يصادف يوم غد الخميس الذكرى الـ45 لمعركة الكرامة، التي وقعت في 21 آذار 1968، حين حاولت قوات الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن؛ لأسباب تعتبرها إسرائيل 'إستراتيجية'.

اشتبكت مجموعات الفدائيين الفلسطينيين في قرية الكرامة، بالاشتراك مع الجيش الأردن وبعض سكان تلك المنطقة في قتال شرس بالسلاح الأبيض ضد الجيش الإسرائيلي في عملية استمرت قرابة خمسين دقيقة، بعد ان عبرت قوات الاحتلال النهر من عدة محاور مع عمليات تجسير وتحت غطاء جوي كثيف، وتصدت لها قوات الجيش العربي الأردني على طول جبهة القتال من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت بقوة.

واضطر الإسرائيليون إلى الانسحاب الكامل من أرض المعركة تاركين وراءهم ولأول مرة خسائرهم وقتلاهم دون أن يتمكنوا من سحبها معهم، بعد معركة استمرت أكثر من 16 ساعة، تمكن الفدائيون والجيش الأردني في هذه المعركة من تحقيق النصر والحيلولة دون تحقيق إسرائيل لأهدافها.

الرئيس الشهيد ياسر عرفات اعتبر أن 'معركة الكرامة شكلت نقطة انقلاب بين اليأس والأمل، ونقطة تحول في التاريخ النضالي العربي، وتأشيرة عبور القضية الفلسطينية لعمقها العربي والدولي'.

وأدت الهجمات المنظمة للفدائيين إلى صدامات عسكرية متكررة بين الجيش الأردني والإسرائيلي على طول نهر الأردن، حيث وقع في حينها ما يزيد عن 44 اشتباكاً بالمدفعية والقصف الجوي والدبابات والأسلحة المختلفة منذ 5 حزيران 1967 حتى معركة الكرامة.

وفي مطلع عام 1968 هددت إسرائيل بعمل مضاد إذا ما استمرت نشاطات الفدائيين الفلسطينيين عبر النهر، وقامت بتكثيف نشاط الدوريات الإسرائيلية في الفترة ما بين 15-18 آذار 1968 بين جسر الملك حسين وجسر دامية، كذلك الطلعات الجوية لطائراتها فوق وادي الأردن.

وتمهيدا للهجوم الواسع قامت إسرائيل بهجمات عديدة ومركزة استخدمت بشكل رئيسي القصف الجوي والمدفعي على طول الجبهة الأردنية طوال أسابيع عديدة سبقت بداية المعركة عند الساعة 5:25 من فجر يوم الأحد في 21 آذار 1968، كما مهدت لذلك بإجراءات واسعة النطاق في المجالات النفسية والسياسية والعسكرية عمدت بواسطتها إلى تهيئة المنطقة لتطورات جديدة يتوقعونها كنتائج لعملياته العسكرية شرقي نهر الأردن.

وبدأت معركة الكرامة عند الساعة 5.30 من صباح يوم الخميس 21 مارس 1968، واستمرت ست عشرة ساعة في قتال مرير على طول الجبهة، ومن خلال مجرى الحوادث وتحليل العمليات القتالية اتضح أن القوات الإسرائيلية المهاجمة بنت خطتها على ثلاثة مقتربات رئيسة ومقترب رابع تضليلي لتشتيت جهد القوات المدافعة المقابلة، وجميع هذه المقتربات تؤدي حسب طبيعة الأرض والطرق المعبدة إلى مرتفعات السلط وعمان والكرك..

وكانت القوات الإسرائيلية شنت هجوما واسعا على الضفة الشرقية لنهر الأردن امتد من جسر الأمير محمد شمالا حتى جنوب البحر الميت، وكان هدف الهجوم حسب ما أعلنت إسرائيل في حينها 'القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة'.

وفيما عمدت وحدات رصد 'فتح' إلى مراقبة تحركات القوات المعادية، وتدارست قياداتها التدابير الواجب اتخاذها وعلى الأخص المجابهة أو الانسحاب من المواقع المستهدفة لتأتي ضربته في الفراغ وفقا لمبادئ قتال الحرب الشعبية، فيما اتخذت القيادة الأردنية استعداداتها للتصدي للعدوان الوشيك فوضعت القوات في حالة استنفار وتعبئة انتظارا للتطورات المتوقعة.

ورغم أن إسرائيل أعلنت أنها قامت بالهجوم لتدمير قوة المقاومة الفلسطينية، إلا أن الهدف لم يكن كذلك كما تبين من الوثائق التي حصلت عليها المخابرات الأردنية، فقبل أيام من معركة الكرامة حشدت إسرائيل قواتها لاحتلال مرتفعات البلقاء والاقتراب من العاصمة عمّان وضم أجزاء جديدة من الأردن وتحويلها إلى جولان أخرى لتخلص من الهجمات المستمرة التي كان يقوم بها الفلسطينيون.

وكانت معركة الكرامة نقطة تحول كبيرة بالنسبة لحركة فتح خاصة والمقاومة الفلسطينية عامة، تجلى ذلك في سبل طلبات التطوع في المقاومة، سيما من قبل المثقفين وحملة الشهادات الجامعية، والتظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداء في المدن العربية التي دفنوا فيها، والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية، ما شجع بعض الشبان الأجانب على التطوع في صفوف المقاومة.

كما أعطت معركة الكرامة معنى جديدا للمقاومة تجلى في المظاهرات المؤيدة للعرب والهتافات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه وزير خارجية إسرائيل آبا ايبان أثناء جولته يوم 7/5/1968 في النرويج والسويد، حيث سمعت آلاف الأصوات تهتف 'عاشت فتح'.

وعلى الصعيد العربي كانت معركة الكرامة نوعا من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها فرصة القتال في حزيران 1968 ، ففي معركة الكرامة أخفقت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والإستراتيجية لرفع معنويات الإسرائيليين، بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم.

و استشهد في المعركة 17 شهيدا من الجانب الفلسطيني، و20 من الجانب الأردني، وجرح 65 جريحا بينهم عدد من الضباط، وتم تدمير 10 دبابات و10 آليات مختلفة ومدفعان، فيما قتل 70 إسرائيليا وأكثر من 100 جريح، ودمرت 45 دبابة، و25 عربة مجنزرة و27 آلية مختلفة، و5 طائرات.

وبعد انتهاء المعركة صدرت العديد من ردود الفعل كان أبرزها، ما جاء بصحيفة 'نيوزويك' الأميركية التي نشرت بعد معركة الكرامة: 'لقد قاوم الجيش الأردني المعتدين بضراوة وتصميم، وإن نتائج المعركة جعلت الملك حسين بطل العالم العربي'.

وقال رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه حاييم بارليف، في حديث له: 'إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران'.

وقال أيضا في حديث آخر، 'إن عملية الكرامة كانت فريدة من نوعها ولم يتعود الشعب في (إسرائيل) مثل هذا النوع من العمليات، وبمعنى آخر كانت جميع العمليات التي قمنا بها تسفر عن نصر حاسم لقواتنا'.