ثرثرة جبريل،التي أداها، أمام لفيف متواضع من الناس، في صالة دمشقية؛ تستحق الرثاء فعلاً. ليس ذلكبسبب ما ظهر على وجوه معظم الحاضرين، من الفتور والتأمل وكتم الضحكات أو الاستغراب،وبخاصة كلما كان هذا الجبريل يشدّ على نفسه؛ وإنما لكون الحديث مشى على قدم واحدة فاختلتوازنه، وبدا فاقداً حتى لبلاغة التواقح!
فمن جهة،يحسب الرجل علينا السنوات منذ بدء عملية التسوية ثم يتساءل: ماذا أنجزوا وماذا أعطاهمالمحتلون؟ لقد تجاهل أننا لم نتفاءل أصلاً، بأن التسوية ستتوالى فصولاً، منذ أن وصلالذين يعارضونها بزعامة نتنياهو، الى سدة الحكم، في أيار (مايو) 1996، أي بعد أقل منثلاث سنوات من بدء العملية السلمية. لكن جبريل في ثرثرته، لا يحسب السنوات الطويلةالطويلة، التي مرت على معسكر الطنين لكي يسأل نفسه: ماذا أنجز الممانعون الهادرون،على امتداد المسافة الزمنية، منذ وقف إطلاق النار على الجبهة السورية، في أيار (مايو)1974؟! وماذا قدموا لقضيتنا ومقاومتنا، سوى المجازر في لبنان، مع الفتن والخوازيق،والتمسك بعدم الاعتراف بدولة فلسطين التي نتوخاها؟!
جبريل وهويحسب، بدأ يعد علينا السنوات، منذ العام 1982 التي لم تكن فيها أية عملية للتسوية.ومع ذلك ينقص زمننا عن زمنه وزمن أسياده عشر سنوات، مع فارق أن جماعته مدججون بالسلاحالذي ينفلت الآن على الشعب في مدن البلاد وقراها وريفها، بينما نحن لا نملك إلا ماخرجنا به من حصاراتنا، التي شارك فيها الجبريليون مع الأسديين مع الصهيونيين!
كأن هذا الأرزقيالمرتهن لمن يعلفه، أراد من خلال إرجاع زمن التسوية الى العام 1982 تبرير أوساخ دوره،المساند لمهاجمي مخيماتنا في لبنان، ليجعله في سياق ملفق، قوامه المقاومة العنيدة لـ«بيع» فلسطين!
وكيف يبيعفلسطين، من لا يستحوذ عليها؟ ولماذا لا يُعد البائع الحقيقي، هو الذي يمتلك السلاحويهاجم المقاومة والمخيمات، ويغتال المناضلين، ويستنكف عن إطلاق النار على المحتلين،ويمنع الزعيم المحاصر ياسر عرفات، من الإطلالة عبر شاشة، على قمة تنعقد تحت سيطرتهفي ذاك الزمن اللبناني الأغبر؟!
كان طبيعياًأن يرى جبريل جماهير سوريا التي انفجرت بعد أربعين عاماً من الاستبداد والتصحر السياسيوالفساد، جموعاً من السذج الذين استغلهم المستعمر لتنفيذ «المؤامرة». الأرزقيون والمخبرون،كما الشبيّحة، يرونها مؤامرة تستقوي بالأجنبي، حتى ولو كان واضحاً أن هذا الأجنبي يعارضالتدخل لوقف ذبح السوريين بالجملة، وأن أطرافاً أجنبية أخرى تنحاز لمن يقتلون الناس.لقد فاتت جبريل الإشارة بأن الأجنبي نوعان: حميد وخبيث. الأول هو من يساعد على قتلالسوريين، بينما الثاني هو صاحب «المؤامرة» حتى وإن كان يكتفي من إغاثة السوريين، بمواساتهملفظياً، والتفرج على موتهم وفجيعتهم!
أية وقاحةهذه، التي جعلت هؤلاء الشبيحة أشد إصراراً على إنكار دم البشر، وإنكار وجود الجماهيرالمظلومة الغاضبة، التي تدفع حتى ثمن جنائزها بالدم الأحمر القاني في شرايين المشيعين؟أي اغتراب لهؤلاء عن الناس وأي جفاء للحقائق؟! ومن أين جاؤوا بكل هذه الصفاقة التيتدفعهم الى تخوين الأبرياء الغاضبين، المطالبين بأبسط حقوقهم الإنسانية؟!
جميل أن يذمناهؤلاء. فلو امتدحونا بعد أن أشبعوا ثورات الشعوب ذماً، سنكون على خطأ. وإن اعترفوابنا وأنكروا دم الناس، نكون آثمين دون أن ندري، لذا ينبغي أن يقابل هجاؤهم بالترحاب،لأنه البرهان على سلامة المسعى وعلى صدق الوطنية. أبو عمار الذي أشبعوه ذماً وتخويناً،قضى شهيداً بطلاً، بينما هم الآن، مذعورون مأزومون، أو مخدرون كفئران الخمارات، يرمقونمن حولهم بعيون أشبه بعيونها، كلما أحست بالخطر!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها