بعد انقضاء الشهر الأول على انطلاقة الهبة الوطنية، هبة القدس، هبة الاجيال الفلسطينية الشجاعة، بدأت منظومات الاحتلال جميعها، أي الحكومة وعلى رأسها نتنياهو وحلفاؤه الأعلى صوتا والأكثر تطرفا مثل آرائيل ونفتالي بينت والوزيرة شكيد ومن على شاكلتهم، وكذلك رؤساء مجالس المستوطنين بدأوا العمل على تهيئة الميدان لاتجاه اكثر تطرفا ودموية ضد الهبة واجيالها، سواء على صعيد تقديم مشاريع القوانين باعتقال الاطفال دون سن الرابعة عشرة، او هدم بيوت عائلات الشهداء، او طرد بعض العائلات من القدس، او توسيع نطاق عمليات الإعدام الميدانية وتلفيق ادلة مزورة تلصق بشباب الهبة مثل فضيحة وضع سكاكين بالقرب من جثامينهم بعد قتلهم، او ترويج قصص اتهامية ضدهم بعد عمليات مراقبة دقيقة لهم في الميدان وصدور قرارات سرية بإعدامهم مثلما حصل مع الشهيد عبد الرحمن البرغوثي الضابط في المخابرات الفلسطينية الذي كان في زيارة لمنزل خطيبته ليبحث تفاصيل الزفاف، فقتلوه عمدا ثم اشاعوا حوله الاتهامات الملفقة.

فلماذا هذا الانزلاق الاسرائيلي المفضوح من قبل الحكومة والجيش والمستوطنين نحو المزيد من الإرهاب والاستفزاز الأسود البشع؟ الجواب ان ثبات الهبة وصولا الى شهرها الثالث على برنامجها الشعبي المتزايد وبرنامجها السلمي الراسخ قد فضح وجه الاحتلال واثبت ان نتنياهو على رأس حكومته الرابعة والمجتمع الإسرائيلي بصفة عامة اصبحوا عاجزين عن التراجع، واصبحوا عاجزين عن تقديم اي حل رغم الصخب الدائر في حواراتهم، وان ساحة الوعي بحقائق الأمور تتزايد لدى المجتمع الدولي رغم انشغالاته الكبرى، فها هي نسبة عالية حسب استطلاعات الرأي في أميركا الذي كان مغلقا لصالح الرواية الإسرائيلية، تقف ضد الاستيطان وتطالب بقرض عقوبات ضد اسرائيل الاستيطانية، نسبة 37% ليست قليلة في المجتمع الأميركي، وهذه مجرد البداية، كما ان موقف وزيرة الخارجية السويدية الدقيق عما يجري في الميدان حين قالت: ان الجيش الاسرائيلي يقوم بإعدام الشباب الفلسطينيين؛ لانه عاجز عن تقديمهم للمحاكمات، وقبل ذلك كان الاتحاد الأوروبي قد وضع علامات على منتجات المستوطنات لأن هذه المنتجات غير شرعية وهي منتجات مسروقة مثلما هي المستوطنات كلها مسروقة وغير شرعية، والإشارات الإجابية لصالح الهبة تتزايد باستمرار.

إسرائيل بكل منظوماتها تراهن الآن وتعمل في الميدان على إفقاد الهبة منطلقها الأول والأساسي، أي سلمية الهبة من جهة وشعبيتها الواسعة التي تعطيها القدرة على الاستمرار والمطاولة والإبداع المستمر، لأن استمرار الهبة شعبية وسلمية يفضح هذا العجز الإسرائيلي بعدم القدرة على تقديم اية مبادرة، فيظهر الاحتلال بأبشع صوره والاستيطان بصفته كهف الشرور ومجموعات الإرهاب المفضوحة ووزراء الحكومة الذين يستخدمون الإرهاب ليظلوا في مواقعهم ولا شيء اخر، وهذا دليل عجز وارتباك سياسي له ما بعده.

اجيال الانتفاضة بشعبيتهم الواسعة وسلميتهم الراسخة يحاصرون الاحتلال ويفوتون الفرصة على الاصوات النشاز حتى في المجتمع الفلسطيني فلهم الف تحية.