عملية «حزب الله» في مزارع شبعا، قصّرت المسافة بين الوعد بالرد في المكان والزمان المناسبين وتسجيل الرد الفعلي. كان اهم ما في عملية المقاومة، انها ادخلت هؤلاء الذين يعربدون، في حال اضطراب. فليس كل قصف مأمون العواقب، وليس كل تصعيد لا تبعات بعده، او لا حسابات يضطر المعتدون الى حسبتها. ها هو لبنان، بكل اطيافه، امامهم، فان ارادوا التصعيد، سيتوحد اللبنانيون ضد العدوان، وسوف تتراجع لغة التهاجي بين مكونات الخارطة السياسية والحزبية اللبنانية. فلا احد، في العالم العربي، يمكن ان يُجاهر بصداقة هؤلاء الذين ادمنوا الاعتداءات الدامية على كل جوارهم. ذلك لان ممارساتهم اليومية، ستصل بكل العرب، على الرغم من خلافاتهم وصراعاتهم؛ الى قناعة بان من لا يقاوم هؤلاء الاوغاد المنفلتين، في حدود المتاح ينبغي ان يُعزَل. فمن يطرحون انفسهم كمعتدلين ومحبي سلام، من العرب، سيجدون انفسهم معنيين بكبح جماح هذا الثور الهائج طال الامد ام قَصُر.
اليمين الاسرائيلي المتطرف، لا يفهم التاريخ ولا سننه ولا دروسه. فما زال يتوهم انه قادر على اذلال امة كبيرة، وهنا تكمن علته القاتلة آجلا ام عاجلا. وقد كانت سياساته وممارساته هي سبب تنامي التيار المتشدد في الوطن العربي. واسرائيل تعرف ذلك جيدا وتتغاضى عنه، ولديها من وسائل سبر اغوار الرأي العام العربي، ما يجعلها تعرف ايضا، ان اكثر العرب جنوحا الى السلم، سيطرب في داخله كلما اوجعتها المقاومة، بصرف النظر عن هوية هذه المقاومة ومعسكرها وسياساتها على اصعدة اخرى. فعلى سبيل المثال، تابع الفلسطينيون جميعا تطورات احداث الامس، مفعمين بالامل في ان يأسر المقاومون جنودا اسرائيليين، والحفاظ عليهم لمبادلتهم، واحباط تشدد اسرائيل في موضوع الاسرى واجبارها على اطلاقهم جميعا. هذا في الحد الادنى من المشاعر الفلسطينية التي رافقت احداث يوم امس. ويصح القول، ان حكومة اسرائيل، في سياقها الراهن، لن تُبقي على معتدلين عرب يقبضون كلام السياسة واحاديث التسوية. لم يتبق لها في العالم العربي سوى حفنة خفافيش معزولة. فاسرائيل التي نرى ونتابع، لا تنفع معها سوى المواجهة وتربية الاجيال على مناهضتها ومقاومتها كلما اتيحت هوامش او فضاءات للمقاومة. فنحن، هنا في بلادنا، مكبلون لاننا بصدد عدو لا يكتفي بقتل البشر بالجملة، وانما ينفلت الى تدمير البيوت واقتلاع الاشجار، وحرق الجوامع والكنائس، وازهاق ارواح الاطفال، ونبش القبور وخنق الحياة كلها.
طال انتظار ردع هذا الاحتلال بجزء من مروءة شباب الامة. لكن مثل هذه الحال التي نحن فيها، تحتم على الاوساط السياسية والفكرية والاعلامية، العمل بدأب على انتقال السيكولوجيا الجمعية العربية، من واقع الاحساس بالعجز، الى مسار الوعي بالقوة وبممكناتها في هذه الامة.
المتشددون الاسلاميون من الدواعش وغيرهم، لم يعرفوا الطريق الى فلسطين. لو فعلوا، وهم مذمومون مذمون، لانصفوا انفسهم وانصفوا «الاقصى» المبارك، وغسلوا اوساخ وجوههم وسكاكينهم، وصاروا بشرا. لكننا الان، امام معادلة كهذه، وعلى قاعدة فلسطين، لن نأبه بفوارق مذهبية ولا بمواقف حيال معارك اخرى. فمن فلسطين والى فلسطين، تنطلق الحقيقة وتصل. لذا، لا ننكر بهجتنا بان هذا الاحتلال الذي يعربد، سمع جوابا محدودا، هو جواب الحد الادنى من «حزب الله». لقد ظن المحتلون، ان احدا لن يجرؤ على اطلاق النار عليهم، لكنه الان، يحسب ويضرب اخماسا في اسداس، قبل ان يذهب الى نزهة حرب يشنها على لبنان، وقد ادرك انه في حال شنها، سيألم مثلما يألم اللبنانيون!
عربدوا فسمعوا بعض الجواب : بقلم عدلي صادق
29-01-2015
مشاهدة: 802
عدلي صادق
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها