دعت واشنطن الى "توقف" المفاوضات لفترة قصيرة في عملية السلام في الشرق الأوسط بعد انتهاء مهلة التوصل الى اتفاق بين الاسرائيليين والفلسطينيين من دون احراز أي تقدم.
واعتبر مسؤولون اميركيون ان وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليس نادما على الوقت الذي امضاه في محاولة التوصل الى اتفاق في عملية السلام وهو مستعد لاستئناف جهوده مرة اخرى في حال طلب منه ذلك.
ومع انتهاء مهلة التسعة أشهر التي حددت للتوصل الى اتفاق، أمس الأول بدت الآمال بتحقيق السلام ضئيلة أكثر من أي وقت مضى حيث ينتهج رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس محمود عباس سياسة تكتيكية تقوم على تبادل الاتهامات، وفيما وصلت المحاولات الأميركية لردم الهوة بين الطرفين الى طريق مسدود.
وبعد أكثر من سنة على الدبلوماسية المكوكية المكثفة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي، لم تذهب واشنطن الى حد الاعتراف بالفشل وانما اكتفت بالدعوة الى "توقف الحوار لفترة".
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي ان "المهلة الأساسية للتفاوض كان يفترض ان تستمر حتى 29 نيسان. ولم يحصل شيء خاص في هذا اليوم". واضافت ان كيري "غير نادم على الوقت الذي استثمره في هذه العملية". وتابعت "لقد وصلنا الى نقطة تتطلب توقفا لفترة، حيث يمكن للطرفين ان يفكرا بما يريدان ان يقوما به لاحقا".
وسارع القادة الفلسطينيون والاسرائيليون الى الاعلان انهم منفتحون ازاء استئناف المفاوضات وانما بشروط من المرجح الا يقبلها أي من الطرفين.
واعلن الرئيس عباس الثلاثاء انه مستعد لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل اذا شملت تحديد حدود دولة اسرائيل ووقف الاستيطان، معتبرا ذلك شرطا لتحقيق السلام. في حين تصر اسرائيل على مسالة الأمن أولا.
لكن مسؤولا حكوميا اسرائيليا كبيرا قال انه لن تجري محادثات اضافية الا حين يعدل عباس عن اتفاق المصالحة الذي وقع مع حماس.
ويرى محللون ان انتهاء فترة المفاوضات تعني ان الوضع عاد الى ما كان عليه في الأساس.
وقال جوناثان سباير الباحث البارز في غلوبال ريسيرش في مركز الدراسات الدولية قرب تل ابيب "لقد عدنا الى النقطة التي انطلقنا منها". واعتبر ان الفلسطينيين سيواصلون استراتيجيتهم السياسية للحصول على اعتراف عالمي بدولتهم المنشودة في محاولة "لعزل اسرائيل في الهيئات الدولية والضغط عليها من أجل تقديم تنازلات".
لكن محللين اسرائيليين اخرين قالوا ان انهيار المحادثات يأتي نتيجة مباشرة لسياسة الاستيطان الاسرائيلية في اراض هي موضع مفاوضات.
فقد افادت منظمة السلام الآن ان اسرائيل وافقت على بناء 13851 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة خلال تسعة أشهر من المفاوضات مع الفلسطينيين.
وفيما بدا وكأنه تحول في السياسة الأميركية اشارت بساكي الى ان واشنطن قد تكون مستعدة لقبول حكومة مصالحة اذا التزمت بمبادئ "نبذ العنف والاعتراف بدولة اسرائيل". وقالت بساكي "اذا وافقت حكومة الوحدة الوطنية على بعض المبادئ، بالتالي موقفنا لن يكون معارضة ذلك". لكنها شددت على انهم "لم يعلنوا رغبتهم بالالتزام بهذه المبادئ، أي حركة حماس".
لكن مسؤولين اميركيين حذروا الثلاثاء من ان القادة الفلسطينيين يخاطرون بخسارة مساعدات اميركية بملايين الدولارات في حال تنفيذهم خططهم بتشكيل حكومة توافق وطني تضم اعضاء من حماس.
وصرحت آن باترسون مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في جلسة استماع بمجلس النواب "دعوني أكون واضحة للغاية حول سياستنا تجاه حماس". وتابعت "لن تذهب اية أموال من الحكومة الأميركية الى اية حكومة تضم حماس، الا اذا قبلت حماس بشروط الرباعية، وهي نبذ العنف والاعتراف بالاتفاقيات السابقة، والأهم الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود".
وصرح النائب تيد دويتش في جلسة مناقشة مخصصات الميزانية للشرق الأوسط وشمال افريقيا "دعوني أكون واضحا: لن تتلقى اية حكومة فلسطينية تضم اعضاء ارهابيين من حماس تمويلا فلسطينيا" حسب تعبيره.

وكان كيري قال في اجتماع مغلق مع خبراء السياسة الخارجية إنه إذا لم يتحقق حل الدولتين قريبا فإن اسرائيل تجازف بأن تصبح "دولة فصل عنصري". وكان كيري يشير فيما يبدو إلى رأي ليبراليين اسرائيليين ومنتقدين أوروبيين يرون أنه إذا لم ينفذ حل الدولتين واستمرت الاتجاهات السكانية الحالية فإن الفلسطينيين سيفوقون الاسرائيليين عددا.
ونقل موقع ذا ديلي بيست عن كيري قوله يوم الجمعة "سينتهي الحال بالدولة الوحدوية إما بكونها دولة فصل عنصري بمواطنين من الدرجة الثانية أو دولة تدمر قدرة اسرائيل على أن تكون دولة يهودية".
وبلور هذا التعليق الصور الكاريكاتيرية القديمة لكيري عضو مجلس الشيوخ السابق. فبالنسبة للمتشككين كان التعليق يمثل كيري مرشح الرئاسة السابق المغرور وهو يرتكب زلة جديدة. وبعد جهد طموح استمر على مدى أشهر للتوصل إلى اتفاق سلام كان كيري يحمل اسرائيل مسؤولية فشله.
ووصفت السيناتور باربرا بوكسر عضو الحزب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا تصريح كيري بأنه "هراء وسخيف". وطالبه السيناتور تيد كروز الجمهوري عن ولاية تكساس بتقديم استقالته.
أما بالنسبة لمؤيدي كيري كان الأمر عبارة عن موقف نطق فيه وزير الخارجية بالحق فيما يتعلق بضرورة تطبيق حل الدولتين وهو موقف فيه مجازفة شديدة لكن مردوده عال.
ومساء يوم الاثنين قال كيري في بيان إنه لم يقل قط أو حتى يشر إلى أن اسرائيل حاليا دولة فصل عنصري.
ويوم الثلاثاء أيد مساعدوه تصريحاته التي قالوا إنها ليست سوى تكرار لتحذير يطلقه ساسة ليبراليون في اسرائيل مثل تسيبي ليفني وايهود أولمرت وايهود باراك منذ سنوات.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية وثيق الصلة بكيري "صرح بما صرحت به ليفني وأولمرت وباراك جميعا".
وتوقع مساعد كيري أن يضطر المسؤولون الفلسطينيون والإسرائيليون - بعد دفعة سياسية داخلية مبدئية- للعودة إلى مائدة المفاوضات نظرا للحاجة الطويلة الأجل لحل الدولتين. وقال المساعد: "مسألة عودتهم جميعا ورغبتهم في إجراء مفاوضات مجرد مسألة وقت".
ويقول خبراء السياسة الخارجية إن كيري ربما حمل نفسه فوق طاقتها. ففي عامه الأول سافر أكثر مما فعل أي وزير خارجية أميركي سابق وألقى بنفسه في غمار قضايا معقدة متعددة من سوريا إلى روسيا إلى جنوب السودان.
وقال جورج بركوفيتش خبير منع الانتشار النووي في مؤسسة كارنيجي في واشنطن إن عمل كيري جدير بالإعجاب لكنه بحاجة لتضييق بؤرة اهتماماته والاعتماد على الآخرين بدرجة أكبر. وأضاف "لا تملك سوى الإعجاب باستعداده للمخاطرة بمكانته وسمعته والتعامل مع أصعب التحديات.. عند مرحلة ما يتعين على المرء أن يحدد أولويات استراتيجية ويدرك أن حل المشاكل الكبرى يتطلب حملات متواصلة حقيقية وحشد قطاعات من الحكومة. لا يمكنك أن تعتلي طائرة وتفعل هذا بنفسك".
ويقول الخبراء إن مواصلة السعي وراء محادثات سلام الشرق الأوسط غير المثمرة قد تقوض مصداقية كيري في أجزاء أخرى من العالم بل وقد تلحق ضررا بالغا بوضعه كوزير للخارجية.
وقال آرون ديفيد ميلر مفاوض السلام الأميركي السابق والذي يعمل الآن بمركز ويلسون في واشنطن إن هناك خطرا آخر يتمثل في احتمال أن يصبح كيري محط استغلال بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين. وأضاف أن الجانبين لا يبديان استعدادا لتقديم التنازلات الصعبة المطلوبة للتوصل لتسوية نهائية لكنهما سعيدان بتطويل أمد المحادثات كل لأسبابه الخاصة.. فهذا يجنب إسرائيل الإدانة الدولية ويحفظ للفلسطينيين درجة من الدعم الأميركي.
وقال ميلر "في الواقع إن لم يكن هناك انجذاب حقيقي لجوهر الموضوع فسيصبح (كيري) جزءا من الأثاث السياسي بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين.. وسيأخذونه كأمر مسلم به ويبدأون في استغلال وجوده".
وقال غيث العمري المدير التنفيذي لفريق العمل الأميركي من أجل فلسطين ومقره واشنطن إن فشل المحادثات لم يكن نتيجة زلات من جانب كيري بل نتيجة القوى السياسية المحركة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين والتي تجعل تقديم تنازلات تاريخية أمرا صعبا.
كما أن القوتين الإقليميتين السعودية ومصر منشغلتان بصراع الأولى مع إيران والثانية مع الإخوان المسلمين على نحو يقلل ترجيح أن تقدما غطاء سياسيا للفلسطينيين.
وتابع قائلا "أعتقد أن الأمر ليس فشلا للمفاوضات بقدر ما يتعلق بحلول لحظة اتخاذ القرار.. الزعماء ليسوا مستعدين وأجواؤهم السياسية ليست جاهزة".
وقلل العمري من شأن المخاوف من تجدد العنف قائلا إن هناك اختلافات عدة بين الوضع الحالي وما كان عليه لدى انهيار المحادثات عام 2000.
ومن هذه الاختلافات معارضة الرئيس عباس المعلنة للجوء للعنف كوسيلة لإبراز القضية الفلسطينية كما أن الولايات المتحدة لم تلق باللوم حتى الآن على جانب دون غيره فيما يتعلق بتعثر العملية.
وعلى النقيض من هذا لم يخف الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2000 رأيه في أن الجانب الفلسطيني هو الأكثر تعنتا. وقال العمري "كلينتون لم يفتح طريق خروج أمام أحد.. لم يترك أي مخارج". وأعرب عن اعتقاده بأن العودة للمحادثات ممكنة. وتابع إن المحادثات "لم تمت بعد ولذا لا أستبعد إمكانية إحياء المفاوضات بشكل أو آخر.. وإن كانت التحديات القديمة ستظل قائمة: التحديات الإقليمية والسياسية".
من جانبه غادر كيري واشنطن مساء الثلاثاء في زيارة أفريقية تستغرق أسبوعا. وقال أحد مساعديه إنه يبدي "صبرا استراتيجيا" عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط وإنه "هادئ جدا ومتفائل إزاء الأمر برمته".

تبادل للاتهامات
واستغل مبعوثون إسرائيليون وفلسطينيون اجتماعا لمجلس الأمن بشأن الشرق الأوسط الثلاثاء ليلقي بعضهم على بعض اللوم علانية في أحدث انهيار للمفاوضات.
وقال روبرت سري المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط لمجلس الأمن انه يجب على الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين "إقناع بعضهم من جديد بأنهم شركاء من أجل السلام".
وعبر سفير اسرائيل لدى الأمم المتحدة رون بروسور والمراقب الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور كلاهما عن الالتزام بالسلام ولكنهما اتهما بعضهما بعضا بتقويض أحدث محاولة للتوصل إلى اتفاق في المفاوضات التي جرت بوساطة أميركية.
وقال منصور للمجلس "استمرت إسرائيل في موقفها الرافض ودأبت على انتهاكاتها الخطيرة لتعيد التأكيد دائما على دورها كقوة احتلال واضطهاد لا كصانع سلام. ومرة أخرى أحبطت إسرائيل جهود السلام".
وألقى مبعوث إسرائيل اللوم في إيقاف مفاوضات السلام على الفلسطينيين.
وقال بروسور للمجلس "الفلسطينيون يتعهدون بالحوار وفي الوقت ذاته يبثون الكراهية. وهم يعدون بالتسامح لكنهم يحتفلون بالإرهابيين وهم يقطعون التعهدات ولا يلبثون أن ينكصوا عنها" حسب تعبيره.
وقالت السفيرة الأميركية سامنثا باور لمجلس الأمن ان واشنطن ستستمر في مساندة المفاوضات بين الجانبين. وقالت باور "من الواضح اننا وصلنا إلى لحظة صعبة لكننا ما زلنا نؤمن بأن الحل الحقيقي الوحيد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو دولتان يعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن. وإذا كان الطرفان مستعدين للسير في الطريق هذا الطريق فإننا سنكون مستعدين لمساندتهما".
وقال منصور "لقد اجتمع سوء نوايا إسرائيل في المفاوضات بما في ذلك نكوصها باتفاق الإفراج عن السجناء وأفعالها المخالفة للقانون على الأرض ولا سيما توسيع أنشطتها الاستيطانية وزيادة الاعتداءات في القدس الشرقية المحتلة لتقوض بشدة عملية السلام". وأوضح بروسور ان إسرائيل لن تتزحزح عن رفضها الحوار مع حماس. وقال مشيرا إلى سفاح اشتهر في سلسلة من أفلام هوليوود "من يتساءل لماذا لا تتفاوض إسرائيل مع حماس قد يتساءل أيضا لماذا لا يحضر أحد حفلات العشاء التي يقيمها هانيبال ليكتر".
وقال سري إنه يجب على الطرفين تقديم تنازلات. واضاف "إذا كانت إسرائيل جادة في حل الدولتين فيحب عليها الاعتراف بالآثار السلبية لاستمرار النشاط الاستياطي غير الشرعي. ويجب على الفلسطينيين أن يدرسوا مليا أفعالهم في الساحة الدولية".


بينيت يطرح خطة بديلة للمفاوضات
وطرح وزير الاقتصاد الاسرائيلي نفتالي بينيت زعيم حزب "البيت اليهودي" خطته البديلة للمفاوضات والتي جاءت تحت عنوان "كيفية التعايش مع الصراع"، كاشفا عن طبيعة موقفه المعارض لاقامة دولة فلسطينية.
وجاء عرض بينيت في الكلمة التي قدمها أمس الأول في جامعة تل أبيب وفقا لما تحدثت عنه مصادر عبرية أمس، حيث أكد ان المفاوضات انتهت الى النتيجة التي سبق وعبرت عنها، وقد علمنا أيضا من هذه المفاوضات كيفية التعايش مع الصراع، داعيا حكومة اسرائيل لتبني خطته في المرحلة القادمة والقائمة على العناصر الأساسية التالية:
- تعزيز وتطوير سلطة الحكم الذاتي في التجمعات السكانية الفلسطينية.
- ترك الفلسطينيين يديرون شؤونهم الداخلية دون تدخل اسرائيل في ذلك، خاصة في ظل بقاء التنسيق الأمني مع أجهزة سلطة الحكم الذاتي.
- تعزيز الوضع الاقتصادي وتطوير الأوضاع في مناطق الحكم الذاتي وخلق حياة جيدة للسكان، واعطائهم حرية الحركة والتنقل خاصة ان هذه المرحلة سوتستمر لفترة زمنية طويلة.
- ضم كافة المناطق التي تسيطر عليها اسرائيل في الضفة الغربية الى دولة اسرائيل وتطبيق القانون الاسرائيلي الكامل عليها والحديث لا يدور فقط عن التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية بل عن المناطق المصنفة "C".