أعادنا اتفاق الهدنة الممتدة في غزة لأجواء الشرق الأوسطالقديمة قبل حوالي نصف قرن، بدا لوهلة وكأن الراغبين في توليد شرق أوسط جديد أو كبيراكتفوا بمحاولة إعادة إنتاج الشرق القديم، توليد إمارة بغزة ترتبط بمصر وإبقاء شبهالدولة فيما تبقى من الضفة ليربط بالأردن، تماماً كما كان الحال قبل حرب العام 67م.وولادة هذا الاتفاق المشبوه تشبه ولادة اتفاق كامب ديفيد المشهور، كلاهما حدث بعد نصرتم اجهاضه عمدا، وكلاهما لا تتناسب التزاماته مع النتائج الميدانية المتحققة، وكلاهماأراد تكريس دور مصري سلبي في التعاطي مع قضية فلسطين وكلاهما أدى إلى تمزق وتشرذم المقاومةالفلسطينية. 

قبل الحديث عن الاتفاق المثير للجدل، حرب غزة نفسهاأثارت تساؤلات عدة: 

هل كانت مجرد تمرين عسكري إسرائيلي، لحرب قادمة مع إيرانللتعرف على قدرات المقاومة الجديدة في غزة لتحييدها ؟ 

أم أن الحرب هدفت أبعد من ذلك حسب مصادر أخرى، تقويةالجانب السني ضد الشيعي في الصراع الذي تريد أمريكا و(إسرائيل) فرضه على المنطقة؟ 

هل تستطيع حماس أن تسيطر على بقية الفصائل في غزة حلفاؤهاوشركاؤها في النصر والصمود؟ 

أخيرا هل صحيح أن مصر وافقت على تركيب مجسات إلكترونية،أو على نشر قوات أمريكية جديدة في سيناء لمنع تهريب السلاح إلى غزة؟ 

السؤال المضض، كيف تقبل حماس المنتصرة باتفاق الجميعبما فيهم عتاة الصهيونية، بمقايضة نصر عظيم كهذا بمطالب أقل بعد امتلاكها لصواريخ فرضتتوازن الرعب مع أعدائها؟ 

كيف تقبل القيام بدور الحارس على حدود (إسرائيل) بمايستتبعه ذلك من تنسيق أمني معها لمطاردة المخالفين وهو الدور الذي كانت تعيبه على سلطةرام الله؟ 

هل ستغير شعارها من صراع وجود إلى صراع حدود وتغير عقيدتهابعدم التفاوض مع (إسرائيل) وكيف ستتصرف مع حلفائها الذين ناصروها ومازالوا يرفضون التفاوض؟ 

هل ستقبل حماس بجيب غزة تقيم عليه دولتها وترفع عليهعلمها؟ 

هل يقتضي تغيير جلد حماس اختفاء محمود الزهار وعدم ظهورإسماعيل هنية ثم الظهور الفجائي المكثف لخالد مشعل الذي كان غائباً عن المشهد، وماتأثير كل هذا على الانقسام الفلسطيني الحاصل؟ 

السؤال الأمضض، هل أجبرت حماس على كل هذا نتيجة لهذاالانقسام ولتخلي العرب، كل العرب عنها وما وقوفهم «الإعلامي» الأخير مع غزة إلا عملكومبارس في مسرحية غزو غزة؟ 

ليس هذا تشاؤماً من سلبيات اتفاق هدنة هش ولا تقليلاًمن قدرة مقاومة سترتفع مجدداً وفلسطين ولادة، لكنه تحذير مما سيؤول إليه الوضع إن لمنقم نحن بما علينا فعله لحماية غزة وإعادة تبني القضية الفلسطينية على أساسيات جديدةتتفاعل مع المعطيات الجديدة التي أثبتت للجميع أن فلسطين هي محور السيطرة على المنطقةفي العقد القادم، تماماً كما كانت قبل نصف قرن، بعد الاكتشافات الكبيرة لحقول النفطوالغاز قبالة سواحلها، لم تعد القضية تمكين الإسرائيليين من وطن قومي بل تمكينهم منالسيطرة تحت عنوان جديد قديم «التحكم في مقدرات المنطقة». 

تحذير من حرب أهلية في غزة بين الخانعين الجدد والرافضينالجدد، وستنقل هذه الحرب إلى الضفة بتشجيع من عدوهما المشترك، مما سيقود إلى تدخل أطرافعربية وغير عربية، وستكبر كرة الثلج هذه لتمكين الفوضى الخلاقة، وإن بصيغة أخرى، منإعادة صياغة المنطقة، وكل هذا استثماراً لعدم توحد الموقف العربي حول الفلسطينيين وتكريساًللبدء في تطبيق المشروع الصهيو أمريكي للسيطرة على كامل المنطقة سياسياً واقتصادياًوفكرياً وهو الأهم .