خاص- مجلة القدس / حوار: حسن بكير

فلسطينية المولد، لبنانية النشأة، نرويجية الجنسية. عملت في مجال التعليم في مدارس الأونروا ومارست العمل الصحافي في منتصف التسعينات ولا زالت تمارسه في الصحف النرويجية. ساهمت في تأليف كتابين صدرا باللغة النرويجية. أصدرت رواية "أجفان عكا" عام 2000، وتعمل حالياً على كتابة رواية عن رحلتها إلى فلسطين ومدينتها عكا، التي شهدت مولدها، لكنها لم تعرفها جغرافياً. ناشطة في مجال تدوين الذاكرة الفلسطينية، والدفاع عن المرأة ومحاضرة في مجال تفاعل الثقافات والاندماج. إنها الكاتبة والروائية المثقلة بالذكريات والمعاناة حنان باكير. التقيناها خلال وجودها في بيروت في حفل توقيع كتابها "إبحار في الذاكرة الفلسطينية" في البيال، وأجرينا معها هذا اللقاء.

 

في مجال عمل الصحافة كانت لك بصمات واضحة على العديد من المقالات والمحاضرات والدراسات التاريخية والوطنية وتاريخ الديانات وصراع الحضارات وتفاعل الثقافات. فهلَّا أعطيتنا لمحة صغيرة عن هذه الأعمال؟ ولماذا اخترت الغوص في أعماقها؟

 

في دول العالم الثالث، والذي يسمى تخفيفاً الدول النامية، يولد الكاتب ملتزما بقضايا أمته، فما بالك بالإنسان الفلسطيني! نحن لسنا شعوباً مرفهةً، أو على الأقل لا نتمتع بالحد الأدنى من حقوق الإنسان الأساسية، التي تحفظ بقاءه وتصون كرامته وإنسانيته. فالالتزام بالهموم الإنسانية فطريٌ عند أصحاب الضمائر الحيَّة، إضافة إلى أننا أصحاب حق ينكره العالم علينا.

 

بداياتي كانت في مجال البحث التاريخي، لسبب بسيط وهو الإدعاء التاريخي للطرف الآخر في حقه بتملك تلك الأرض، ثم الحق الإلهي لهم بإعطائهم صك ملكية فلسطين. إذن فالبحث التاريخي والديني مترابطان في مجال البحث عن الحقيقة التي يراد لها الاندثار، وفبركة تاريخ جديد لها، حتى تكتمل عملية النفي من التاريخ والجغرافية معاً، وعلى طريقة الهنود الحمر في أمريكا. لذلك فقد بحثت في العهد القديم واستندت إليه في كتاباتي، ولم أجد ما يثبت ذلك الحق المدَّعى، باستثناء الوعد الإلهي الذي لا يعني إلا أصحابه ولا يُلزِم الآخرين، وذلك باعتراف بن غوريون نفسه، كما ورد في مذكرات ناحوم غولدمان.

 

ولكن ما خلُصت إليه هو لماذا حُشرت الديانات السماوية الإبراهيمية في هذه البقعة الصغيرة، رغم سعة الكون كله؟!!

أمَّا بالنسبة لموضوع تفاعل الثقافات، ولا أحبذ تعبير "صراع الحضارات" بل لنقل تفاعل الحضارات، فالرحيل المتواصل لي وتنقلّي في الدول الأوروبية، أتاح لي الفرصة للتعرف عن كثب على حضارات مختلفة. وقد وجدت العديد من نقاط التلاقي الثقافي بين شعوب العالم. فاعتقدت أن الحديث عن الأمور المشتركة ونقاط الالتقاء أجدى من الحديث عن الاختلاف، بما تمثله من أرضية مشتركة لمختلف الثقافات. وقد وجدت في أساطير "الساغا" النرويجية الكثير من التشابه مع الثقافة العربية، لأن مكونات الثقافات، ترتحل وتهاجر كما البشر.

ومن هنا ترابط الهمِّ الوطني بالشأن الثقافي في كتاباتي. إذ إنني لن أستطيع كسب الداعمين لقضيتي إذا ما تعاطيت ثقافياً واجتماعياً مع البيئات التي اندمجت بها بسلبية. كما لا أستطيع أن أطلب من الآخر احترام ثقافتي ولغتي وهمومي، فيما أنا أرفضه، أو أقف على مسافة شاسعة من ثقافته وأصطنع الحدود بيني وبينه.

 

 

رواية "أجفان عكا " هي باكورة أعمالك في العام 2000.. حول ماذا تدور أحداث هذه الرواية؟

في رواية " أجفان عكا" تطرقت لموضوعات عدة لكن في إطار الذاكرة الفلسطينية. ومن هذه الموضوعات تأليف الروابط القومية والدفاع عن المدن الفلسطينية وسقوطها، ثم حياة المخيمات وبؤسها، ومشكلة الإنسان الفلسطيني على الحدود والتعامل اللاإنساني معه ونقد للظواهر السلبية لبعض المؤسسات، والفصائلية. وهي أيضاً تلامس موضوعاً طُرِح حديثاً، وهو زيارة فلسطينيي الشتات أو حتى العرب لفلسطين! والذي يعتبره البعض نوعاً من التطبيع.. لكن في الرواية تبرُز القضية حول رفض بعض الفلسطينيين "زيارة" أوطانهم كسائحين أو زائرين! ثم محاولة تشويش الذاكرة الفلسطينية كما بدت في خاتمة الرواية.

 

أنت ناشطة في مجال تدوين الذاكرة الفلسطينية وقد برعت في ذلك. فما الأعمال التي قمت بها في هذا المجال؟

الذاكرة في كتاب "إبحار في الذاكرة الفلسطينية" ليست بالذاكرة القديمة، أي تلك العائدة إلى مرحلة ما قبل النكبة فقط. بل هي أيضا ذاكرة طازجة وقد عشناها واكتوينا بنارها، فلماذا لا نُدوِّنها ونحن شهودها الأحياء؟ وهل سننتظر أحفادنا ليكتبوا معاناتنا بعد أن بدأنا منذ فترة بنبش ذاكرة آبائنا وأجدادنا والإبحار فيها.

 

وماذا يتضمن الكتاب أيضاً غير موضوع الذاكرة؟

ينطوي الكتاب أيضاً على صورٍ لمعاناة المرأة الفلسطينية بشكل خاص والمرأة العربية بشكل عام. فالمعاناة السياسية بما هي جزء من شعب وقع عليه ظلم تاريخي، إلى جانب المعاناة الاجتماعية في مجتمع يمجد الذكورة إلى حد القداسة. ولكنه يبرز ثنائية المرأة التي تجمع رقة الياسمين وصلابة السنديان. وأدرك تماماً ثقل الكتاب على روح ومشاعر القارئ.. لكنه ليس أكثر ثقلاً من معاناة المرأة العربية عموماً.. والفلسطينية خصوصاً.

 

هل أغنى عملكِ في الإعلام الغربي تجربتك الإعلامية؟

بكل تأكيد.. لأن الفرق شاسع بين ثقافتينا، إن لناحية الأسلوب أو طريقة معالجة الموضوعات. فالمقال الغربي لا يعتمد الإطالة والإنشاء، بل يذهب إلى الخبر أو الفكرة مباشرة دون لف أو دوران، ويهدف لإيصال الفكرة بأقل الكلمات. ورغم أني كنت أُتَهم من قِبَل زملائي في لبنان بالمباشرة والذهاب إلى الفكرة دون تنميق أو تزويق، إلا أن ملاحظاتٍ عدَّة وجهت لي بهذا الخصوص من الصحف التي عملت معها.

 

حنان بكير