قال رئيس دولة فلسطين محمود عباس، إننا مغروسون في هذه الأرض، في صخورها وترابها وجبالها منذ بداية الحضارة والكتابة واختراع الأبجدية الكنعانية الفلسطينية قبل أكثر من ستة آلاف عام.

وأضاف سيادته في كلمة متلفزة بثها تلفزيون فلسطين، مساء اليوم السبت، لمناسبة الذكرى الـ68 للنكبة، أن قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وانطلاق ثورتنا الفلسطينية في العام 1965، هو انعكاس لموروث حضاري قديم يتجدد في أجيالنا المتعاقبة.

ونوه الرئيس، إلى أن حكومة الاحتلال الحالية تقوم بكل ما من شأنه إنكار وجودنا الوطني، ورفض قيام دولتنا على ترابنا، وتدمير حل الدولتين، والاستمرار في سياسة الاستيطان وغطرسة القوة، والإعدام بدم بارد، بل والتعدي على المقدسات الإسلامية والمسيحية وبخاصة في القدس الشريف عاصمتنا الأبدية، وإطلاق العنان لعصابات المستوطنين الإرهابية لتعيث في الأرض فساداً، وترتكب أبشع الجرائم بحق شعبنا، ما يهدد بتحويل الصراع إلى صراع ديني، هو الأكثر استعصاءً على الحل وسفكاً للدماء ولا ينتهي إلا بالإبادة والتهجير.

وتابع سيادته، يعيد الفلسطيني استعراض العذاب المتصل بمأساته منذ 68 عاماً، ولا ينسى ولن ينسى، ويستذكر بفخر نقاطاً مضيئة في تاريخه المعاصر، نسجها من شعاع الثورة والتحدي، بقيام منظمة التحرير، وانطلاق ثورته، وتأكيد هويته الوطنية، وحشد الدعم المستمر، لقضيتنا العادلة؛

لم يعد أحد ينظر إلينا كمأساة إنسانية، بل كقضية سياسية مركزية، لشعب له كل الحق في ممارسة حقوقه الوطنية كغيره من الشعوب، والتحرر من آخر احتلال على وجه الأرض، وفقاً للشرعية الدولية وقراراتها المتلاحقة.

سنسعى إلى تدويل قضيتنا، وإعادتها إلى الأمم المتحدة، آملين أن يتمخض عن إطلاق عملية سياسية حقيقية تستند إلى حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، وأن يبلور جدول زمني محدد، وآليات عملية للتطبيق من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية، تعيش في أمن واحترام متبادل مع جميع دول المنطقة، وتساهم بجدارة في حفظ الأمن والسلام في المنطقة والعالم، وتعيد تضميد جراح أبناء شعبنا في الوطن والشتات، لأن في ذلك المدخل الحقيقي لمحاربة الإرهاب والعنف والتطرف.

إننا ماضون في بذل المساعي لإنجاز المصالحة الوطنية وتنفيذ بنودها، ومستعدون للذهاب إلى أقصى مدى لطي هذه الصفحة السوداء من تاريخنا، لأن وجودنا بات مهدداً على أرضنا، وكل التضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا باتت في مهب الريح

وفيما يلي نص كلمة سيادته:

بسم الله ال  رحمن الرحيم

(إنَّ الذي فرضَ عليكَ القرآنَ لرادُكَ إلى معاد)

صدق الله العظيم

يا أبناء شعبنا في الوطن واللجوء

أيتها الأخوات والأخوة:

يحيي شعبنا في مثل هذا اليوم من كل سنة ذكرى النكبة التي حلت به في عام 1948، وما زالت فصولها مستمرة وتتراكم بالمزيد من العذاب على كل بقعة من أرضنا، وفي كل مخيم في الوطن والشتات، حيث ما زلنا نعاني من الإجحاف بحقوقنا، وتجاهل معاناتنا، والتغاضي عن العدوان المستمر على الإنسان الفلسطيني فوق ترابه الوطني وفي مخيمات الشتات.

لقد أريد لشعبنا أن يكون هو الشعب الذي يدفع من دمه ودموعه وبيوته وشجره تبعات الحروب العالمية دون أن يكون طرفا فيها، بل كان هو الضحية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الثانية، والضحية في الفتن والحروب والأزمات المستجدة في المنطقة والعالم.

إن هذا الظلم التاريخي الذي لحق بشعبنا ما زال قائماً؛ بل ويتفاقم باستمرار للنيل من عزيمتنا في الحفاظ على وجودنا وكينونتنا وآمالنا في السلم والأمن والحرية والكرامة كبقية شعوب العالم.

يا أبناء شعبنا الصابر المرابط

لكأن الرواية الصهيونية الاستعمارية التي سادت منذ البدء إثر وعد بلفور تتجدد، تلك الرواية الكاذبة التي قامت على مقولة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" متجاهلة قرارات الأمم المتحدة وبالذات قرار 194 الخاص بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، فهذه الأرض لم تكن يوماً بلا شعب، فنحن مغروسون في صخورها وترابها وجبالها منذ بداية الحضارة والكتابة واختراع الأبجدية الكنعانية الفلسطينية قبل أكثر من ستة آلاف عام، ولم يكن قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وانطلاق ثورتنا الفلسطينية في العام 1965 إلا انعكاساً لما نحمله في روحنا من موروث حضاري قديم يتجدد في كل أجيالنا المتعاقبة، ويبعث روح الأمل والحياة الكريمة والسلام والاستقرار للجميع.

إن العالم يشهدُ حالياً قيام حكومة الاحتلال الحالية بكل ما من شأنه إنكار وجودنا الوطني، ورفض قيام دولتنا على ترابنا، وتدمير حل الدولتين، والاستمرار في سياسة الاستيطان وغطرسة القوة، والإعدام بدم بارد، بل والتعدي على المقدسات الإسلامية والمسيحية وبخاصة في القدس الشريف عاصمتنا الأبدية، وإطلاق العنان لعصابات المستوطنين الإرهابية لتعيث في الأرض فساداً، وترتكب أبشع الجرائم بحق شعبنا كما فعلوا مع الطفل الشهيد محمد أبو خضير، ومع عائلة الشهداء من آل دوابشة، وغير ذلك من جرائم الإرهاب والعدوان.

إن هذا كله يهدد بتحويل الصراع إلى صراع ديني، وكلنا ندرك في قراءاتنا للتاريخ قديمة وحديثه، أن من يسعى للحرب وعدم الاستقرار كان يلجأ إلى إثارة الحروب الدينية لأنها أكثر النزاعات استعصاءً على الحل وسفكاً للدماء ولا تنتهي إلا بالإبادة والتهجير.

أيتها الأخوات والإخوة:

ما زال الإنسان الفلسطيني وهو يعيش مأساته منذ 68 عاماً، ويعيد استعراض العذاب المتصل، ولا ينسى ولن ينسى، ويستذكر بفخر نقاطاً مضيئة في تاريخه المعاصر، نسجها من شعاع الثورة والتحدي، بقيام منظمة التحرير، وانطلاق ثورته، وتأكيد هويته الوطنية، وحشد الدعم المستمر، لقضيتنا العادلة؛ حيث اعترفت بنا 138 دولة كعضو مراقب في الأمم المتحدة في سنة 2012، وانضممنا إلى عدد كبير من المنظمات الدولية، ورفعنا علمنا على مقرات الأمم المتحدة، بفضل صبرنا ومثابرتنا وتضحيات شعبنا، الذي جنَّد كل حياته وطاقاته وكفاءاته من أجل إحقاق حقوقه، وإبراز هويته، وتراكم منجزاته، والإسهام إيجاباً مع الشعوب المحبة للسلام في دفع الاستقرار والأمن في العالم.

لم يعد أحد ينظر إلينا كمأساة إنسانية، بل كقضية سياسية مركزية، لشعب له كل الحق في ممارسة حقوقه الوطنية كغيره من الشعوب، والتحرر من آخر احتلال على وجه الأرض، وفقاً للشرعية الدولية وقراراتها المتلاحقة.

فقد بات واضحاً أن عقوداً من الظلم والتهجير والاستيطان والعدوان، مارستها حكومات إسرائيل، قد فشلت في طمس الحقوق الفلسطينية، وأنَّ التنكر لحل الدولتين الذي بنينا عليه اتفاقاتنا مع إسرائيل، يعني أن حكومة إسرائيل تتجه بأحزاب اليمين المتطرف الحاكمة، ودعاة الحرب والاستيطان، نحو التحول إلى نظام الفصل العنصري المرفوض دولياً.

وإزاء هذه السياسة العبثية التي تغامر بمستقبل شعوب المنطقة، وتحرض على مزيد من العنف، وتوسيع دائرة الكراهية، وتغذية الإرهاب والتطرف، فقد سعينا مع دول صديقة محبة للسلام، لعقد مؤتمر دولي لبحث القضية الفلسطينية، وإعادة إطلاق عملية السلام، على الأسس الكفيلة بإيصالنا إلى حل الدولتين.

لقد بذلت دولة فرنسا الصديقة، رغم الهجمات الإرهابية الإجرامية التي تعرضت لها مع دول أخرى، جهوداً طيبة لبلورة فكرة المؤتمر الدولي، فلا يجوز أن نشهد عقد مؤتمرات لحل كل الأزمات في العالم؛ بدءاً من الملف النووي الإيراني، مروراً بالأزمة اليمنية، وصولاً  إلى الليبية والسورية، ولا يتم الالتفات إلى قضيتنا المركزية، وهي الأقدم، والموغلة في الألم والمعاناة.

لقد حذرنا مراراً وتكراراً، ومنذ سنوات، وفي مناسبات عدة، من أننا إزاء التجاهل لقضيتنا الوطنية، وما يتعرض له شعبنا على أرضه وفي مخيمات الشتات، سنسعى إلى تدويل قضيتنا، وإعادتها إلى الأمم المتحدة، وها نحن الآن نتطلع لعقد اجتماع مجموعة الدعم الدولية، الذي لبت الدعوة إليه حتى الآن أكثر من عشرين دولة، بما فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ودول عربية وأوروبية وغيرها، آملين أن يتمخض عن إطلاق عملية سياسية حقيقية تستند إلى حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، وأن يبلور جدولاً زمنياً محدداً، وآليات عملية للتطبيق من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية، تعيش في أمن واحترام متبادل مع جميع دول المنطقة، وتساهم بجدارة في حفظ الأمن والسلام في المنطقة والعالم، وتعيد تضميد جراح أبناء شعبنا في الوطن والشتات، لأن في ذلك المدخل الحقيقي لمحاربة الإرهاب والعنف والتطرف.

أيتها الأخوات والإخوة،

لقد آلينا على أنفسنا منذ بداية الانقسام البغيض، أن نعيد اللحمة إلى شقي الوطن، وأن نزيل آثاره، ونعيد رص الصفوف لمواجهة التحديات، ولقد بذلنا كل ما نستطيع، وقدمنا كل التسهيلات، ولبينا كل المطالب المحقة لإنجاح المصالحة وتنفيذ بنودها، وذهبنا من عاصمة إلى أخرى، بهدف رفع المعاناة والحصار عن شعبنا في غزة، إلا أننا في كل مرة، كنا نصطدم بالتراجع من قبل حركة حماس في آخر لحظة، وها نحن نحاول الآن، وسنظل نحاول، لأننا مجبرون على إنقاذ أطفالنا ونسائنا وشبابنا من المأساة الإنسانية التي يعيشها أهلنا في المحافظات الجنوبية، فكلنا مسؤولون أمام شعبنا في هذه المحنة، ومن يتتبع خطى أي مواطن في غزة يومياً في معاناته ومواجهة مشقات الحياة اليومية، والحصار الظالم المستمر، وغطرسة القمع التي تمارس ضده من الاحتلال، وممن يتسترون خلف شعارات مقاومة الاحتلال، ليصاب بالحزن والخجل معاً، لأن هذا يحدث ونحن عاجزون أو ممنوعون من تغيير الواقع ورفع المعاناة.

