تجرأ المستوطنون على الأقصى والحرم، وكنائس المدينة المقدسة، كشرارة لحرب دينية، فدولة الاحتلال (اسرائيل) معنية بمنع بروز البعد الوطني والقومي في الصراع الفلسطيني - الصهيوني، كما عنايتها باستعادة الوهج الديني لمشروعها الاحتلالي الاستيطاني لأرض فلسطين التاريخية والطبيعية، ومحاولتها وتركيزها اليوم على توفير الفرص للمستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى والادعاء بملكية اساسات المسجد الأقصى، محاولة لقطع الطريق على المشروع الفلسطيني، وتوجه القيادة بمشروع قرار الى مجلس الأمن الدولي لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي، فحكومة نتنياهو تظن بإمكانية كسب المعركة عبر تسعير النعرة الدينية في الصراع، لإدراكها الخسارة السياسية سلفا، بعد تصميم العديد من الدول على الاعتراف بدولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية المحتلة منذ الخامس من حزيران عام 1967، وبعد نجاح التصويت الرمزي في البرلمان البريطاني على الاعتراف بدولة فلسطين.
أدرك قادة دولة الاحتلال متأخرين فشلهم في اقناع العالم بأحقيتهم التاريخية في القدس فاحتلال المدينة المقدسة وتكثيف الاستيطان فيها وحولها منذ حوالي نصف قرن، وتسريع مخطط تهويد معالمها، لم يبدد الهوية الوطنية الفلسطينية والعربية للقدس، في حين عجزت آلة الدعاية الصهيونية عن اصباغ القدس الشرقية والمقدسات فيها بصبغة دينية يهودية، ليس بفضل النضال الوطني الفلسطيني وحسب، ودفاع الشعب الفلسطيني عن المقدسات في هذه المدينة وحسب، بل بفضل الايمان الراسخ لدى المؤمنين في فلسطين أولا وأخيرا بأنهم حماة المقدسات الاسلامية والمسيحية في الأرض المقدسة، كأمانة تاريخية ودينية، وبفضل العقلية الوطنية التي دفعت الفلسطيني المسيحي ليكون في الصفوف الأولى من المدافعين عن الأقصى، والفلسطيني المسلم في الصفوف الاولى للدفاع عن كنيسة القيامة.
يحاول منظرو الاحتلال والاستيطان في دولة الاحتلال (اسرائيل) اغتنام فرصة انشغال دول العالم وتحديدا اوروبا والولايات المتحدة الاميركية بمحاربة ارهاب ما يسمى (الدولة الاسلامية في العراق والشام – داعش) والقاعدة، والصراعات الطائفية والمذهبية المستشرية في مشرق ومغرب الوطن العربي لتوسيع قاعدة الصراعات المشتقة من الدينية لتشمل الصراع (الفلسطيني- الاسرائيلي ) اذ يظنون بوقوف العالم بديهيا او مضطرا الى جانب اسرائيل (الديمقراطية!!!) ضد جبهة التطرف الاسلامي، ومستندين على شعارات دينية للصراع ترفعها فصائل فلسطينية، يعلمون سلفا انها للاستهلاك المحلي لا أكثر لكنهم رغم ذلك يستعينون بهذه الشعارات والمقولات، وحتى الوثائق المسربة من هنا وهناك، لدعم روايتهم الى الرأي العام، فمن يسيطر على المقدسات في القدس يسيطر على عاصمة فلسطين التاريخية والطبيعية.
تراجع مكانة القدس كأولوية في الذاكرة والوعي الوطني والقومي والانساني والروحي الديني كان عاملا في نجاح مخططات التهويد في القدس.. لكن حكومات اسرائيل المتعاقبة منذ عدوان حزيران حتى اليوم لم تجرؤ على محاولات واضحة للعيان للاستيلاء على الأقصى كما تفعل الآن، ونفسر ذلك بخطأ استراتيجي ارتكبته حكومات دولة الاحتلال، او بتقديرات خاطئة عن ردة فعل الفلسطينيين والعرب والمسلمين ان مست بمعالم وقدسية القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين.
علينا الاعتراف أن المسميات والألقاب الرسمية والخاصة والفردية والعامة، ويافطات الجمعيات والأحزاب والتجمعات والمراكز والملتقيات التي رفعت اعمدتها تحت سقف القدس او من اجلها لم تكن بمستوى الأهداف التي نشأت لتحقيقها، فالأرقام والوثائق تبين فوارق شاسعة بين الواقع والمأمول، فأعمالنا من اجل القدس ليست منظمة، وانما تفوح منها رائحة اعتبارات فئوية شخصية حزبية، وإلا لما اقدم المستوطنون على دوس عتبات بوابات الحرم القدسي.. ولا ابرزوا غطرسة وتفوقا وتمييزا ورغبة في السيطرة والاستحواذ بالقوة على اهم مقدسات المسلمين ومعالم دولة فلسطين الدينية والحضارية والثقافية.
نحن امام اختبار حقيقي لقدرتنا كشعب على حماية مقدساتنا، التي هي احدى اهم رموز هويتنا فمكانة المقدسات مقدمة على مكانة السياسات، وصونها وحمايتها والنضال لتحريرها معيار للوطنية.. ونحن على يقين بأن الفلسطينيين سيحمون الأقصى اليوم بقوة وإرادة وطنية، ويشهد المعجزات من يحاول اختبارهم في هذا الميدان. فلا وطنية فلسطينية دون القدس الحرة المستقلة.