قال الكاتب والنائب السابق حمادة فراعنة ان مفاجأتين تحققتا في انتخابات البرلمان الاسرائيلي التي جرت يوم الثلاثاء 17/3/2015 ، سيكون لهما أثر ملموس على تطور الأحداث السياسية داخل مناطق الاحتلال الأولى عام 1948 ، وعلى المسار السياسي المرافق أو المجاور وخاصة في فلسطين ، بل وعلى صعيد المشهد السياسي برمته المتعلق بالمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وعلاقاته مع الأخرين . 

وبين في محاضرة القاها في المبادرة الأردنية للبناء «زمزم» حول «المشهد الفلسطيني والانتخابات الاسرائيلية» مساء امس الثلاثاء ان المفاجأة الأولى كانت متوقعة، ولكنها شكلت حالة غير مسبوقة، ووجهت لطمة لقادة المشروع الاستعماري الاسرائيلي وهو ما حققه المكون الفلسطيني الثالث أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة وتشكيلهم القائمة المشتركة، التي تشكلت يوم 22/1/2015، من الكتل البرلمانية الثلاثة: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة الاسلامية، والتجمع الوطني الديمقراطي، وكان انجازهم الأول هذا رداً على قانوني الدولة اليهودية والذي بادرت اليه كتلة تسيبي ليفني، ورفع نسبة الحسم والذي بادر اليه افيغدور ليبرمان ، وتم ذلك بهدف شطب الدور العربي في مناطق 48 ، والغاء وجودهم البرلماني والسياسي وحتى الانساني ، وكانت النتيجة أن تمثيلهم زاد من 11 مقعداً الى 13 مقعداً ، وحصلوا على 440 الف صوت مقابل 330 الفاً عام 2013 ، ورفعوا نسبة التصويت من 56 بالمائة الى 65 بالمائة.
واضاف ان المفاجأة الثانية كانت حصول الليكود على 30 مقعداً خلافاً لكل التوقعات، التي كانت تتوقع هبوط تمثيل الليكود مقعد أو مقعدين وأنه سيتعادل مع حزب العمل ومعسكره الصهيوني ، ولكن النتيجة أعطت حزب العمل وحليفه 24 مقعداً فقط ، وزاد تمثيل الليكود ستة مقاعد.


وهذا يعود لعدة أسباب منها :
أولاً : التصادم بين الأدارتين الاسرائيلية والأميركية ، وزيارة نتنياهو لواشنطن بدعوة من رئيس مجلس النواب الأميركي ، بدون أن يجد القبول أو الترحيب من قبل ادارة أوباما ، وعدم استجابته للنصائح لتأجيل الزيارة الى ما بعد الانتخابات البرلمانية ، واصراره على تلبية الزيارة وتأديتها وخطابه أمام الكونغرس ، بما يتعارض مع موقف الرئيس الأميركي فيما يتعلق بالملف النووي الايراني ، وما أسفر ذلك عن توجهات أميركية أوروبية لازاحة نتنياهو ، مما خلق حوافز اسرائيلية باتجاه التمسك بسياسة نتنياهو وتوجهاته والاصرار عليها من قبل قطاع مؤثر من الاسرائيليين ، فالتصادم مع الأدارة الأميركية عزز من الانحياز الاسرائيلي نحو توجهات نتنياهو ونحو مخاوفه الأمنية .
ثانياً : حالة عدم الاستقرار الأمنية والسياسية السائدة لدى البلدان العربية المحيطة بفلسطين : لبنان ، سوريا ، سيناء وقطاع غزة ، واحتمالات المواجهة معها ، وحالة عدم الطمأنينة السائدة ، جعلت سياسات نتنياهو الأمنية مصدر اهتمام الأغلبية الاسرائيلية القلقة والمتوترة .
ثالثاً : غياب برنامج اسرائيلي بديل ومقنع ، وافتقاد المعارضة لشخصية كارزمية ، فالبرنامج الذي قدمه حزب العمل لم يكن جاذباً للاسرائيليين ولا يشكل بديلاً نوعياً أو متقدماً عن برنامج الليكود .
واشار الى ان النتيجة السياسية المباشرة لهاتين المفاجأتين هي أن النتيجة الأولى شطبت أو كادت وستشطب مقولة أن اسرائيل دولة الشعب اليهودي ، فقد أعطت النتيجة أن ثمة شعباً أخر وقومية أخرى وهوية وطنية أخرى تمثل عشرين بالمائة من المجتمع الاسرائيلي، ليسوا يهوداً ولا يؤمنون بالصهيونية بل هم معادون لها ، ولا يُعّرفون أنفسهم على أنهم من الاسرائيليين، بل هويتهم الوطنية الفلسطينية تزداد وضوحاً، وقوميتهم العربية باتت بائنة فاقعة، واسلامهم ومسيحيتهم تزداد صلابة واتزاناً وقناعة.
أما النتيجة الثانية فهي وضوح سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، وتعريتها، ليس فقط أمام قطاع من المجتمع الدولي، بل أمام سياسة الادارة الأميركية ، والرئيس أوباما شخصياً حينما وجه نقده لنتنياهو على مسألتين الأولى تراجعه عن حل الدولتين والثانية عن أن العرب بذهابهم الى صناديق الاقتراع يشكلون خطراً ، وهو تعبير عن العنصرية الكامنة وعن سياسة التمييز الممارسة ضد العرب الفلسطينيين .  

