مثلما ذكرنا امس كيف نجح الاسرائليون في ربط ارهاب القاعدة بالنضال الفلسطيني، وصاروا يسوقونه كإرهاب بعد أحداث سبتمبر في نيويورك، ها هو كيري يأخذ عن نتنياهو الوصف نفسه للغضبة على الاحتلال وممارساته، وبات نضال المقدسيين المسحوقين دفاعا عن بيوتهم ومقدساتهم ارهابا. كان حريا بنا ان نتجاوز الأزمة بعد هجمات باريس بالانتظار والتريث؛ لأن العالم مأخوذ بأحداثه ولسنا على رأس اولوياته، فالقاعدة لم تقدم لنا سوى تبعيات ارهابها الجهادي المؤسس اميركيا في الأصل وداعش على خطاها، وهي ايضا نتاج ماكنة مخابرات غربية في بداياتها. ان قدرتنا على التماسك الآن هي التي ستمنع الاحتلال من استثمار الغفلة الدولية؛ لكي يتغول في دمنا ويتوغل في المجتمع الدولي اعلاميا، ويجب ان نمتاز بالجرأة مع الذات، ونحذر من مغبة الاندفاع غير المنضبط نحو الانتقام او طلبا للموت كأننا نرقص في العتمة. فهذه الصورة التي يريد الاحتلال التقاطنا فيها وترويجها عنا فقط، مع اننا نواجه ارهابا رسميا مبرمجا وارهابا من جماعات استيطانية سبقت داعش في همجيتها، فالاحتلال يعمل جاهدا على استفزازنا كأنما يستمطر الانتقام العشوائي ويصوره لبثه. صحيح ان حراك الأفراد ليس موجها، ولا يمكن ضبطه بضغط على زر، لكن الوعي العام يجب ان يتجه نحو الانضباط النضالي الاخلاقي لا العبثي ونحو الحفاظ على ارواح الأطفال والفتية والصبايا، فالمرحلة الحالية ليست مفصلية بل هي مجرد ثانية في حساب التاريخ النضالي، ومن يزعم أنه سيحرك الاساطيل ويزلزل الارض تحت اقدام الاحتلال يعرف الكيفية وان لم يمارسها، ولكنها ليست بحث الاطفال على تلقي الرصاص على الارصفة، وصحيح ايضا اننا لا نستطيع تهدئة نفوس غاضبة ولا دماء فائرة، لكن كما قلنا ان الوعي العام الرافض يمكنه ان يخلق البيئة التي تخفف من الاندفاعة المجانية نحو كمائن الاحتلال ومصائده المنصوبة في كل مكان. والله من وراء القصد.