حوار/ يوسف عودة

خاص مجلة القدس/ الشاعر الفلسطيني عبد الرازق مولود في بلدة شفا عمرو قضاء حيفا عام 1945. حملته والدته على أكتافها سيراً على الأقدام في رحلة العذاب الفلسطينية، فبات جزءاً من تلك الحكاية وفصولها يوم كان الضمير في ثلاجة التاريخ، والحقوق على حمالة مصالح الدول، والإنسانية لا ترى، لا تسمع، ولا تتكلم، لأن حروفها الأقوياء في زمن ازدواجية المعايير.

أنا شاعر ملتزم بقضايا أمتي وشعبي، ودوري أن أقوم بواجبي المتواضع في مسيرة شعبنا النضالية نحو الحرية والعودة وقيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. والقصيدة لا تقل أهمية عن البندقية"، بهذه الكلمات يعرَّف الشاعر الفلسطيني سبع عبد الرازق (العنبتاوي) عن نفسه وعن مسيرته مع الشعر.

وفي أحدى قصائده يناجي بلدته شفا عمرو قائلاً:

شفا عمري شذا الأحلام      والإيمان والمربَعْ

جمال في روائعها... وعذب ماؤها منبعْ

وتاريخي حكى أيــام ... أمجــــــادٍ لهــا تصنعْ

تطِلُّ على رُبى حيفــا... وعطا في مدى أبـــدعْ

وناصرة المسيح لهـــا... حكايا فوق ما تسمـعْ

أحبك يا شفا عمري... فأنت العمر والمهجعْ

استقرَّ به اللجوء في بلدة الغازية قرب صيدا ولا يزال حتى اليوم يقطن فيها. درس المرحلة الابتدائية والمتوسطة في مدارس الأونروا، والثانوية في مقاصد صيدا، وأنهى دراسته الجامعية في جامعة بيروت العربية لينال شهادة الليسانس، وشهادة التربية العليا في فقه اللغة العربية.

عمل مدرِّساً لدى الأونروا ثم مديراً لإحدى مدارسها، ثم مشرفاً للغة العربية في ثانوية المستقبل في بلدة الغازية وهو حتى اليوم يزاول هذه المهنة.

ويتمتع الشاعر عبد الرازق بديناميكية إنسانية اجتماعية ثقافية تتفاعل مع احتياجات شعبه

في صدره غصة، وعلى كفيه برج القلعة وحكايات حارات شفا عمرو. بريق عينيه يقلِّب صفحات التاريخ، أمَّا عن أصل تسمية بلدته فيقول: "يعود اسم شفا عمرو إلى عهد القائد الإسلامي عمرو بن العاص الذي شُفِي من مرضه بعد أن شرب من مائها فسموها (شفت عمرو) ومع الأيام سموها شفا عمرو".

وتصميمه على العودة. وهو شاعر معروف في الوسط الثقافي وتشهد له المنابر الشعرية وحضوره المميز. كذلك هو عضو اجتماعي بارز ومشرف على وقفية الأيادي المميزة التي تقدِّم المساعدات والخدمات الاجتماعية للمحتاجين وخاصة للأيتام الفلسطينيين، بالإضافة إلى عضويته في الاتحاد العام للكتاب الفلسطيني والاتحاد العام للشعراء العرب.

وحول بداية مسيرته الشعرية يقول عبد الرازق: "بدأت رحلتي الشعرية وأنا في صف البريفيه، حيثُ كانت محاولات طريةَ العود، ثمَّ بدأت تنمو من خلال المطالعة المستمرة والاطلاع على الإصدارات الشعرية ومدارس الشعر حتى أصبحتُ متمكِّناً من كتابة القصيدة"، ليتابع معلَّقاً عن قصائده: "قصيدتي تكسر جدار الصمت وتقرع جدار الخزان".

وللشاعر عبد الرازق ديوانان من الشعر هما "الأرض الطيبة" و"ثورة الشعر وانتفاضة الأقصى" وهو يستعد لكتابة مطبوعة عن بلدته شفا عمرو.

أمَّا حول علاقته بالقضية والأرض والنضال فيؤكد عبد الرازق أنَّ الأرض من مقومات الوجود الإنساني، مضيفاً: "فقدُها اغتصاب يشكِّل قضية كبيرة بالنسبة لي، وكلي اعتقاد راسخ بأن شعبنا الصامد المتمسك بثوابته سيستمر بالنضال حتى النصر".

ويرى عبد الرازق في مسألة حداثة الشعر أن ترابط المحتوى مع الشكل هو الهدف الأساس في صياغة الشعر بالإضافة للعاطفة والتذكر والحكمة، لافتاً إلى أنَّ الحداثة تحاول تغيير القالب الشعري بتنويع القوافي وعدم انتظام التفاعيل، ومشدداً على أن الشرط الأساسي يكمن في المحافظة على متانة اللغة وعظمة السُبُل وقواعد الكتابة اللغوية والشعرية.

وفيما يتعلَّق بالبعد الإنساني للشعر، أشار عبد الرازق إلى أنه كتب في مجالات الشعر كافةً ولكنه لم ينسَ أن يتطرق إلى المواضيع الإنسانية التي تُعالِج المشاكل الإنسانية والاجتماعية التي يعيشها جميع الفلسطينيين، معلِّقاً حول ما تعنيه المقاومة له بالقول: "هي حق وواجب طالما لم نسترد حقوقنا المشروعة، وأنا أدعو للمقاومة بكل أنواعها الشعبية والفكرية، التي تصبُّ كلها في مُربَّع الإنجازات الوطنية، ومضيفاً: "بالنسبة للربيع العربي فلم أجد، وللأسف، حتى الآن ربيعاً أمام ناظري وننتظر حتى يبان الأبيض من الأسود".

ولأن القدس حاضرة أبداً في ذاكرته، لا يتوانى عبد الرازق عن ذكرها ومخاطبتها فيقول:

يا رمز كل مدائن الأكوان... وربيبة الأبطال والفرسان

يا قدس يا مسرى النبوة والعلا... والحب والإخلاص والأديان

إلى أن يقول..

يا قدس بشرى والبشارة فرحة... بلدي فلسطين الهدى عنواني

لتظل عاصمة الهوى أبدية... وأعود للأرض التي تهواني

ويرفرف العلم الأبيّ مكرّماً... وتعود قدسي رمز كل حناني

وفي قصيدة وطني يقول:

وطني وطني ما أجمله... سأظل بروحي أحملهُ

لن أنسى القدس وصخرتها... وجبال النار وعزتها

حكاية الشاعر سبع عبد الرازق فصل من فصول ملحمة شعب أصله ثابت وفرعه في السماء، مثل صخور جبال فلسطين. تعمّد بمائها القدسي، وسيبقى على العهد حتى العودة، لأنه على مرّ التاريخ يرحل الغزاة وتبقى فلسطين عربية.