أيتها الأخوات والإخوة:

إننا ماضون في بذل المساعي لإنجاز المصالحة الوطنية وتنفيذ بنودها، ومستعدون للذهاب إلى أقصى مدى لطي هذه الصفحة السوداء من تاريخنا، لأن وجودنا بات مهدداً على أرضنا، وكل التضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا باتت في مهب الريح، إذا لم نُقيِّم اللحظة التاريخية المظلمة التي نعيشها بهدف الخروج من الحصار السياسي والمادي، وإبقاء قضيتنا على جدول الإعمال الدولي، وسنستمر في جهودنا، لإنهاء الانقسام مهما تكاثرت العقبات التي يختلقها البعض لإحباطنا.

سنواصل مساعينا لعقد المؤتمر الدولي، وتدويل قضيتنا بعد عقود من الاحتكار والمماطلة، وسنواصل تطبيق توصيات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في تحديد العلاقة مع إسرائيل، على ضوء مدى التزامها بالاتفاقات الموقعة، وسنواصل دبلوماسيتنا لحشد الدعم في الأمم المتحدة لطلب الحماية الدولية، بموجب اتفاقات جنيف التي انضممنا إليها، وسنواصل الانضمام إلى المنظمات الدولية، وتقديم الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية، وصولاً إلى تفعيلها. 

أيتها الأخوات والإخوة،

نحن قادرون بوحدتنا على تجاوز الصعاب، وقادرون على تخطي المحن بصلابة إرادتنا، والتمسك بثوابتنا، وعدم التفريط بحقوقنا، معتمدين على الله ومتسلحين بالصبر والصمود والعمل والأمل، وقادرون خلال دقائق، إنْ صدقت النوايا، أن نجسد المصالحة الوطنية، وننهي معاناة شعبنا في غزة، بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإطلاق الحراك الديمقراطي، وإجراء انتخابات شاملة، لتجسيد مجتمع الحرية والتنمية والعدالة والديمقراطية في دولة فلسطين المستقلة، وفي نفس الوقت، لسنا مضطرين للاستمرار في حوارات دون طائل هنا وهناك، فالأصل هو التنفيذ الفوري، وإن بدأنا سنجد الطريق ممهدة أكثر مما يتصوره البعض ممن استطابوا الفرقة والانقسام.

أيتها الأخوات والإخوة:

عهدٌ أن نواصل النضال لنيل حقوقنا الوطنية، وإقامة دولتنا الحرة المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، مع حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين، حسب المبادرة العربية للسلام، واستناداً لقرارات الشرعية الدولية.

عهدٌ أن نظل الأوفياء لشعبنا في الشتات، وأن نواصل بذل الجهود لتجنيبه ويلات الفتن والحروب المستعرة، التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وأن نخفف من آلامه ومعاناته بقدر ما نستطيع، بعد أن تعرض لأبشع المجازر، وبخاصة في مخيم اليرموك من قوىً حاقدة وعميلة للشيطان.

عهدُ الوفاء للشهداء الرواد وللأسرى الأبطال وللجرحى البواسل.. عهد قطعه القائد المؤسس الشهيد أبو عمار، ولا زلنا على الدرب سائرين، ولا بد لشبل من أشبالنا، أو زهرة من زهراتنا، أن يرفع علم فلسطين على أسوار القدس ومآذنها وكنائسها، ويقولون متى ذلك؟ قل عسى أن يكون قريبا.. والتحية لكل فلسطينيٍ وفلسطينيةٍ على تراب هذا الوطن الجميل وفي الشتات، تحية لكل عربي وعربية، ولكل مسلم ومسلمة، ولكل مسيحي ومسيحية، واللقاء قريبٌ إن شاء الله، والدولة أقربُ مما يتصوره أعداء السلام، يرونها بعيدة، ونراها قريبة، وإننا لصادقون.

تحية للشهداء،،

تحية  للأسرى،،

تحية للجرحى،،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته