نظَّم اتحاد الكُتاب اللبنانيين والحركة الثقافية بالتعاون مع الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين وسفارة دولة فلسطين في لبنان لقاءً تأبينيًا لشاعر العروبة والمقاومة الكبير "سميح القاسم"، وذلك مساء الاربعاء 3\9\2014 في قصر الاونيسكو.

وحضر اللقاء وزير العمل الفلسطيني احمد مجدلاني، وسفير دولة فلسطين في لبنان اشرف دبور، ورئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين والحركة الثقافية في لبنان وجيه فانوس، ورئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين مراد السوداني، ونقيب الصحافة اللبنانية محمد بعلبكي، وامين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي ابو العردات، ومنسّق عام الحملة الاهلية لنصرة فلسطين والعراق معن بشور، إلى جانب ممثلي الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية، وممثلي سفراء الدول العربية، وممثلي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى الفلسطيني، والشعراء باسم عباس، وعبد القادر الحصني، وديزيريه سقّال، وغسان مطر، وطارق ناصر الدين، ووجدي عبد الصمد، وعدد كبير من المثقفين والإعلاميين.

بدأ اللقاء برسم الفنان الفلسطيني محمد الديري لوحة لسميح القاسم على انغام اغنية سأقاوم، تلاه الوقوف مع النشيدين اللبناني والفلسطيني.

ثمَّ القى كلمة اتحاد الكتاب اللبنانيين والحركة الثقافية في لبنان وجيه فانوس جاء فيها: "نلتقي اليوم كما في كل يوم سبق وفي كل يوم سيأتي حول سميح القاسم لأن سميح القاسم مقاوم، ولأن سميح القاسم اصر على ان يظل متنشقاً دائماً لعبق ارض الشهادة والنضال، ولأن سميح القاسم رائع من كبار مبدعي الشعر العربي في زمننا.

نلتقي اليوم متخيلين ان سميحاً رحل عنا في كفن ولكن لا يمكن لنا ان ننسى ان سميحاً ندر منذ البداية ان يحمل كفنه على كتفه ويظل ماشياً حتى يصل الى كوثر الانتصار وجنات يجري من تحتها استرجاع الحق السليب.

سميح القاسم احد اكبر عمالقة العطاء الشعري الوطني العربي الفلسطيني في زماننا هذا لم يرحل ما انفك يحمل كفنه ويمشي وما برح يدعونا في كل لحظة نعيشها من اعمارنا ومع كل قصيدة نقرؤها من شعره وعبر كل ومضة نعرفها او سنتعرف عليها من حكاية مقاومته الى ان نتابع المشي بالأكفان وصولا الى حوض كوثر الانتصار الذي لا بد لكل مناضل من رشفة منه ترويه ابد الوجود ولا بد له منه كذلك من تنعُّم بجنات يجري من تحتها نهر الحرية".

وأضاف "يُقال ان محمود درويش لم يتمالك نفسه من ان يستقبل سميح القاسم لحظة وصول سميح منذ ايام من هذه السنة 2014 الى حيث وصل محمود سنه 2008 إلا بسؤاله له الى اين وصلنا يا سميح ويقال ان سميحاً اجاب محموداً ما زالت المعركة مستمرة خسائرنا فادحة في الانفس وفي الممتلكات بيد اننا تعلّمنا من شعبنا في غزة ان عدم الرهان على دعم كثير من الانظمة العربية لنا ليس بخطأ على الاطلاق وتأكدنا من ان وعي جماهير الشعب وطاقات مقاومته هي الاكثر قدرة على بعد الرؤيا وتحمل الضغوطات من كثير من القيادات والاهم اننا صرنا نعلّم الصهاينة كيف يتوسلون منا ولو فتات ايام من الهدنة يلمون بها ما تشتت من احوالهم وانهار من اعصابهم وفقد ثقته بهم من ناسهم".

والقى كلمة الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الأستاذ مراد السوداني جاء فيها: ما بين فلسطين ولبنان خيط فعلاً مقدس يليق بالبطولة والسادة الشهداء، وليس غريباً هذا التداعي الحر والمعافى في الحركة الثقافية اللبنانية واتحاد الكتاب اللبنانيين مع صلب اتحاد الكتاب الفلسطينيين للتذكر واعلاء سياق الوفاء بما يليق بشاعر استثنائي ومختلف. رحل طائر الرعد الفلسطيني حصار الشعر والجماليات، العفي كزند المحارب، النقي كفلق الصبح، الشقي بحب البلاد، الندي كدمعة ام الشهيد، العلي كصوت البلاد الذي لا يرتج ولا ينكسر، انقطع من ربابة الوعي والانشاد الشعري الفلسطيني والعربي اشد الاوتار وأكثرها عمقاً ونزفاً، الوتر المتين المكين، برسم الشاعر الذي ظل ممسكاً بالجماليات والعناد المقدس في جغرافيا السحر الالهي، في الجليل الاعلى حيث جبل حيفا الذي من على صهوته اعلى سميح القاسم منصة اطلاق الشعر الملتزم فلا حد لمديح السيد الشاعر ولا حد لتعداد فضائله وهو بتراب بلاده رافضاً ان يخرج من بلاده الا ليعود اليها كراً وفراً كالكمنجة في الرباعيات كما قال الشاعر محمود درويش".

وتابع "سميح القاسم الاسم الاعلى والأغلى في الشعرية الفلسطينية وواحد من سدادة الوعي والكتابة في عمقنا العربي صعوداً نحو الكون وتأكيداً على الالتزام بالادب والثقافة، حملاً للراية التي ارساها السادة الشهداء والكتيبة المؤسسة في الوعي والثقافة الفلسطينية بالدم نكتب لفلسطين والوطن العربي فهكذا وسع سميح القاسم بيكار الرؤية ليفكك الطائفية، خروجاً نحو عمقه العروبي وتأصيلاً للمقولة المقاومة في زمن الردة والارتداد".

والقى سفير دولة فلسطين في لبنان اشرف دبور كلمة جاء فيها: "في زمنِ المذبحةِ والعدوانِ المتواصلِ على أرضِنا وشعبِنا وقضيتِه، نحزنُ معاً لسنديانةٍ رحلت عنَّا لتلتَحِقَ بكتيبةِ الميامين أصحابَ الكلمةِ الحرّة، كمال وماجد، أبو سلمى، فدوى وإبراهيم، توفيق ومعين، غسان وناجي وهارون، وصِنوُه محمود درويش.

(كنتُ هنا وسأبقى وسأكون) نعم كانَ هنا، وسيبقى بينَنَا وسيكونُ دائماً ذلكَ الكبيرَ الذي لم يأبه لخبرِ الموتِ والحياة، بل أضحى موتُه كحياتِه شعلةَ أملٍ وضّاءةٍ في غدِ الحريّةِ المشتهاة. هو سميحُ القاسم، سنديانةُ الجليل المعاندة الجسورة الهتّافة بالحريّةِ وحقيقةِ البلادِ وحقّها الأبديّ. ردّدتَ دوماً للمحتلِّ الغاصِب "إرحل"، غبتَ بعدَ أن تحديتَ الموتَ، وأنت القائلُ (أنا لا أحبّكَ يا موتُ لكنّني لا أخافُك).

وترجّلَ الفارسُ الشهمُ ممن أنجبتهم فلسطين ليذهبَ عميقاً نحو أعالي الحضورِ والبهاءِ. هناك ستخلدُ على وسادةٍ من ندى السنديانِ والأقحوانِ، وتنعمُ بالحريّةِ التي طالما تغنيّتَ بها، فلا محتلٌّ ولا سجنَ ولا سجّانَ ولا توقيفَ بعدَ اليوم. إنّك الآن تخصّبُ أرضَ فلسطينَ الولودَ بولوجِك إلى أحشائِها في آخرِ العمرِ وفيضِ العطاءِ، بعد أن خصّبتَها في حياتِك ببهائِك وشعرِك الناري. وحين سُئِلَتَ عن يومِ ميلادِك أجبتَ، " هو يومُ المماتِ، الأمرُ البائسُ الوحيدُ في حياتي، هو الصاعقةُ عليّ، التاريخُ المعروفُ بيومِ النكبة. ولدتُ عربيّاً سليلَ أسرةٍ إسلاميةٍ على مذهبِ التوحيدِ الدرزيِّ وعشتُ فلسطينياً وأفتخرُ أنني أنتمي إلى هذه الأمّةِ العربيّة.

وفي المكانِ نفسِه الذي اخترتَهُ ووريَ جسدُكَ الثرى في الترابِ الحرِّ المعافى الذي إرتضيتَ وأحببت، على جبالِ الجليلِ حيفا ورأسِ الناقورة، في بلدةِ الرامةِ التي يحتضنُها جبلُ حيدر. وخلال تشييعِ موكبك المهيبِ صَدَحَ صوتُك بنبرةِ الواثقِ عبر مكبرّاتِ الصوت، (ويوم تغادرُ روحي فضائي لشيء يسمونَهُ الموتَ أرجو أن لا تفارقَ وجهي الإبتسامة).

سميح، لن تفارقَ الإبتسامةُ وجوهَنا ونحنُ نسندُ أرواحُنا بصوتِكَ الذي سيحيا بيننا للأبد... إستشرفتَ المستقبلَ وأعلنتَ رفضَك تجزئةَ الأمّةِ إلى طوائفَ ومذاهب، وعلى طريقتِك الخاصّةِ وضعتَ اسمَك في سجّلِ خالدي مسيرةِ النضالِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ وذاكرةِ الأمّةِ التي لطالما افتخرتَ بأنّك تنتمي إليها. كنت وفيّاً أبديّاً لفلسطين وعاشقاً للترابِ، مؤمناً بالقضيّة. لك منّا الوفاءُ بأنّنا كُنّا هنا، وسنبقى، وهنا سنكون. ولن تسقطَ رايةُ الوطنِ حيثُ علمُ البلادِ، سقفُنا الأجلُّ والأبقى والأنقى".

ثم القيت قصائد شعرية لكل من الشعراء: باسم عباس، عبد القادر الحصني، ديزيريه سقّال، غسان مطر، طارق ناصر الدين، ووجدي عبد الصمد.

كما قدمت فرقة الكوفية رقصة فنية فلكلورية فلسطينية على انغام كلمات الشاعر سميح القاسم بأغنية "تقدموا".