وقال «علينا أن ندرك أهمية ذلك ، حينما ندقق أن الذي صنع المشروع الاستعماري الاسرائيلي عاملان هما أولاً مبادرة الحركة الصهيونية ، وثانياً دعم واسناد المجتمع الدولي خاصة أوروبا ومن ثم أميركا للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين ، وبالتالي يبرز أهمية تراجع المجتمع الدولي عن تأييد اسرائيل وسياساتها ، بل وشجبها وان كان ذلك ما زال نظرياً ، ولكنها خطوات تراكمية على طريق عُزلة المشروع الاستعماري الاسرائيلي وهزيمته ، لأنه قام على باطل وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني وعلى أرضه».
واضاف «هذا يدفعنا لتناول المشهد الفلسطيني من زواياه المتعددة، باعتبار مشروعه الوطني الديمقراطي من أجل استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة وفق قرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة وهي : 1- حق المساواة في مناطق 48 ، 2- حق الاستقلال في مناطق 67 ، 3- حق اللاجئين في العودة واستعادة ممتلكاتهم في المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948» .
لا شك أن المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي يملك مقومات القوة ، التي يتفوق فيها على المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني وعوامل قوته يمكن تلخيصها بثلاثة عوامل هي :
أولاً : قوته الذاتية بامتلاكه لقدرات سياسية وعسكرية واقتصادية وتكنولوجية واستخبارية متقدمة .
ثانياً : دعم واسناد الطوائف اليهودية والمتنفذة في العالم .
ثالثاً : دعم الولايات المتحدة له ، وتشكيلها مظلة لحمايته والحفاظ على تفوقه .
ولكن رغم التفوق الاسرائيلي يملك الشعب العربي الفلسطيني أربعة مصادر قوة ذاتية تمكنه من مقاومة المشروع الاسرائيلي وتفكيكه والنيل منه ، واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني ، وهذه العوامل هي :
أولاً : وجود 5.800 الف نسمة على أرض فلسطين في مواجهة ستة ملايين ومائة الف يهودي اسرائيلي ، وهو عدد متقارب ويدلل على فشل المشروع الاسرائيلي لطرد كامل الشعب الفلسطيني عن أرض وطنه .
ثانياً : العداء الفلسطيني من كافة الشرائح ، للمشروع الاستعماري الاسرائيلي سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 ، وفشله في كسب ولو شريحة فلسطينية واحدة لصالحه .
ثالثاً : توفر التعددية الفلسطينية من فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد، وهي مصدر اثراء للنضال الفلسطيني .
رابعاً : امتلاك الفلسطينيين لأحد أهم أسلحتهم السياسية وهي قرارات الأمم المتحدة بدءاً من قرار التقسيم 181 ، مروراً بقرار عودة اللاجئين 194 ، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242 ، وقرار حل الدولتين 1397 ، وخارطة الطريق 1515 ، والعشرات من القرارات وهي جميعها منصفة لصالح الشعب الفلسطيني بدلالة رفض حكومات تل أبيب لها وعدم الأذعان لتطبيقها .
ولكن المشكلة الفلسطينية لا تكمن فقط بامتلاك المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي للقوة والتفوق ، بل يعود الضعف الفلسطيني ، الى حالة الأنقسام والتمزق السائدة ، وهذا يتطلب من الفلسطينيين الأتفاق والتفاهم والتوصل الى تحقيق ثلاث خطوات هامة وهي :
1- امتلاكهم للمؤسسة التمثيلية الواحدة وهي منظمة التحرير ومشاركة جميع الفصائل والفعاليات الفلسطينية في صفوفها ومؤسساتها .
2- التوصل الى برنامج سياسي مشترك.
3- اختيار الأدوات الكفاحية المناسبة المتفق عليها والالتزام بها.
وختم قائلا ان التجارب العملية المباشرة للشعب الفلسطيني خلال السنوات الماضية دللت أن نضال الشعب الفلسطيني قادر على توجيه ضربات موجعة للعدو الاسرائيلي والانتصار عليه وقد تمثل ذلك بالانتفاضة المدنية الأولى عام 1987 وأدت الى تحقيق اتفاق أوسلو عام 1993 ونقل الملف الفلسطيني برمته من المنفى الى الوطن ، والانتفاضة المسلحة الثانية عام 2000 التي أدت الى ارغام الاسرائيليين عن الرحيل عن قطاع غزة بعد ازالة المستوطنات وفكفكة قواعد جيش الاحتلال عام 2005 ، مما يدلل على أن النضال الفلسطيني المدعوم عربياً واسلامياً وعالمياً هو وحده القادر على تعزيز الانجازات وان كانت خطوات تراكمية وصولاً نحو الهدف وهو استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه غير القابلة للتبديد أو التلاشي أو الاندثار .