

تهوى رائدة محيسن وهي سيدة مقدسية، صناعة الحلي والإكسسوارات بمختلف أنواعها وأشكالها، فبدأت بترجمة هوايتها واقعاً من خلال صناعة قطع من الحلي لقريباتها وصديقاتها، حتى أيقنت في أواخر العام 2008 ضرورة أن توسع أعمالها، فأوجدت لمجوهراتها إسم "لمساتي"، وشاركت في أحد المعارض حيث لاقت حضوراً كبيراً لزاويته، كما تأكدت حينها من ضرورة الاستمرار بهذه الصناعة والتحسين من هذه الهواية
بدأت محيسن بتوسيع مجال هوايتها بالإعتماد على ذاتها ودون مساعدة أو تمويل من أحد باستثناء عائلتها، وها هي اليوم تشارك بالمعارض المحلية كما وصلت ابتكارتها في صناعة الحلي إلى دبي ومسقط وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما نجحت بمساعدة أصدقاء بعمل معرض في قطاع غزة، وهي كما تقول لا زالت هاوية ولا تبحث عن مردود مادي كبير من مبيعاتها بل تريد أن توجد لنفسها مكاناً وأن تضع بصمتها في المجتمع.

تسوق محيسن إبتكاراتها من الحلي والإكسسوارات عبر صفحة "لمساتي" على الفيس بوك، فهي الوسيلة الوحيدة لذلك، خاصة وأنها موظفة إلى جانب صعوبة أن تفتح متجراً خاصاً بمنتجاتها في ظل التضييق الذي تفرضه سلطات الاحتلال في المدينة والضرائب التي ستجبر على دفعها لاحقاً، وهكذا استطاعت سيدة مقدسية أن تفتح للأمل باباً وإن كان عبر عالم افتراضي.