الآن
الذين بَكَوْا
والذين استشهدوا
والذين نَجَوْا من دهسةِ دبابة
الآن
الذين صاحُوا بالطائرات
أن ابتعدي
عن عيون الأولاد
الآن
الذين أوحشتهُم المآتمُ
وعتمةُ الموت
صاروا يحلمون بسقوط العالم
تحت جنازير الدبابات
الآن
الذين رأَوْا الغدَ الحزين في عيون المارّة
أخذوا جرعةَ ماءٍ أخيرة
قبل أن تحرقهم القنابل
الآن
الذين احتمَوْا بالمدارس
وأجسادِهم العاريةِ
وأدعيةِ الأمهاتِ
وحدائقِ الطرقِ
فقدوا أولادَهم
وبيوتَهم وأرزاقَهُم وكلَّ شيء
ما عدا الصلاةَ على الرّكامِ
والسجود للخالق
الآن
الذين انتزعوا من قاموسهم
أغيثونا، وساعدونا، وادعمونا، وانجدونا
لن يُخدعوا بنفاق المفجوعينَ على الضحايا
الآن
الذين أُبيدوا
وشُطِبتْ أسماؤُهم من سجلات النفوس
الآن
الذين قُتلوا في اليومِ نفسه أكثر من مرة
وتبدّدوا في الهواء
الآن
الذين نظروا الى غزة بعين الشفقة
والذين أحبوا رائحة البخور في المقابر
هؤلاء لا يملكون سوى ثرثرات العائدين من المسارح
فليس لهم سوى أحلام لا تباع ولا تشترى
أما غزة التي صنعت مجداً عظيماً للأجيال
واكتوت بنار الأحبّة
غزة هذه التي لا تخاف الفناء
ولا ألوان التعذيب بالحديد والنار
ليس في قاموسها مفردات ندم
هذه الغزة ستكون
أسطورة الحياة
سيكون لها كل شيء ثمين
سيكون لها الانتصار
أما هؤلاء الذين يبنون جدارة البقاء
لن يسقطوا
ولن يسكتوا
لا ولن يسامحوا
2.
جنود العدو
يقصفونَ المطارَ الذي أسافر منه
والبحرَ ومراكبَ الصيادين
وغرفةَ نومي
يقصفونَ طواقمَ الاسعافَ
والمنديلَ الأملسَ لجروحي
يقصفونَ المستشفياتِ
ودُورَ العبادة
والمدارسَ وروضاتِ الاطفالِ
وسريرَ الجريحِ
يقصفونَ القفصَ الذي وضعوني فيه
يقصفونَ محنتَنا
ولو رأَوْا القدرَ لقصفوه
3.
فتاةٌ صغيرةٌ تترنّم
فتاةٌ من بناتِ غزة
ظنّتْ عينيها عنباً أسود
لسعتها نجمة
ادّعتْ أنها ترسمُ الليلّ في خيالها الأنيق
فتاة هربت الى الحيطان
الى القمم
الى العتمة
الى باب المغارة
الى عقرب الساعة
الى الخيال لتختبىء من ضربات العدو
القصفُ غزير
والغاراتُ غزيرة
والرصاصُ الطائش مثل المطر
والعالم لا يفكر ببنت تتألم في غزة
فتاة صغيرة تترنّم
تتسلى من الخوف بضفيرتها
تخافُ الصور المرعبة
في الشجاعية
تخافُ من رائحة الموت في بيت لاهيا
وخزاعة وبيت حانون
فتاة
جزعتْ
ارتجفتْ
ارتعدتْ
تضرّعتْ الى الله أن يحميها من قنابل العدو
صلّتْ، بكتْ، استنجدتْ، خافتْ خافتْ
فتاة من غزة تترنم
تصرخ طوال اليوم
تريد أن تعيش الى ما بعد الحرب
لو تسنى لها أن تعيش
تريد أن تبقى كأي شيء
تريد أن ترى ما لا يُرى
تقولُ يا ليتني أكبُر
يا ليتني أولد مجدداً
إن أهلكني القصف بعد قليل
ليتني أولد مجدداً.
تقطيع الموت ثلاثة أقمطة
03-09-2014
مشاهدة: 4861
محمد سعيد
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها