سبق لوزير داخلية حكومة الاحتلال "سيلفان شالوم" أن تقدم باقتراح لترحيل قطط الشوارع إلى المنفى، اعتمد يومها الوزير في اقتراحه على ما تنفقه حكومته من أجل اخصاء قطط الشوارع والذي يكلف خزينة الاحتلال مليون دولار سنوياً، بقدر ما أثار اقتراح الوزير مطلع الشهر الماضي السخرية على اعتبار ان قطط الشوارع هي الأخرى باتت تهدد أمن دولة الاحتلال وهو ما حدا بوزير داخليتها التقدم بمقترحه في الوقت الذي تشتعل فيه الهبة الشعبية الفلسطينية، يضاف إلى ذلك أن الوزير لم يحدد الدولة الصديقة المستعدة لاستقبال واستضافة قطط الشوارع.

قد يحمل مقترح "شالوم" الطابع الفكاهي، لكنه يتوه في جملة الاقتراحات التي تقدم بها وزراء في حكومة الاحتلال في الآونة الأخيرة للتصدي للهبة الشعبية الفلسطينية، حيث حملت في مجملها ما يؤكد على حالة من التخبط لم يسبق لحكومة من حكومات الاحتلال أن تواجدت فيها، وبرغم ما تحمله الكثير منها من علامات "الخرف" إلا أن سرعان ما يتم تبنيها من قبل مجلس الوزراء المصغر "الكابينيت"، اتخذت حكومة الاحتلال سلسلة من القرارات لمواجهة الهبة الشعبية، تمثلت في هدم منازل منفذي العمليات، وسنت قانوناً يفرض عقوبة السجن لثلاث سنوات على الأقل على راشقي الحجارة، ووقف المخصصات الاجتماعية التي يحصل عليها أهالي القاصرين الذين تتم ادانتهم بتهمة إلقاء الحجارة وسحب هوياتهم، وأعطت الضوء الأخضر لشرطتها بإطلاق النار على ملقي الحجارة، وتوعدت بملاحقة المحرضين على صفحات التواصل الاجتماعي، وطالبت نائبة وزير خارجية الاحتلال كل من شركتي جوجل ويوتيوب بمساعدة دولة الاحتلال لوقف ما سمته بالتحريض على العنف عبر الشبكة العنكبوتية.

قرار "الكابينيت" بفرض حصار على البلدة التي خرج منها منفذ عملية الطعن أو الدهس يحمل من الجهل ما يفوق التوقع، فأي البلدات الفلسطينية تلك التي تطمع حكومة الاحتلال في أن يستنفر قاطنوها بحثاً عن غضب يشتعل في قلب شاب؟، وأي تجمع فلسطيني ذلك الذي سيتحول أفراده إلى شرطي مرور يرافق حافلات أبنائه اينما ذهبوا واينما حلوا؟، والسؤال الأهم اي من البلدات الفلسطينية تلك التي لم تشارك بعد في فعاليات الهبة الشعبة؟.

المعضلة التي تواجهها ولم تعتد عليها دولة الاحتلال وبالتحديد مؤسساتها الأمنية أن الهبة الشعبية تسير بيومياتها دون قيادة تنظيمية تتحكم بها كما كان في الإنتفاضتين الأولى والثانية، ويوميات الهبة الشعبية تؤكد على أن التنظيمات الفلسطينية وإن ادعت أنها في صلبها إلا أن الواضح أنها بعيدة عن الإمساك بدفتها، وبات من الواضح أن هنالك فجوة بين المؤسسة الأمنية وحكومة الاحتلال في التعامل مع الهبة الشعبية، يتضح ذلك من الجدل بين القيادات الأمنية والسياسية وطرق التعامل مع الهبة الشعبية، حيث ترى المؤسسة الأمنية أن اسباب اندلاع الهبة الشعبية يرجع إلى انغلاق الأفق السياسي من جهة واحباط الجيل الشاب من جهة ثانية والاستفزازات المترتبة على اقتحامات المسجد الأقصى المتكررة وهو ما تناوله رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "هرتسي هاليفي" في الاجتماع الحكومي والذي أثار حفيظة القيادة السياسية، وكانت قيادة الجيش قد تقدمت بمقترحات إلى الكنيست تحمل طابع التسهيلات إلى الشعب الفلسطيني في محاولة منها لتطويق الهبة الشعبية، وهو ما رفضه الكنيست ورفضته من قبله القيادات السياسية.

الواضح أن القيادات السياسية لدولة الاحتلال تفكر بذات الطريقة التي يفكر بها وزير داخليتها في اقتراحه المتعلق بقطط الشوارع، وهو ما جعل قراراتها المتعلقة بإخماد الهبة الشعبية تكتسي طابع الجهل المصبوغ بالخرف.