لكل إنسان طموحاته في هذه الحياة، والذي ليس لديه طموحات يكون قد دخل في مرحلة اليأس. من هذه الطموحات ما هو مشروع، ومنها ما هو غير مشروع. فما الذي يحدد مشروعية أو عدم مشروعية هذه الطموحات، وما هي الأُسس التي يجب أن تُبنى عليها؟
وطالما نحن مقبلون على مؤتمرات حركية في لبنان، أو في غير لبنان نفضِّل أن نحصر حديثنا في الجانب التنظيمي، وما سنقوله هي مبادئ عامة تصلح لأي تنظيم، ولأي مؤتمر:
أ- حتى تكون الطموحات مشروعة يجب أن تكون مبدئية وأخلاقية، وتسهم في بناء الإطار صَغُرَ أم كَبُر، لأنَّ الطموحات المشروعة تُنمِّي شخصية الكادر ليكون أكبَر قدرةً على عملية البناء، والتغيير المدروس باتجاه مصلحة المجموع.
ب- الطموحات المشروعة يجب أن تكون بعيدة عن نظرية "الغاية تبرِّر الوسيلة"، وهي النظرية الأسوأ والأخطر في تاريخ الافراد والجماعات، خاصة عندما تكون الغاية لا علاقة لها بالجوانب المبدئية، أو الاخلاقية، أو الوطنية، أو الانسانية، ويكون المطلوب استخدام رفاقه والعاملين معه من الذكور الاناث على حد سواء كدرجات السُلّم، يدوس عليهم، ولا يفكر بهم، وينسى تاريخه معهم، ووفاءَهم له، ويتم ذلك دون شفقة أو رحمة، لأنَّ المهم هو الوصول إلى الهدف المحدَّد سواء أكان السلطة، أم المال، أم السيطرة الأمنية، أم التحكم الفكري في الجانب التعبوي لصالح تيار معيَّن أو طرف معيَّن.
ج- الطموحات المشروعة لا يجوز أن تتحقق على أنقاض الآخرين لمجرد أنَّ هناك خلافاً في وجهات النظر لا يتعلق بجوهر الموضوع الأساسي، ويأتي أيضاً من زاوية تأديب الآخرين المعارضين، وإبعادهم لتلقينهم درساً قاسياً.
د- الطموحات المشروعة لا تجيز لأصحابها أن يستخدموا أدوات غير مشروعة خاصة عملية الإقصاء، والاستبعاد، والتشهير المتعمَّد الذي يهدف أحياناً إلى محاربة أشخاص معينين، وإزالتهم من طريق هذا التكتل أو ذلك رغم معرفة الجميع بتاريخ هؤلاء النضالي، وبنزاهتهم، وبحضورهم التنظيمي وثقة الجماهير بهم.
هـ- من الطبيعي أن يكون للانسان طموحات، ولكن من الضروري أن لا تنطلق من عقلية التآمر على الآخر، وتفجير الصراعات الداخلية، وإبراز حالات التوتر والانقسامات، وبذلك تتحول الطموحات غير المشروعة في مثل هذه الحالة إلى أداة تدميرية، وعقلية تخريبية، وتتربّع مصلحة الفرد وطموحاته الخاصة كابوساً على صدور الكل التنظيمي.
و- أصحاب الطموحات غير المشروعة يستيقظون وينشطون عندما لا يجدون قيادة قادرة على وضع حدٍّ لهم ولانحرافهم، أو عندما تلتقي مصالح الطرفين، ويغذي أحدهما الآخر لتجاوز مرحلة صعبة تهدد مصالحهما، بينما هذه المرحلة هي مرحلة البناء والنهوض الوطني والثوري.
باختصار يوم المؤتمر هو كيوم العيد، فالذي صام وصلَّى وتزوّد بالحسنات ينتظر العيد بشوق كبير، ويسعد ويطمئن بأيام العيد لأنه أعدّ العدة، وأمَّا الذي لم يصمْ ولم يصلِّ، ولم يتزوَّدْ بالزاد الحسن فلا تعنيه فرحة العيد، وإنما يتمنى مرور ذلك اليوم بسرعة خاطفة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المؤتمر فمن عَمل واجتهد، وأمضى وقته في سبيل حماية وتطوُّرِ ونمو حركته، وكان همّه الأول التواصل مع الأطر التنظيمية والنقابية، واللجان الشعبية، وكان يسهر على أمن حركته وأمان شعبه دون الالتفات إلى ما يقوله الآخرون. أمثال هؤلاء ينتظرون قدوم المؤتمر لحظةً بلحظة، ففيه سيقدِّم كلُّ واحد جردةَ حساب على مرأى ومسمع الجميع، بثقة كبيرة، وعنفوان حركي، وإصرار على مواصلة المسيرة.
مثلما قلنا أن الطموح مشروع أيضاً نقول بأن التنافس في المؤتمرات مشروع، ولكن التنافس على ماذا؟
هل يكون التنافس على المكاسب الشخصية، وعلى إقصاء واستبعاد الآخرين؟ أو أنّ التنافس يكون على البرامج التنظيمية الأنضج والأفضل، والتنافس على تقديم تقييم أكثر موضوعية ودقة للمرحلة السابقة، ولعلّ التنافس الأمثل يكون على اعتماد أفضل أسس معالجة الأمراض التنظيمية المستفحلة، والبحث في الضوابط التي يجب اعتمادها مستقبلاً لضمان مسيرة حركية فاعلة ومنتجة، وقادرة على نشكيل رافعة تمكننا من استنهاض أوضاعنا الحركية.
على هذه الارضية يكون التنافس، وعلى هذه الارضية يكون التقييم التنظيمي. وعلى هذه القاعدة يجب محاكمة المواقف، وعلى هذه الأسس نستطيع اختيار الكادر، أو مجموعة الكوادر التي نعطيها الثقة كي تحمل الهموم الحركية، والاعباء النضالية دون النظر إلى المكاسب الشخصية. على هذه الأسس نختار القيادة الجديدة المؤهَّلة تنظيمياً وسياسياً وفكرياً للدفاع عن الحركة، وعن مواقفها السياسية والاعلامية، والجماهيرية، وليس القيادة التي تفكر دائماً كيف تمتطي الحركة من أجل مصالح رخيصة، وهؤلاء غالباً ما يميلون إلى تقزيم الحركة وإضعافها حتى تتناسب مع أحجامهم وأهدافهم، وهذا ما يولِّد عادة صراعاً بين فكرين أو برنامجين، أصحاب الفكر الثوري والمنهج التنظيمي، الذين يحملون الحركة بكل همومها على أكتافهم من أجل ان تبقى عالية مشرقة. أما أتباع الفريق الآخر فهم الذين يمتطون الحركة بتسلّطهم، وجبروتهم، وذاتيتهم المقيتة، من أجل أن تكون الحركة مطموسة بعيدة عن جماهيرها، عاجزة عن تطوير ذاتها.
فهل سنذهب إلى المؤتمر ونحن نحمل ملفات تتضمن البرامج، والتوصيات، والاقتراحات؟ أو أننا سنذهب كمستمعين في أفضل الحالات، ونترك للآخرين أن يقرروا مصيرنا، ونحن لا حول لنا ولا قوة. الفارق بين الفريقين هو أنَّ الفريق الأول يصنع القرار، ويتحمل المسؤولية التاريخية، وعليه الاعتماد في الظروف الصعبة، وفي المواقف الحاسمة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها