بضعة رجال كانوا يستعدون لأداء صلاة الفجر في خربة الطويل جنوبي مدينة نابلس، يأملون أن يؤدوها جماعة، قبل أن تحل لعنة الاحتلال على المكان، فجنود "شعث غبر" يسابقون الناس لمنعهم من كل شيء حتى الصلاة، وأهالي يتوقعون غزوة للمحتل على المكان في أي وقت، فالمشهد بالنسبة لساكني الخربة بات مألوفا، وقدوم المحتل فجأة بات قدرا شبه يومي.

وصلت آليات الاحتلال، ووقفت أمام غرفتين صغيرتين يطلق عليهما أهالي خربة الطويل اسم "جامع" شيده السكان عام 2006، ومن بين تلك الآليات جرافة ما أقبح لونها، زأر محركها ورفعت أنيابها عاليا، وما هي إلا لحظات حتى شرعت في نهش جدران المسجد وجعلته أثرا بعد عين، بينما الناس من حول الجرافة اللعينة لا يملكون من القوة إلا لسانا يدعو إلى الله أن ينقذ مسجدا، ويحل باللعنة على محتل يلاحق مزارعا في أرضه، ويطرد طفلا من بيته، ويهاجم شيخا في مسجده.

في خربة الطويل المهددة دائما بالهدم، تفننت سلطات الاحتلال أمس بارتكاب جرائمها بحق جدران آوت أطفالا فهدمت ثلاثة منازل، وانتقمت من حظائر لا تعيش فيها الا البهائم بحجة البناء من دون ترخيص، وكأن المواشي باتت بحاجة إلى رخصة لكي تتمكن من العيش في ظل احتلال اعتاد على مصادرة أرض فلسطينية الهوية والتاريخ بحجة معتادة "البناء من دون ترخيص".

المشهد في خربة الطويل كان مأساويا، وثلاثية الحزن اجتمعت بهدم مسجد وثلاثة منازل وحظائر أغنام.

وقف الناس مذهولين أمام جريمة جديدة، وراحوا يتفقدون ما خلفه الاحتلال من دمار في مبان لم يسمح الغزاة لساكنيها سوى بإخراج جزء قليل من محتوياتها.

غسان دغلس مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة يؤكد أن خربة الطويل دائما مستهدفة من قبل الاحتلال، وما ان يشيد المواطنون منزلا حتى يأتي الاحتلال لهدمه من جديد، فالهدم دائما تشريد المواطن الفلسطيني من أرضه.

وأوضح دغلس ان جرافات الاحتلال هدمت ثلاثة منازل في خربة الطويل ومسجد القرية بعد أن داهمت المنطقة فجرا وأعلنتها منطقة عسكرية مغلقة.

ونوه دغلس إلى أن كافة عمليات الهدم التي يقوم بها الاحتلال تكون دائما بحجة البناء من دون ترخيص، متسائلا: "وهل الفلسطيني بحاجة إلى ترخيص من الاحتلال للبناء في أرضه؟".

المواطنون أسامة أنس وأنور صدقي وشقيقه محمد فقدوا منازل تؤويهم مع عائلاتهم، لكنهم يملكون إصرارا على إعادة البناء من جديد فلسان حالهم ينطق بعبارة معهودة "من هالمراح ما في رواح".

وقال الناشط في مواجهات الاستيطان حمزة ديرية ان الاحتلال يترصد دائما بخربة الطويلة. وأوضح في تصريح ان الاحتلال لم يكتف بهدم المسجد البالغة مساحته 80 مترا، بل هدم أيضا بئرا للمياه بجانبه.

وخربة الطويل تسكنها عشرات العائلات معظمها من البدو الذين يبحثون عن مراع لمواشيهم، بالإضافة لسكان آخرين من قرى جنوب مدينة نابلس يعيشون من مهنتي تربية المواشي والزراعة.

ويؤكد سكان الخربة أن الاحتلال يريد أن يحول المنطقة إلى معسكرات تدريب لجيشه الذي دائما ما يغزو المكان ويجري مناوراته العسكرية هناك، بينما في المكان ذاته تتوسع المستوطنات وكلها على حساب أراضي المواطنين.

ويخشى السكان أن تعود قوات الاحتلال مجددا لهدم ما تبقى من خربة كانت على مدار سنوات نقطة استهداف دائمة.

ووصف محافظ نابلس اللواء جبرين البكري ما جرى في خربة الطويل أنه عمل بربري واستفزازي لا مبرر له على الاطلاق.

وقال البكري "من داهمت قوات الاحتلال وهدمت أراضيهم هم مواطنون مقيمون على هذه الأرض منذ آلاف السنين وكان أولى بها ان تلاحق قطعان المستوطنين الذين يعيثون فسادا في الأرض وينهبون اراضي المواطنين ويستولون عليها بالقوة تحت مرأى ومسمع قوات الجيش دون ان تحرك ساكنا".

ودعا مختلف القوى وفصائل العمل الوطني والفعاليات المجتمعية الى التنديد بهذا العمل البربري الاجرامي الذي اقدمت عليه قوات الاحتلال في خربة الطويل، مشيدا بصمود أهالي الخربة الذين قاوموا ببسالة قل نظيرها همجية الاحتلال وحملاته القمعية المتعاقبة عليهم من أجل ارهابهم وتهجيرهم بالقوة، مهيبا بكل أبناء شعبنا تقديم كافة اشكال الدعم والمساندة المعنوية والمادية لأهالي الخربة وبما يعزز من صمودهم على ارضهم، ويؤكد ان شعبنا متلاحم متماسك متضامن في مواجهة الاحتلال وسياساته الاجلائية.

كما توجه محافظ نابلس الى كافة المؤسسات الدولية والانسانية مطالبا اياها بالخروج عن صمتها واعلان شجبها وتنديدها بهذا العمل العدواني الخطير الذي قامت به قوات الاحتلال وآلياتها باعتباره خرقا فاضحا لمبادئ حقوق الانسان وللقانون الدولي الانساني، مطالبا المجتمع الدولي بالتحرك لحماية شعبنا والزام حكومة اليمين الاسرائيلي باحترام الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي.