تمركز اقل

(هآرتس – افتتاحية :24/2)

        عندما فتح الاقتصاد الاسرائيلي امام منافسة الاستيراد قبل عشرين سنة كان يخيل أن هذا يكفي لتحويله الى اقتصاد تنافسي اكثر، متطور، ودفع الاسعار للجمهور نحو الهبوط. الانفتاح أمام الاستيراد (الذي لم يكن كاملا) أثر بالفعل، ولكنه لم يكن كافيا. فالاقتصاد لا يزال يعاني من مستوى منخفض في المنافسة، وفيه أكثر مما ينبغي من الاحتكارات، ومستوى التمركز فيه عالٍ جدا. في مسألة مستوى التمركز عالجت في السنتين والنصف الاخيرتين لجنة شني، التي رفعت أول أمس استنتاجاتها. أهمها: تقليص القوة والسيطرة لعدد ضيق من العائلات المسيطرة على أجزاء واسعة من الاقتصاد. هذه العائلات تسيطر على عدد كبير من الشركات والفروع من خلال مبنى تجاري من الهرمية، يسمح لاصحاب المال بالسيطرة على شركات عديدة من خلال مال قليل. ذات صاحب المال يحوز في حالات عديدة شركات واقعية، تنتج منتجات أو تقدم خدمات، ولكن ايضا على شركات مالية، تدير الاموال، كالبنوك، شركات التأمين ودور الاستثمار.

هذا الوضع يخلق قوة سوق هائلة لصاحب الهرم، لا تتيح المنافسة من جانب هيئات اصغر. القوة الاقتصادية من شأنها ان تترجم ايضا الى قوة سياسية؛ بمعنى، التأثير المرفوض على النواب والوزراء. الاهرامات الكبرى، التي تمول بقروض هائلة، تخلق أيضا خطرا على استقرار الاقتصاد. لمعالجة شرور هذه الامراض توصي لجنة التمركز (لجنة شني) بتقليص الارتفاع الاقصى للاهرامات التجارية وحظر الملكية المشتركة لشركات واقعية ضخمة وشركات مالية كبيرة. تنفيذ التوصيات سيجبر الشركات الكبرى في الاقتصاد على تسوية الاهرامات وبيع جزء من اعمالها التجارية لمستثمرين آخرين. هذان الاجراءان اللذان سيستغرقان بضع سنوات، سيحققان اقتصادا تنافسيا أكثر، يجتذب قدرا أكبر من المستثمرين، مما سيؤدي الى نمو أسرع وتخفيض للاسعار للجمهور. ولكن توصيات لجنة التمركز هي فقط بداية الطريق. فهي تحتاج الى اقرار الحكومة وبعد ذلك الى عملية تشريع طويلة في الكنيست. ينبغي الامل في أن يتغلب النواب على الضغوط التي ستمارس عليهم وان يعملوا على تطبيق التوصيات في صالح الجمهور الغفير، المنافسة، النمو وتخفيض الاسعار.

 

المذبحة تستمر حتى آخر مواطن

(هآرتس - آفي يسسخروف:24/2)

        (المضمون: الاسد، العالم بضعف الغرب في ضوء وقوف روسيا والصين الى جانبه، يستهتر بالدول العربية وبالاسرة الدولية. وهو يفهم بان هذه حرب بقائه، لا اقل).

في منتصف الاسبوع قتل في بابا عمرو – حي في مدينة حمص أصبح رمزا لموقف المعارضة في سوريا ضد النظام – الصحفية الامريكية ماري كولفين والمصور الصحفي الفرنسي رامي اوشليك. وفقدت وسائل الاعلام العالمية مع فقدانهما موردا هاما من المعلومات عن الحي، هو نشيط المعارضة رامي السيد.

على مدى أسابيع طويلة نجح السيد في ان يوفر لوسائل الاعلام في العالم أفلام فيديو قصيرة صورها في قلب الحي، تحت القصف والنار الكثيفة التي صبتها عليه مواقع الجيش السوري. وحسب مقربيه، فبكلماته الاخيرة وصف السيد ما يجري في الحي كاعدام جماعي.

من الصعب وقف ما يجري في سوريا بكلمات اخرى. صحيح أن احيانا تترافق مع هذه المذبحة معارك شديدة مع قوات المعارضة، ولكن لمروجي الرئيس السوري بشار الاسد، في موسكو وبيجين، بات يوجد أكثر من 7.500 سبب وجيه ليفهموا حجم الفظاعة التي تجري في الدولة، في ما هم يواصلون مساعدة الحكم.

في الصين وفي روسيا قد لا يرون في مقتل 7.500 سوري مشكلة جوهرية. ومع ذلك، فان دكتاتورا مجنونا، حاكما طاغية، ممثلا لطائفة أقلية، يفرض نفسه بالقوة على أبناء شعبه ويقتل الالاف منهم بينما القوتان العظميان تسكتان. وهو لا يتردد في استخدام الوسائل: قصف مدفعي على الاحياء والقرى، اعدام في ظلمة الليل، نار عديمة التمييز على المتظاهرين، اعتقال الالاف، الاغتصاب، التعذيب. ولا يزال الجمهور السوري في حمص، ادلب، درعا وفي الايام الاخيرة في دمشق وحلب أيضا يرفض الاستسلام. المظاهرات لا تختفي وعدد الفارين من جيش الاسد آخذ في الازدياد. أول أمس فقط فر عميد آخر من الجيش السوري ومعه نحو 200 من جنوده.

 الرئيس السوري وان كان ينجح في البقاء وحكمه لا يزال يمسك باللجام، ولكن مستقبل بشار حسم قبل اشهر عديدة، حين بدأ حملة القتل الجماعي. بهذا المفهوم، انتهاء حكم الاسد هو مسألة وقت. احد لا يمكنه ان يقرر متى سيسقط واذا كان هذا سيستغرق أسابيع أو اشهر، ولكن الرئيس لم يعد بوسعه ان يعيد العجلة الى الوراء.

الاف العائلات التي قتل ابناؤها وبناتها بنار جنود الجيش النظام لن ينسوا هذه الافعال ولن يغفروا لها. حتى لو خفض الاحتجاج مستوى اللهيب في الاسابيع القريبة (ولا يبدو أنه يعتزم عمل ذلك)، فانه سيعود ليندلع في المستقبل.

في هذه الاثناء، يواصل العالم الشجب الحازم لافعال النظام، ولكن لا يوجد للتصريحات الحادة غطاء على الارض. اليوم يفترض أن يفتتح في تونس مؤتمر "اصدقاء سوريا" والذي سيبحث في مستقبل الدولة.

قد تتخذ هناك القرارات المتعلق بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل للشعب. اما عمليا، فانه حتى قرار من هذا القبيل (الذي يوجد له معارضون أيضا) لن يوقف الاسد. صحيح أن العقوبات تثقل على الاقتصاد السوري، ولكن المواطنين هم الذين يدفعون الثمن في هذه الاثناء اكثر من النظام الذي يتمتع بمساعدة مالية ملاصقة من ايران.

الولايات المتحدة تواصل التلعثم بالنسبة لامكانية المساعدة في تسليح المعارضة والاسد يواصل حملة القتل خاصته. الاسرة الدولية، التي سارعت الى حماية معارضي معمر القذافي في ليبيا تمتنع عن اتخاذ خطوات حقيقية، غير العقوبات الاقتصادية، عند الحديث عن السبل لوقف القتل في سوريا.

الاسد، العالم بضعف الغرب في ضوء وقوف روسيا والصين الى جانبه، يستهتر بالدول العربية وبالاسرة الدولية. وهو يفهم بان هذه حرب بقائه، لا اقل.

قصف حمص ولا سيما بابا عمرو يستمر هذا الاسبوع، وبقوة اشد. ويوم الثلاثاء بلغت المعارضة عن 107 شخص قتلوا في الدولة، نصفهم على الاقل في حمص، معظمهم في بابا عمرو.

الجيش السوري اضاف هذا الاسبوع مدينة ادلب الى بنك اهدافه وقتل العشرات من سكانها في قصف لمراكز المعارضة. نقطة النور الوحيدة من ناحية معارضي النظام، هي المظاهرات الكبرى الاولى التي كانت هذا الاسبوع في دمشق وفي حلب. في الـ 11 شهرا الاخيرة نجح الاسد في ابقاء المدينتين الكبريين في الدولة خارج صورة الاحتجاج. اما الان فقد انتهى هذا النجاح.

 

المعركة على جبل الهيكل

(يديعوت- أمير شوئين:24/2)

        (المضمون: تقوم الأوقاف الاسلامية داخل باحة المسجد الاقصى بأعمال حفر ورصف وتبليط وتضر بذلك بآثار قديمة يزعم مختصو الآثار الاسرائيليون أنها ترجع الى عصر الهيكل الاول والثاني).

صعب على عيرا باسترناك ان يصدق ما ترى عيناه. فقد رُفعت الكف الضخمة للجرافة الكبيرة التي عملت في باحة جبل الهيكل الى أعلى ثم سقطت الى أسفل بقوة وحطمت البلاط القديم. وأبعد صاحب الجرافة ذو الشارب أكوام التراب الكبيرة التي نُبشت الى الجوانب. وكان يمكن حتى للعين غير المختصة ان تلاحظ الخزف الذي يُدحرج في كل اتجاه وآثار التاريخ اليهودي والمسيحي والاسلامي التي لا تُقدر قيمة كل واحد منها بالذهب.

قبل ذلك ببضع ساعات، في يوم شديد الحر في تموز 2007، أُرسل باسترناك الشاب الى جبل الهيكل بسبب عمله مراقبا من قبل سلطة الآثار ليراقب هناك واحدا من اعمال الحفر في تاريخ الجبل الذي كان موقعا للهيكلين. وفي واقع الامر ولمدة اربعين سنة منذ كانت حرب الايام الستة حتى ذلك الصباح الحار، لم يجرِ في ذلك المكان حفر أثري بسبب حساسية المنطقة التي قد يُشعل العمل فيها حريقا سياسيا (في الداخل والخارج) – كما حدث مثلا في قضية "نفق حائط المبكى" في سنة 1996. لكن حينما وصل باسترناك الى المكان تبين له انه برغم الأهمية العلمية العظيمة للحفر وُجد هناك وحده تقريبا، فلم يوجد حتى عالم آثار كبير واحد على نحو متواصل في الموقع، وأدار رجال الأوقاف الحفر وحدهم مدة أكثر من يوم – مع تلك الجرافة التي رفعت مرة بعد اخرى كف الحفر الكبيرة تلك التي خبطت البلاط وأزالت أكواما من التراب الى الجوانب.

كي نفهم الحساسية العلمية الكبيرة للعمل في موقع مشحون جدا، ينبغي ان نعلم ان ارتفاع التراب في المكان يبلغ بضع عشرات من السنتيمترات فوق الطبقة الصخرية. وتلك الصخرة تتطلع الى أعلى قرب المكان وتعتبر "حجر الشرب": فهي المكان الذي بدأ منه بحسب الاعتقاد اليهودي خلق العالم ووضع فيه تابوت العهد.

ولهذا، وبحسب توجيهات صريحة من سلطة الآثار صدرت بصورة خاصة قُبيل ذلك الحفر، يتم كل حفر يفترض ان يتم في هذا المكان الى عمق 60 سم فقط، لا بواسطة آلة وباشراف أثري ملاصق من سلطة الآثار.

بيد ان تقارير المراقبة التي كتبها باسترناك ورفاقه ووثائق اخرى - يُكشف عنها النقاب هنا لأول مرة – تُبين مع عدم وجود رقابة مختصة ملاصقة، نُفذ العمل بصورة مختلفة تماما: فقد تم حفر القناة كلها تقريبا بالجرافة، واستمر الحفر ايضا في ساعات الليل في ضوء مصباح صغير، وبرغم التوجيهات الواضحة بلغ الى عمق يزيد على متر. أما أكوام التراب التي أُخرجت – والحديث هنا عن تراب يشتمل كما يبدو على آثار عظيمة القيمة من الهيكلين – فقد طرحها رجال الأوقاف في مزبلة مرتجلة شرقي الجبل.

بعد ذلك زعمت سلطة الآثار انه لم يتم الكشف بهذا الحفر الوحشي عن بقايا أثرية. ومع ذلك ورد في تقارير اخرى لسلطة الآثار انه وُجد في التراب الذي أُزيل: "حجر بناء مستطيل بقي في القناة"، و"قرميد وعدد من شظايا إناء خزفي". ووصل عالم الآثار ساحي تسفايغ الى الجبل غداة يوم الحفر حينما كانت القناة ما تزال مفتوحة ووجد فيها: "خزفا وشظايا زجاج وشظايا فسيفساء". ووجد الى جانب هذه الموجودات شيئا آخر هو لوح رصف قديم من حجر البتومان كان مستعملا بطريقة الرصف التي رُصفت عليها باحة جبل الهيكل في عهد الهيكل الثاني. ووجد اللوح الذي ربما داس عليه كاهن كبير قبل ألفي سنة مطروحا جانبا.

لكن هذا العمل المشاع لم ينته بذلك: ففي آب من نفس العام أُجري حفر آخر على يد الأوقاف ايضا وبالمساعدة السخية من صاحب الجرافة من اجل وضع كابل كهربائي للمسجد الاقصى. وتُبين تقارير مختلفة وصلت إلينا أنه تضرر في ذلك الحفر الصخرة الأم نفسها. وفي هذه المرة ايضا زعمت سلطة الآثار في حلقات مختلفة منها كنيست اسرائيل ايضا أنه لم يقع ضرر. ومرة اخرى وبخلاف تقاريرها التي قضت بأن الحفر أضر بالطبقات الأثرية التي وجد فيها ايضا تراب تيراروسا – وهو تراب بني نادر يميز عصر الهيكل الاول ومملوء بموجودات أثرية لا تُقدر قيمتها بثمن.

يُبين الدكتور في علم الآثار، غابي باركائي، الفائز بجائزة القدس لعلم الآثار، وهو مختص ذو صيت عالمي، بأعمال الحفر لعصري الهيكل الاول والثاني قائلا: "ان جبل الهيكل مكان لم يجرِ فيه قط حفر أثري منظم. ولم يُنشر عن قطعة خزف واحدة من جبل الهيكل. هذا ثقب أسود في معلوماتنا الأثرية. في جبل الهيكل تكاد تبلغ الصخرة الطبقة العليا تحت قبة الصخرة. والصخرة مكشوفة بحيث ان اللحم الموجود بالنسبة إلينا نحن علماء الآثار هو احيانا 30 سم. هذا ما يوجد لنا. فكيف يمكن الحفر في منطقة حساسة جدا في الليل؟ وكيف يمكن الحفر بمساعدة آلات ميكانيكية؟ كل خطوة كهذه جريمة. هذا عمل بربري من الطراز الاول".

ان هذا التحقيق يكشف عن التقصير المتواصل للسلطات في حماية الكنوز الأثرية النادرة لجبل الهيكل. ان سلطة الآثار وشرطة اسرائيل وبلدية القدس والمستشار القانوني للحكومة تركوا الجبل – بحسب وثائق وصلت الينا – مُعرضا لنزوات رجال الأوقاف.

يتبين من مواد وصلت الينا ايضا أنه مع عدم وجود رقابة تمحو الأوقاف على الدوام كل ذكر للتاريخ اليهودي في جبل الهيكل. ويُبين المستشرق الدكتور مردخاي كيدار من القسم العربي في جامعة بار ايلان ذلك بقوله: "تتم هذه الاعمال في اطار عمل يسمى بالعربية "طمس المعالم"، أي القضاء على بقايا الحضارات التي سبقت الاسلام".

لماذا طُوي تقرير المراقب؟

بدأ ناس مكتب مراقب الدولة يحققون في الموضوع قبل اربع سنين وكتبوا تقريرا يتناول اعمال الحفر التي تمت في جبل الهيكل. بيد أنه قبل نحو من نصف سنة استقر رأي لجنة رقابة الدولة على طي تقرير المراقب وتغليفه بالسرية لاسباب عُرّفت بأنها "أمنية". بلغت الى هذا القسم شهادات من عناصر استخبارية قالت انه لا مانع ألبتة من نشر التقرير، بل ان مسؤولا رفيع المستوى في "الشباك" قال بعد النقاش في اللجنة: "أنا خجل، هذا يشبه تحويل أمن الدولة الى دعارة". والتي عارضت نشر التقرير على الجمهور هي واحدة من المنتقدات الرئيسات فيه وهي شرطة اسرائيل بزعم انه ستنشب اضطرابات على أثر نشره.

"لا توجد أي صلة بين عدم نشر التقرير وأمن الدولة"، قال لنا مئير دغان الذي كان رئيس الموساد في الفترة التي كتب التقرير فيها. "بحسب علمي ايضا عبر الموساد و"الشباك" عن رأييهما في أنه لا مانع من نشره، وابلغت أنا ايضا المراقب أنه لا مانع من نشره ولا سبب عند الاردنيين ايضا بحسب علمي كي لا يريدوا نشره".

تزعم شرطة اسرائيل انه ستنشب اضطرابات.

"لماذا؟ هل لأن الأوقاف قامت بأعمال؟ أنا لا أرى الامر كذلك".

ما الذي يمنع اذا في رأيك مع كل ذلك نشر التقرير؟

"يبدو ان الحديث عن تقديرات اخرى متصلة بدوافع سياسية".

من أحاديث ومقابلات أجريناها مع عشرات الاشخاص الذين شاركوا في اعداد تقرير المراقب أُثير ادعاء ان أحد الاشخاص الكبار المعنيين باخفائه هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. كان واحد ممن أُجريت اللقاءات معهم هو المحامي اسرائيل كاسبي، الذي يمثل اللجنة العامة لمنع تدمير الآثار في جبل الهيكل، وهو يناضل منذ أكثر من سنتين من اجل نشر التقرير. ومن الاعضاء في اللجنة رئيسان سابقان للمحكمة العليا هما مئير شمغار وموشيه لندوي الراحل وأ. ب يهوشع، وحاييم غوري ومريام بن بورات وكثيرون أفاضل آخرون، وهي تُعد نقيضة منظمة المخلصين لجبل الهيكل.

فيما يتعلق بمقدار مسؤولية رئيس الحكومة عن الوضع في جبل الهيكل، يقول المحامي كاسبي: "هذا كما ان نسأل ما هي مسؤولية القائد العام للشرطة عن اعمال شرطة اسرائيل. لا تمكن المبالغة في مسؤولية رئيس الحكومة عن الوضع في جبل الهيكل، فان مسؤوليته مطلقة. ونحن نعلم بالتأكيد انه لا شيء يحدث في جبل الهيكل بغير علم سابق وموافقة من ديوان رئيس الحكومة ومن يرأسه. وكل انتقاد وكل اهمال وكل اخفاق وكل اخفاء وعجز عن علاج هذا الموضوع وكل المسؤولية التاريخية لذلك موضوعة على بابه".

لماذا يعارض نتنياهو نشر التقرير حقا؟

"يعارض نتنياهو بكل قوته نشر التقرير وأرسل سكرتير الحكومة ليحضر باسمه ومن قبله مع مزاعم مبتذلة تقول ان نشر اخفاقات الشرطة سيفضي الى انتفاضة في تونس – هكذا بالضبط قال سكرتير الحكومة تسفي هاوزر في لجنة الكنيست. ولست أفهم من أين تأتي هذه المزاعم ولا سيما أنها تناقض مزاعم المسؤولين عن هذه الموضوعات. وحيال حقيقة ان جهات مختصة رفيعة المستوى تعتقد انه لا أساس لاخفاء التقرير فاننا نشارك في رأي ان أسبابا غير موضوعية تقوم في أساس الجهد لاخفائه".

ما هي هذه الاسباب في رأيك؟

"الخشية من ان يُذكروا نتنياهو بمشاركته ومسؤوليته عن الاخفاق التاريخي في نقل اسطبلات سليمان الى الأوقاف والحركة الاسلامية. فقد مكّن في ولايته الاولى من انهاء الاعمال ونقل المكان الى أيدي الأوقاف. وجعل هذا اسطبلات سليمان، وهي موقع أثري رائع بناه هورودوس، جعله مكانا لا يجوز لليهود دخوله وجعله أكبر مسجد في دولة اسرائيل".

أسقف خشبية ومولدات كهرباء

يمكن ان يجد مثالا بارزا على اهمال موجودات أثرية ذات أهمية عظيمة – حتى بعد التقرير المطوي – كل من يعرف أمر الأسقف الخشبية الموضوعة كحجر لا يقلبه أحد قرب باب الرحمة.

بدأ أمر الجدران في ثلاثينيات القرن الماضي، حينما رُمم سقف المسجد الاقصى وأُخرجت الأسقف ونُقلت الى المخازن. قبل سنتين أُخرجت الأسقف من المخازن وطُرحت في الجبل. لم يكن ذلك مهما جدا لولا بحث الدكتورة نيلي ليبشيتس التي نفذت فحصا عن التاريخ واستقر رأيها على أن بعض الأسقف يرجع الى عصر الهيكل الاول.

وكُشف كذلك فوق اثنين منهما عن نقوش الاول من العصر الروماني والثاني من العصر البيزنطي. ونبع بقاء الأسقف الخشبية المدهش من حفظها في مبنى مغلق. واخراجها الى الخارج – في رأي جميع مع أُجريت معهم المقابلات من اجل هذا التقرير الصحفي – جريمة أثرية. بيد ان هذا ليس كل شيء، فقبل سنتين اختفى السقف البيزنطي من الجبل. وفي المدة الاخيرة شوهد سائر الأسقف قرب كومة ألواح رصاصية غطت في الماضي جدران المسجد الاقصى. وفي الصيف الماضي شوهد قرب الأسقف حريق صهروا به الألواح الرصاصية. وقد وضعت الأسقف اليوم عند أسفل الدرج المؤدي الى باب الرحمة مغطاة بنايلون أسود.

لم يُجهد أحد في ديوان رئيس الحكومة وفي شرطة اسرائيل وفي سلطة الآثار نفسه حتى الآن برغم التحذيرات التي صدرت، من اجل نقلها الى مكان آمن وهكذا سُحقت قطعة اخرى من التاريخ اليهودي بشكل بطيء على جبل الهيكل.

هذه واحدة من الوقائع المزعزعة التي حدثت منذ فُرضت السرية على التقرير، لكنها ليست الوحيدة. فعلى سبيل المثال وصلت جرافة الى باحة جبل الهيكل وحركت ببساطة أكوام التراب التي أُخرجت من الحفر تحت الارض، دون رقابة وبلا رخصة بناء منظمة. وفي اثناء عمل الجرافة ظهرت مرة اخرى طبقات الرصف القديمة تلك تلوح من خلال التراب.

قال لنا المحامي اسرائيل كاسبي: "اليوم ايضا تعمل ثلاث جرافات على جبل الهيكل. ونقول في هذا ان المسدس الذي يظهر في الفصل الاول من المسرحية يجب ان يطلق النار في الفصل الثالث. طلبنا القاطع هو ان تكون الجرافات في الخارج وان يعطى كل عمل مطلوب رخصة ملائمة. ويؤسفنا ان هذا الامر لم يتم تقويمه. وما تزال مواد البناء ايضا تدخل الى جبل الهيكل بخلاف التزامات الشرطة ان تُدخل مواد البناء بحسب الحاجة فقط وبحسب قياسات وكمية محددة لعمل ما. يبدو جبل الهيكل اليوم مثل مخزن مواد بناء. ويُذكرنا هذا بأمر المسدس – فالمادة التي تدخل اليوم تُستعمل غدا في عمل غير قانوني".

الى جانب ما يبدو اخفاقات في ظاهر الامر للشرطة وسلطة الآثار لا تؤدي اللجنة الوزارية – التي عقدت جلستها الاولى في سنة 2009 فقط بعد أكثر من اربعين سنة من سيطرة اسرائيلية على الجبل – لا تؤدي عملها باعتبارها حامية ومراقبة.

قبل سنتين مثلا نُقل اليها طلب ادخال مولدي كهرباء ضخمين الى جبل الهيكل. ووافقت اللجنة على الطلب. يقول كاسبي: "تدهش احيانا ببساطة لعدم فهم ما يجري في جبل الهيكل. ولا تصدق ان هذه الامور تحدث. نحن نعمل في مصلحة أعدائنا ونطلق النار على أقدامنا، لأن مولدات الكهرباء هذه يمكن ان تزود نصف مدينة بما تحتاج من الكهرباء. فما الحاجة اليها؟ ألا يوجد تزويد دائم بالكهرباء لجبل الهيكل. لا توجد أي مصلحة لدولة اسرائيل في ان يقطع المسلمون اذا أرادوا القيام باضطرابات الكهرباء وان يتحصنوا في الجبل، في ان نُمكّنهم من فعل هذا. ومن اجل وضع مولدي الكهرباء – اللذين يبلغ حجم كل واحد منهما حجم حاوية – تمت اعمال حفر للكوابل لكن بصورة أشد حذرا هذه المرة وبغير استعمال للجرافات، لكنهم أضروا بالارض قرب المنصة التي قام عليها جبل الهيكل".

البئر الكبيرة

بعد اعلان موتي غور الدراماتي "جبل الهيكل في أيدينا"، في حرب الايام الستة، تدفق على ذلك المكان عشرات آلاف الاسرائيليين. وفي تلك الليلة سوّت الجرافات باحة الحائط الغربي وأصبح حائط المبكى منذ ذلك الحين موقع عبادة مركزيا.

على نحو ما أصبح جبل الهيكل نفسه الذي هو بحسب المصادر اليهودية أقدس مكان لليهودية مُنحى جانبا. يُفسر الدكتور باركائي هذه المفارقة بقوله: "منذ وقعت حرب الايام الستة وهم يقولون للشعب ان الحائط الغربي هو المكان المقدس. ولا يعلم الناس ألبتة ما هو الحائط، فهو يستمد قدسيته من جبل الهيكل. أصبح الحائط الغربي مقدسا عند اليهود لأنهم لم يسمحوا لهم بالدخول الى جبل الهيكل".

خلال نحو من ثلاثين سنة، الى ان فُتحت أنفاق الحائط الغربي في سنة 1996 كانت السيادة الاسرائيلية على جبل الهيكل نصف سيادة فقط: فقد استطاع مراقبو سلطة الآثار المجيء الى الجبل والتصوير والتسجيل، لكنهم لم يستطيعوا البحث عن أقدس مكان لليهودية. ومع افتتاح الأنفاق احترقت أوراق اللعب، فقد دُفع بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة آنذاك ايضا، الى ازمة سياسية بسبب الامر بافتتاحها ونشوب الاضطرابات واضطر الى الموافقة على خطوات الوقف في جبل الهيكل، من طرف واحد.

استغلت الأوقاف من جهتها الوضع جيدا ومنعت مراقبي سلطة الآثار من دخول مباني جبل الهيكل. وكان هناك مثال واضح على الاستسلام لمطالب الأوقاف في الامر الذي أبلغته الشرطة الى مراقبي سلطة الآثار وحظر عليهم ان يصوروا ما رأوا في زياراتهم المعدودة للمكان.

بدأت الأوقاف فورا تقريبا اعمالا في الجبل، فبعد شهرين من افتتاح الأنفاق تم افتتاح أكبر مسجد في اسرائيل بُني في الفضاء الكبير لاسطبلات سليمان. واليوم وعلى أثر افتتاح المسجد يُمنع اليهود من دخول الموقع.

بعد مرور سنتين افتتحت الأوقاف مسجدا آخر تحت المسجد الاقصى هذه المرة. وقد تم افتتاح المسجد في واحد من الممرات القليلة التي حُفظت كاملة من عصر الهيكل الثاني: من باب الحديد الغربي الى باحة الهيكل، التي بقيت فيها اربع قباب، اثنتان منها ذات نقوش بارزة نادرة لفنانين يهود قبل نحو من ألفي سنة. ولافتتاح هذا المسجد، بسطت الأوقاف بسطا مع إزالة كميات كبيرة من التراب من المكان ورصفته وركبت شبكة أنابيب جديدة مع ثقب الحجارة القديمة. وأخطر من ذلك ان عمال الأوقاف جصصوا النقوش البارزة النادرة، ولا يمكن اليوم تقريبا ملاحظتها.

تمت كل هذه الاعمال بلا رقابة من سلطة الآثار، ويمكن ان نُخمن فقط أي الكنوز الحضارية والتاريخية والدينية تم القضاء عليها في اثنائها. لا يستطيع مراقبو سلطة الآثار العالمون بالخراب ان يفعلوا شيئا حتى بالأضرار الظاهرة للجميع. ويقول الدكتور شموئيل باركوفيتش – مؤلف كتاب "ما أفظع هذا المكان"  عن جبل الهيكل، وهو قانوني مختص في الاماكن المقدسة – يقول: "سألت شخصا ما من سلطة الآثار لماذا لا تصعد لتنقية النقوش البارزة من الجص؟ فأجابني: اذا صعدت في السلم فليس من المؤكد ان استطيع النزول".

يصعب ان نتهم مراقبي سلطة الآثار. فقد ردت شرطة اسرائيل على رسالة طلب مساعدة على حماية الآثار في جبل الهيكل أرسلها مراقبو السلطة في تلك الفترة، ردت باستخفاف وزعمت ان مراقبي السلطة غير محتاجين الى دعوة خاصة. واذا كان يبدو وضع مراقبي سلطة الآثار صعبا فان وضع مراقبي بلدية القدس أصعب بأضعاف مضاعفة. وطوال سنين أُبعد مراقبو البلدية تماما عن جبل الهيكل، وفي سنة 2007 فقط أُذن لهم بدخوله. وطُلب الى مراقبي البلدية ايضا ان يجروا تنسيقا سابقا قبل ان يأتوا الى الجبل.

ان كل عمل في جبل الهيكل ومنه الحفر والبناء والقلع يحتاج الى موافقة من بلدية القدس. بيد انه منذ 1996 حتى اليوم بلطت الأوقاف آلاف الأمتار المربعة كي تزيد مساحة الصلاة في المساجد وكل ذلك بغير رخص. وبعد التبليط لا يمكن الحفر للكشف تحت البلاط عن مكتشفات أثرية.

في سنة 1999، بعد ثلاث سنين من اقامة المسجد في اسطبلات سليمان، خطت الأوقاف خطوة اخرى الى الأمام. فقد حفرت بئرا في باحة جبل الهيكل بحجة إحداث فتحة طواريء للمسجد. وتم العمل بجرافات وأخرجت الأوقاف من المنطقة نحوا من 250 شاحنة حملت نحوا من 12 ألف طن من التراب المشبع بموجودات أثرية. وطُرح التراب في مزبلة في العيزرية وهكذا اختلطت البقايا الأثرية ذات الأهمية العظيمة في أكوام القمامة وأُبعد جزء آخر من التراب الى وادي قدرون.

وهكذا توجد سلطة الآثار بين المطرقة والسندان في جبل الهيكل. فمن جهة يعمل في السلطة علماء آثار يفهمون جيدا أي ضرر قد يقع بالآثار. ومن جهة ثانية تعمل السلطة مع خضوع لشرطة اسرائيل التي تُبعدها عن جبل الهيكل.

لماذا من مات؟

(هآرتس - دافيد غروسمان:24/2)

 (المضمون: من القى بشعب كامل على قارعة الطريق منذ 45 سنة، يدير له ظهر المجن، وينجح في أن يبني لنفسه حياة لا بأس بها على الاطلاق، في ظل الكبت المتطور على نحو مدهش، عبقري، للمسؤولية عن الوضع، واضافة الى ذلك ايضا ينجح في تجاهل معنى التشويه والجنون اللذين خلقهما على مدى هذه السنين في منظومات حياته نفسه – فلماذا يتأثر بعمر واحد كهذا؟).

عمر ابو جريبان، من سكان قطاع غزة، ماكن غير قانوني في اسرائيل، سرق سيارة واصيب بجراح خطيرة وهو يستقلها. وسرح من مستشفى شيبا قبل أن ينتهي علاجه، ونقل الى الاعتقال في شرطة رحوفوت. في الشرطة لم ينجحوا في معرفة هويته، فقد كان مشوشا. الشرطة في شرطة رحوفوت قرروا التخلص منه. حسب ما روي في تقرير حاييم لفنسون ("بالبيجامة، حافيا، دون طعام وماء"، "هآرتس" 17/2)، أقلوه في سيارة دورية الشرطة في الليل، مع ثلاثة من الشرطة. كان مربوطا بالحقنة وبحفاضة وبرداء المستشفى. بعد يوم من ذلك عثر عليه ميتا على قارعة الطريق.

قصة قصيرة. سبق أن قرأنا كهذه، بل وأصعب منها. وماذا بالاجمال – ماكث غير قانوني من رفح. بل وسارق سيارة. وهذا حصل في العام 2008. ويوجد تقادم، وتوجد امور اخرى، اكثر حداثة، تخصنا أكثر، تحتاج الى مشاعرنا (وفضلا عن ذلك، هم الذين بدأوا، ونحن عرضنا عليهم كل شيء، وهم رفضوا، والارهاب).

منذ قرأت القصة وجدت صعوبة اكبر في تنفس الهواء هنا: والمرة تلو الاخرى افكر بالسفر في سيارة الدورية، وكأن شيئا مني بقي هناك، علق ولا يمكنه أن يخرج. ماذا كان هناك. كيف حصل هذا بالضبط؟ ما هي مواد الواقع الملموسة، العبثية، التي إذ تنضم الواحدة الى الاخرى، خطوة إثر خطوة، تصبح فظاعة كهذه.

من الصحيفة أفهم بانه كان هناك عمر وثلاثة من افراد الشرطة. ادور مرة اخرى الفيلم في رأسي: هل كان يجلس مثلهم على مقعد أم كان يستلقي على ارضية سيارة الدورية؟ هل كان مقيدا أم لا؟ وماذا؟ هل كانوا يتحدثون معه؟ هل كانوا يعطونه شيئا يشربه؟ يضحكون معه؟ يضحكون عليه؟ على الحفاضة؟ على تشوشه؟ على الحقنة؟ على امور يمكنه أن يفعلها بعد الحقنة أم لم يعد يمكنه؟ يقولون له انه يستحق؟ يركلونه هكذا، بخفة، برفق، فقط لان الوضع يحتاج الى ركلة خفيفة أم أنه مجرد يمكن ولماذا لا؟

وبشكل عام كيف حصل أن شخصا يخرج هكذا من المستشفى في شيبا؟ من سرحه في مثل هذا الوضع؟ كيف شرح هذا في شهادة التسريح التي وقع عليها؟

وماذا حصل حين وصلت سيارة الدورية الى حاجز مكابيم؟ في الصحيفة أقرا بانه كان جدال مع قائد الحاجز الاسرائيلي، وانه رفض استقبال الجريح. هل سمع عمر من داخل سيارة الدورية الجدال عنه، أم انهم اخرجوه واوقفوه امام القائد، برداء المستشفى والحقنة والحفاضة، كي يقف من أجل تقدير ما سريع، بالجملة، للقائد، والقائد قال، لا. وهيا، نعود الى سيارة الدورية، ونواصل السفر والان الجماعة في سيارة الدورية قد يكونوا أقل لطفا. إذ بات الوقت متأخرا، ويريدون العودة، وماذا حصل ان اسقط عليهم هذا العربوش، وماذا سنفعل به الان، اذا كانوا في مكابيم لا يريدونه، وبالتأكيد في عطروت لن يرغبوا فيه ايضا، ومن سيرغب فيه، وهكذا، عند السفر في طريق 45، بين معسكر عوفر ومعسكر عطروت، في الظلام، يبدأ كيفما اتفق يتبلور تفكير ما، او اقتراح، او احد ما يقول شيئا ما، واحد ما لا يجادله، او ربما نعم يجادل ولكن للاول يوجد قوة نفوذ اكبر، او حتى لا يوجد أي جدال، احد ما يقول شيئا ما واحد ما آخر يشعر بان هذا بالضبط ما ينبغي عمله، وأحد منهم يقول للسائق، قف جانبا للحظة، ليس هنا، هنا منار اكثر مما ينبغي، قف هناك. أنت، نعم أنت، تعال، قم يالله يا خلقة – انتنت لنا السيارة، خربت لنا الليلة، تحرك كما يقال لك. ماذا الى اين؟ الى هناك.

وماذا يحصل بعد ذلك؟ هل يقف عمر على قدميه أم أن قدميه لا تحملانه؟ هل هم يتركونه في قارعة الطريق أم يأخذوه، وكيف – يسحون؟ يجرون على الارض الى مسافة أكثر الى الداخل، الى داخل الحقل؟

ابقى! لا تأتي! لا تتحرك!

ويعودون الى السيارة، يسيرون بسرعة أكبر، يلقون نظرة من خلف الكتف، كي لا يطاردهم اياه. وكأن فيه شيئا معديا. ليس جرحه، شيء آخر بات ينز منه، مثل النذر، او الحكم. سافر، يالله، انتهينا.

وهو، عمر أبو جريبان، ماذا فعل عندها؟ وقف على قدميه، ام فجأة أدرك ما حصل وبدأ يركض ويصرخ أن يأخذوه معهم؟ ولعله لم يدرك شيئا إذ قلنا، مشوش، فوقف هناك فقط في جانب الطريق أو في الحقل، ورأى طريقا، وسيارة شرطة تبتعد. وماذا فعل؟ ماذا حقا فعل؟ بدأ يسير دون هدى، انطلاق من تفكير غامض لعله بعد قليل من هناك سيكون الحال افضل؟ أم جلس وحدق فاغر الفاه في محاولة لان يفهم ولم يفهم شيئا؟ ببساطة تعطل فهمه لهذا الوضع. ام استلقى وطوى نفسه وانتظر؟ ماذا؟ وبمن فكر؟ من له في العالم؟ هل ثار لدى أي من افراد الشرطة في كل تلك الليلة الطويلة سؤال اذا كان هناك شخص في العالم، رجل أو امرأة أو عائلة، عمر مهم لهم، يهمهم أمره، يمكن بذل جهد أكبر بقليل للعثور عليهم ونقله اليهم؟ بعد يومين من ذلك عثروا على جثته. لا أعرف كم من الوقت مر منذ أن القوا به في قارعة الطريق الى أن مات. من سيعرف متى فهم بان هذا هو، ان ليس في جسده ما يكفي من القوة لينقذ نفسه. وانه حتى لو تأزر بالقوة، فانه عالق في وضع ما لا مخرج منه. أن هناك تنتهي حياته القصيرة. أخوه، محمد، قال في حديث هاتفي من غزة، "ببساطة القوا به الى الكلاب". وفي الصحيفة كتب، "لشدة الفظاعة، أجاد الاخ في وصف ما حصل". وانا اقرأ وارى التشبيه يصبح حقيقيا واحاول أبعاد الصورة عن عقلي.  وفي سيارة الدورية، بعد أن القوا بعمر، ماذا حصل هنا؟ هل تبادلوا أطراف الحديث؟ عن ماذا؟ حمسوا الواحد الاخر بالكراهية والمقت له، للتبرير بأثر رجعي ما فعلوه؟ ما عرفوه في أعماق قلبهم هو أنه يوجد في تناقض ما مع شيء آخر. ربما مع القانون (ولكن مع القانون تخيلوا أنفسهم يتدبرون)، ربما في تناقض مع شيء أعمق، مع ذكرى ما في داخلهم هم أنفسهم، قبل سنوات عديدة سمعوا او قرأوا قصة اطفال كان فيها الخير خيرا والشرير شريرا؛ أم أن أحدهم تذكر انه تعلم شيئا ما ذات مرة، في الصف – فقد تعلموا هنا، في جهاز التعليم، أليس كذلك؟ - "الاسير"  لـ س. يزهار، لنقل.

أم ان ثلاثتهم أخرجوا هواتفهم النقالة وتحدثوا مع زوجاتهم، اصدقائهم، أبنائهم. ربما في مثل هذه اللحظات رغبوا في التحدث مع احد ما من الخارج، لم يكن هنا، لا صلة له بهذا الامر.

أم صمتوا.

لا، الصمت كان ربما خطيرا بعض الشيء في المرحلة اياها. ومع ذلك، احد ما بدأ يعبر في السيارة عن احساس ثقيل وعكر، احساس خطيئة مفزعة، لا كفارة عليها. لعل أحد منهم مع ذلك اقترح بلغة هزيلة، هيا نعود. لنقل له اننا ضحكنا عليه. لا يمكن هكذا، إلقاء انسان. في الصحيفة كتب: "في أعقاب تحقيق الشرطة للقضية، في اذار 2009، تقرر رفع لوائح اتهام على التسبب بالوفاة بالاهمال فقط  ضد اثنين من افراد الشرطة الذين كانوا مشاركين في القاء أبو جريبان وتركه لمصيره. مرحلة الاثباتات في محاكمتهما لم تبدأ بعد، ولكن احد المتهمين رفع منذئذ في الشرطة". أعرف انهم لا يمثلون الشرطة. ولا المجتمع، ولا الدولة. أعرف ان هذه مجرد حفنة أن تفاحة عفنة، أو أعشاب ضارة. ولكن في حينه افكر – من القى بشعب كامل على قارعة الطريق منذ 45 سنة، يدير له ظهر المجن، وينجح في أن يبني لنفسه حياة لا بأس بها على الاطلاق، في ظل الكبت المتطور على نحو مدهش، عبقري، للمسؤولية عن الوضع، واضافة الى ذلك ايضا ينجح في تجاهل معنى التشويه والجنون اللذين خلقهما على مدى هذه السنين في منظومات حياته نفسه – فلماذا يتأثر بعمر واحد كهذا؟

اذا أراد عربي من نابلس ان يكون من رعايا دولة اسرائيل فانه يجوز له ذلك

(يديعوت - نحمه دويك:24/2)

        (المضمون: بعد شهرين من انقضاء حرب الايام الستة اجتمعت حكومة اسرائيل لتباحث ثان سري جدا في مستقبل المناطق المحتلة ويتحدث مناحيم بيغن فيطيل عن المناطق المحتلة وما يُفعل بها).

كانت تلك الايام أيام تسامي الروح بعد الحرب التي ضاعفت في مدة ستة أيام مساحة الدولة ثلاثة أضعاف وغيرت صورتها. في العشرين من آب 1967 اجتمعت الحكومة لتناقش مستقبل المناطق المحتلة. وكانت تلك مناقشة ثانية لهذا الموضوع لكنها أول مرة أُعطي فيها حق الكلام لوزير بلا حقيبة وزارية هو مناحيم بيغن. وأطال بيغن في الكلام الى درجة ان وزير التربية زلمان أران وبخه في محضر الجلسة.

أجرى النقاش رئيس الحكومة ليفي اشكول في أعقاب ضغوط ثقيلة من الولايات المتحدة التي طلبت الى اسرائيل ان تعيد الضفة الغربية الى الملك حسين. بل ان الامريكيين أومأوا الى أنه اذا لم تستجب اسرائيل للطلب فسيتعاونون مع الاتحاد السوفييتي وسائر اعضاء مجلس الامن ويُجيزون قرارا مضادا لاسرائيل.

كان وزن بيغن في الحكومة أكبر كثيرا من منصبه. فقد منح دعما واسعا لحكومة الوحدة الوطنية الاولى التي سميت حكومة طواريء حينما أُنشئت في أيار 1967 في "فترة الانتظار" (كانت النصيحة الاولى التي أعطاها بيغن لاشكول هي ان يستدعي دافيد بن غوريون ويعينه رئيسا للحكومة، ورفض اشكول الاقتراح بأدب). والى جانب ممثلي ناحل، بيغن ويوسف سبير على أثر "خطبة تلعثم" اشكول، عُين موشيه ديان وزيرا للدفاع ملتفا على خصمه الأكبر يغئال ألون.

يعمل البروفيسور أريه ناؤور الذي يعتبر في الجماعة الأقرب من بيغن الذي عمل سكرتيرا لحكومته حتى 1982، يعمل في هذه الايام على كتاب شامل عن بيغن مع أرشيف الدولة. سيصدر الكتاب في السنة القادمة ويشتمل على وثائق آسرة. قبل بضعة أيام أجازت لجنة خاصة نشر الوثيقة التي تنشر هنا لاول مرة وتوثق جلسة الحكومة الخاصة.

"تشهد الوثيقة بأن بيغن عرف كيف يُغير رأيه بحسب الواقع المتغير"، يقول ناؤور. "بعد الايام الستة أُثيرت اقتراحات مختلفة لتسليم الضفة ونوع ما من أنواع الحكم الذاتي. وعارض بيغن الاقتراح بقوة الذي أيده بعد ذلك حينما أصبح رئيس الحكومة، وإن وجدت فروق بين الصيغتين".

أقلية يهودية لن تحكم

شارك في الجلسة 19 وزيرا، وبدءا من الصفحة الخمسين يظهر محضر الجلسة امورا مثيرة على وجه خاص.

بيغن: "ان دولة فلسطينية ذات سيادة في الجزء المحرر من ارض اسرائيل الغربية تعني ان الشعب الذي حارب وانتصر – ولا أريد استعمال كلمات دراماتية عن سفك الدماء – ينشيء فوق ظهره دولة معادية تنكل به وتحاربه حرب عصابات وتنضم في يوم من الايام الى المعركة الدولية المضادة لنا. لا أتذكر سابقة في التاريخ انشأ فيها شعب حارب وانتصر فوق ظهره داءا كهذا...

"فيما يتعلق بتسليم ارض من ارض اسرائيل الغربية الى حسين استطيع ان أعود وأقول ان علمي قد لا يكون كافيا، لكنني لا أتذكر انه يوجد شيء كهذا في التاريخ، وهو ان شعبا يهاجَم ويصد المهاجِم، يحرر جزءا من وطنه التاريخي بحسب كل الآراء ويسلمه بعد ذلك الى العدو...

"لهذا يُحتاج الى قرار وبسرعة كبيرة كي يعلم الامريكيون قبل كل شيء أننا لا نقبل اقتراحهم في هذا الشأن. نستطيع أن نقول إننا فعلنا من اجل الامريكيين أكثر مما فعل الامريكيون من اجلنا في الاسابيع العشرة الاخيرة وكانت المخاطرة كلها مخاطرتنا. فنحن وضعنا وجود شعبنا في كفة الميزان بغير أي شك.

"لن نوافق الامريكيين. اذا أُلقيت علينا سخافات كهذه... فليدعوا الى جلسة مجلس الامن وليُتخذ قرار. قال وزير الخارجية في احدى الجلسات انهم سيطردوننا من المناطق كلها. أعتقد أنه لا أساس لهذا التشاؤم. لا أعتقد أنه يجب علينا جميعا ان نصاب بالخوف والهلع قبل احتمال قرار الجمعية العامة للامم المتحدة.

"أنا أقترح قرارا بسيطا جدا من الحكومة: وهو ان تكون ارض اسرائيل الغربية تحت سيادتنا في الجنوب والشرق ايضا. وتوجد الآن المشكلة العرقية الكبرى وهي ماذا نفعل بالعرب الموجودين في هذه المناطق. ان من يتجاهل هذه المشكلة يجدر به ان يعترف بأنه مصاب بدوار...

"يقولون لنا ان الأعداد جدية جدا، وانه ستنشأ بعد سنين دولة ثنائية القومية وانهم سيصبحون أكثر منا مع الوقت. قال وزير الخارجية في احدى الجلسات: سيصبح الاستيطان اليهودي عاملا ذا تأثير لكن لن توجد في الحقيقة دولة يهودية. وهذا يعني أننا اذا أعملنا القضاء والقانون والادارة في المنطقة كلها فستنشأ في يوم من الايام أكثرية عربية تُفرق شرطتنا وجيشنا. وأكرر القول إننا نلقي على أنفسنا مخاوف لم تكن ولم توجد...

"يجب رفض الدولة الثنائية القومية من البداية، لكننا لم نرفض قط دولة ثنائية العرق والفرق حاسم. فالدولة الثنائية القومية تعني سلطة متقاسمة نصفا نصفا، لأنه كيف يمكن تجميد تطور شعبين؟ وكيف يمكن انشاء توازن كهذا وقتا طويلا؟ لكن أرفضنا في يوم من الايام دولة ثنائية العرق؟ هل تنبأنا ذات مرة بدولة ثنائية العرق في اسرائيل؟".

الوزير ز. شيرف: "تنبأ بيرل كتنلسون بهذا".

بيغن: "أنا مُجبر بأن أعترف بجهلي فأنا لم اقرأ مقالته تلك".

الوزير ي. غليلي: "أمل بوروخوف ان يذوب عرب البلاد فينا".

الوزير م. كارمل: "وكذلك بن غوريون في مقالته: نحن وجيراننا".

بيغن: "ان الصهيونية كما عرفتها لم تر قط الدولة على أنها أحادية العرق. ففي 1947/ 1948 كان هناك استعداد للموافقة على دولة ثنائية القومية على أساس عرقي بنسبة 55 في المائة و45 في المائة، ولم يقل أحد ان من وافق على دولة كهذه تنبأ سلفا بأن تقع حرب وبأن تتغير الخطوط بعد الحرب وأن يهرب قسم كبير من عرب حيفا واللد والرملة... لم يُقل آنذاك ستكون هذه دولة ثنائية القومية، وبعد عدد من السنين سيصبحون أكثر منا... نحن اليوم 2.300.000... يجب التسلح بالصبر...

"ليس لنا أي شيء لنمنع ان يوجد عدد كبير من العرب. نحن نريد دولة يهودية مع أقلية عربية كبيرة. فماذا يجب علينا ان نفعل اذا؟ نحن نملك أولا ان نوجد أكثرية يهودية. واذا فسدت هذه الأكثرية فسيكون وضعنا مريرا بالطبع. لسنا مثل جنوب افريقيا ولا مثل روديسيا. ان الأقلية اليهودية لن تحكم العرب.

"رأيت في مكان ما وكأنني قلت في واحدة من المباحثات إنني أقترح ما يشبه اقتراح روديسيا وهذه سخافة. فما كان ليخطر ببالي ان أقترح ما يشبه روديسيا أو جنوب افريقيا في ارض اسرائيل".

عندنا خمس سنين

"أعتقد أنه على مدى الايام سنضطر الى تعيين قاض عربي في المحكمة العليا ولا أرى سببا لعدم وجود هذا. وأعتقد ان من المرغوب فيه ان يوجد وزير عربي ايضا. أنا أتفهم صعوبة إدخال عربي ليكون عضوا في لجنة الخارجية والامن فهذا صعب جدا في الشؤون الامنية. ليكن وزير عربي لكنه لن يكون عضوا في المجلس الوزاري المصغر... فالدولة دولة يهودية والسلطة يهودية.

"ماذا يمكن ان نفعل لنوجد أكثرية يهودية الى الأبد لا لعشر سنين؟ نحن لا نحيا الآن في وقت مستعار. فأنا أعتقد انه يمكن اجراء هجرة. نحن ما نزال في مرحلة الدعوة الى الهجرة ولم نقم بعمل حتى الآن. وليس من الصحيح ان شعب الـ 11 مليونا الموجود خارج البلاد وفي روسيا ايضا قد أُغلقت في وجهه أبواب الهجرة. أنا أعتقد ان هذا تشاؤم ليس له أي أساس. وأنا أعتقد أننا نملك خمس سنوات بلا أية صعوبة".

الوزير ي. ش. شبيرا: "ألا تعلم ان الضم بحسب القانون الدولي متصل باعطاء جنسية بصورة آلية؟".

بيغن: "أنت مخطيء. قبل كل شيء أنا لا أقبل مصطلح ضم لكن سيكون في هذا جدل لغوي. وأنا أعتقد أنه لو أراد عربي ان يحيا في نابلس وان نفرض عليه حكم الدولة وقال انه يريد ان يكون من رعايا دولة اسرائيل فهذا حقه.

"لا نمنح الجنسية بصورة آلية بل بصورة انتقائية. وكان اقتراح ان نسألهم حينما يعبرون من الاردن هل سيحافظون على القانون وعلى النظام. اسأله بصورة فردية هل سيحافظ على ولاء للدولة. على كل حال لن يُطلب الينا في السنة القريبة ان نمنح الـ 600 ألف – 700 ألف من العرب كلهم الجنسية. توجد اذا خمس سنين حتى انتخابات الكنيست الثامنة. يوجد وقت...

"فيما يتعلق بالهجرة الداخلية فانها من الامور الأكثر سخونة. ان الشعب اليهودي بعد ابادة ثلث أبنائه يحق له ان يهتم بزيادته الطبيعية. أقترح ان ينشيء المؤتمر اليهودي صندوقا لتشجيع عائلات كثيرة الاولاد. وعندنا مثال وهو ان الشعب الفرنسي بدأ يقل في ثلاثينيات القرن ويوجد اليوم هناك وضع "تكاثروا تناسلوا". فالعائلة التي لها خمسة اولاد تحصل على مخصص 35 دولارا كل شهر. وهذا كثير علينا، فربما يكفي ان نعطي منحة أصغر... بعد ذلك يوجد في فرنسا عادة مستعملة وهي ان تتمتع عائلة ذات خمسة اولاد بتسهيلات في القطارات وفي الحافلات وما أشبه. اذا سرنا في هذا الطريق وأثار الامر الفخر بدل نصف العار، فسنحصل على نتائج سكانية جدية جدا في العقد القريب.

"لهذا لا أرى لماذا يجب علينا ان نخاف. ولما صرنا قد تجاوزنا التحقيق، فلماذا نهرب منه ونقول انه بعد كل ما حدث أصبح الاستنتاج ان نسلم هذا الجزء من ارض اسرائيل الى دولة عربية؟".

الوزير ز. أران: "أنا مُجبر ان أُنبه الى أنني أُجل صبر الرئيس".

رئيس الحكومة ليفي اشكول: "أنا لا أظلم ولا أُقصي أحدا، فهذا مع ذلك سؤال مصيري يجب علينا ان نسكن في خيمته".

بيغن: "أريد في الختام ان أتحدث عن مسألة أتردد في الحديث عنها لكنني أعتقد ان من واجبي ان أتحدث عن هذه الامور. "من المؤكد ان المشكلات الخارجية جدية جدا لكن يوجد شعب ايضا ولا أريد أن أتخيل عمق هبوط المعنويات الذي سيحدث في هذا الشعب لو ان حكومته هذه التي منحته الخلاص الأكبر استقر رأيها على اعادة جزء من ارض وطنه...".

رأب الصدع

"عندي هنا خط تاريخي: ان السبت حفظ اسرائيل أكثر مما حفظته اسرائيل. وعلى هذا الوزن يمكن ان نقول: ان ارض اسرائيل تسيطر على الشعب اليهودي بقدر لا يقل عن سيطرة الشعب اليهودي على ارض اسرائيل، وهذا ما أومن به ايمانا كاملا. أعتقد انه يُحتاج الى قرار عاجل جدا في رأيي، والقرار الذي أقترح على الحكومة ان تتخذه هو ان تكون ارض اسرائيل الغربية كلها في سيادتنا. وسيُبذل اهتمام عاجل فورا لحل ايجابي للمشكلة العرقية... "ان ارض اسرائيل كلها في هذه اللحظة في أيدينا، لكننا نفترض انهم لن يستطيعوا استيطان هذا الجزء. وأنا أتفهم التردد السياسي لكن هذا وضع عجيب جدا بعد كل تاريخ هذا الجيل في ارض اسرائيل. وعلى هذا فانني اؤيد اعمالا واؤيد استقرار الرأي على اعمال وأنا اؤيد القيام بأعمال. وأنا أعتقد انه يُحتاج الى قرار وانه يجب رأب الصدع كي لا يسمع حسين من امريكا: "بعد قليل سيترك اليهود الضفة الغربية من ارض اسرائيل وستعود أنت"...

"قلنا: معاهدات سلام. وما لم توجد معاهدات سلام فلن نتحرك من أية نقطة بل ولا من أي ملليمتر واحد. وقد تم تقبل هذا بصورة حسنة وساعدنا في الامم المتحدة ايضا. لكن منذ قلنا هذا حدثت تطورات. فقد عُقد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في الخرطوم وصدر عن المؤتمر قرار لا مطلقة. لا يريدون أي تفاوض مع دولة اسرائيل. واليوم قال وزير الخارجية – وقد بالغ كثيرا – انهم بعيدون حتى عن اقتراح الغاء حالة الحرب كبعدهم عن السلام... "ولهذا سنضطر في رأيي في الزمن القريب الى تغيير الاصطلاح اللغوي في تصريحاتنا وبدل ان نقول "ما لم يوجد سلام"، يجب علينا ان نقول "لما كان لا يوجد تفاوض في معاهدات سلام". حينما يغيرون رأيهم سنتباحث آنذاك".

ثمن شارة الثمن

(اسرائيل اليوم – دوري غولد:24/2)

 (المضمون: الهجمات على المساجد وعلى الكنائس ستشكل ذخيرة اضافية ضد اسرائيل، التي تكافح ضد الضغوط الدولية التي تدعوها الى الانسحاب الى خطوط  67 وتقسيم القدس).

كل بضعة أسابيع يظهر تقرير جديد يثير الغضب في أوساط الاسرائيليين عن شعارات منكرة رشت على حائط مسجد أو كنيسة. مثلا، يوم الثلاثاء الماضي رش شعار على حائط كنيسة في القدس. ليست هذه حالة شاذة، إذ أنه في 7 شباط رشت شعارات تندد بالمسيحية على حائط دير في سهل الصليب وفي حديقة الالعاب في المدرسة متعددة اللغات في حي بات. الزعران الذين رشوا الشعارات في سهل الصليب تركوا خاتما في شكل "شارة ثمن".

ظاهرة شارة الثمن نشأت في السنوات الاخيرة عن جهات أملت في الايضاح بانه اذا اتخذت الحكومة خطوات ما ضد البؤر الاستيطانية التي توجد مكانتها القانونية قيد الخلاف، فانهم سيجبون ثمنا ردا على ذلك في شكل اقتلاع اشجار، هجوم على مساجد أو اقامة حواجز عشوائية.

العدد الكبير للحالات يدل على ان الحديث يدور عن ظاهرة ترفض الاندثار. هل المنفذون ينتمون الى الموازي الديني للعدميين الذين لا يؤمنون باي مرجعية؟ مفهم "شارة ثمن" يبدو أنه اختير كي يبرر الاعمال، ولكن هذه مغسلة كلمات تغطي على نشاطات غير قانونية.

في السنة الاخيرة كانت مساعي شجب عديدة، من كل اطراف الطيف السياسي ضد نشطاء شارة الثمن. الواضح هو أنه بينما يعتقد المنفذون بانهم ينقذون الاستيطان اليهودي، فانهم عمليا يدخلونه في خطر أكبر. فالهجمات على المساجد وعلى الكنائس ستشكل ذخيرة اضافية ضد اسرائيل، التي تكافح ضد الضغوط الدولية التي تدعوها الى الانسحاب الى خطوط  67 وتقسيم القدس. هذه الاعمال تشكك بادعاء اسرائيل في أنها الوحيدة التي يمكنها أن توفر حماية وحرية عبادة للاديان الثلاثة في القدس: اليهودية، المسيحية والاسلام.

ولكن الحقيقة هي أن الحديث يدور عن أمر أكبر من مجرد المس بصلاحية حجج اسرائيل في الساحة الدبلوماسية. ولما كان يبدو أن قسما هاما من نشطاء شارة الثمن يتماثلون مع معسكر ديني معين، يربطون افعالهم بقيم يهودية. هذا بالطبع تفسير أشوه لحجارة اليهودية الاساس.

هذه الافعال تتناقض مع ذاكرة الشعب اليهودي في أن كنسه، ومقدساته ومقابره أفسدت أو هدمت على مدى الاجيال. كما أن الامر يتناقض مع الكلمات التي وردت مرتين في موعظة الاسبوع الماضي والتي تحظر على ابناء اسرائيل المس بالغير.

اسرائيل تتصرف بشكل مختلف تماما عن جيرانها. عند الجيران، أعمال الشغب في المواقع المقدسة للاديان الاخرى هي في حالات غير قليلة من عمل السلطة، مثلما فعل نشطاء فتح في قبر يوسيف عدة مرات في العقد الماضي، المتطرفون الاسلاميون الذي أحرقوا كنيسة قبطية في مصر وكذا الهجمات على المساجد في العراق والتي كانت منتشرة في المواجهات العنيفة بين السُنة والشيعة.

موقف اسرائيل في هذا الموضوع حاسم، وهو يقوم أولا وقبل كل شيء على الفكر الاخلاقي والقيمي الاكثر وضوحا. في ضوء تكرار الظاهرة، يحل واجب على المؤسسة الامنية ان تبذل جهدا أسمى آخر كي تعثر في أقرب وقت ممكن على من يمس بالاملاك وبالاماكن المقدسة للاديان المختلفة (كنس افسدت ايضا في الاونة الاخيرة)، واعتقالهم ورفع لوائح اتهام ضدهم.

 

شيلي لماذا تصمتين

(هآرتس - يوئيل ماركوس:24/2)

        (المضمون: غريب عجيب صمت رئيسة حزب العمل يحيموفيتش التي كانت كثيرة الكلام والانتقاد إذ كانت صحفية عن أخطاء الحكومة الحالية التي تجر اسرائيل الى كارثة).

برغم أننا نُصور في العالم بصورة شمشون الجبار فاننا شعب خواف. "العالم كله ضدنا"، ليست هذه أنشودة شعبية فقط بل وصفا دقيقا لحالة الشعب. "في كل جيل وجيل يهاجموننا للقضاء علينا"، ننشد في ليل عيد الفصح. وحينما يتنبأ وزير الدفاع اهود باراك بـ 500 قتيل "فقط" في الحرب بيننا وبين ايران يكتب يارون لندن في صحيفة "يديعوت احرونوت" انه يرى نفسه مستهدفا لأنه يسكن مبنى متعدد الطوابق.

عند وزراء الدفاع ميل الى النظر في التهديدات لحياة البشر من خلال منظار علم الاحصاء. أتذكر لقاءا لأسرة تحرير "هآرتس" مع موشيه ديان المتعجرف في ايام عظمته حينما كان وزيرا للدفاع. في تلك الايام كانت الصحف مملوءة بعناوين صحفية عن صواريخ سكود مع رؤوس تبلغ 500 كغم حصلت عليها سوريا من الاتحاد السوفييتي. وأجاب وقد أغضبته الاسئلة المضايقة التي سأله المشاركون إياها، أجاب ببرود الأعصاب الدياني الذي يميزه: "ان صاروخ سكود وفي الحاصل العام قنبلة غير دقيقة جدا، فاذا وجه الى هيئة القيادة العامة فسيهدم بيت يوئيل ماركوس. ولن تُحسم الحرب بهذا". ولم يضحكني هذا. وبعد عدة سنين حينما نشبت حرب يوم الغفران كان موشيه ديان هو الشخص الذي تفوه منقبض الوجه بقوله نحن على شفا خراب الهيكل الثالث.

ربما نكون الآن مرة اخرى على شفا حرب، وهي هذه المرة بمبادرة من الحكومة والقيادة اليمينية المتطرفة التي تسيطر عليها. جاء مبعوثون امريكيون من جميع الرتب العليا، من وزير الدفاع الى رئيس هيئة الاركان المسلحة، جاءوا باسم الرئيس اوباما لتحذيرنا من مبادرة عسكرية منفردة على ايران. وفي الوقت الذي يذهب فيه باراك نفسه الى واشنطن ويعود منها، يحذرنا مسؤولون كبار في اسرائيل ذوو مناصب رئيسة أو متقاعدون من ان هذه الحرب ليست في الدوري الخاص بنا.

ما جاءت هذه المقدمة كلها إلا لتثير سؤال "أين شيلي؟". أي شيلي يحيموفيتش. تلك التي كانت تنتظم باسئلة حادة القادة الكبار بأسئلة حادة كالسفافيد إذ كانت صحفية ومجرية مقابلات صحفية فقدت الحدة والاهتمام حينما أصبحت رئيسة العمل الذي هو حزب دافيد بن غوريون.

ان انتخابها زعيمة للعمل كأنما أصابها بشلل. صحيح ان العمل المجيد الذي كان ذات مرة أصبح الآن حزبا فيه ثمانية نواب، لكن اهود باراك "شاويش" نتنياهو و"دكتور الحيل الاعلامية" الذي ينشر التهديدات في العالم كله يملك على الأكثر خمسة نواب بدعم من اليمين المتطرف. من المؤكد ان آباء حزب العمل سيتقلبون في قبورهم لو عرفوا بما يحدث للحزب الذي ولد من مباي التاريخي.

تشير استطلاعات الرأي في هذه الفترة المصيرية الى ان انتخاب يحيموفيتش ضاعف قوة العمل الكامنة. والمشكلة هي ان شيلي لا تجرؤ على ان تعرض نفسها بأنها رئيسة حكومة بديلة عن معسكر السلام. وهي تكتفي بمحاولة ركوب الاحتجاج الاجتماعي بل إنني لا اسمع منها في هذا الشأن عبارة "حينما أصبح رئيس الحكومة" سأفعل كذا وكذا.

ان من يشأ محاربة نتنياهو يجب ان يكون عنده ما يسمى بالانجليزية "غريزة القتل"، وهي الحماسة لتبديله وتبديل حزبه المتطرف بأي ثمن. ومن جاء الى السياسة يجب ان يكون جائعا لحكم الدولة ولغرس الثقة في الشعب في موضوعات الحياة والموت وألا يشغل نفسه بسعر جبن الكوتيج.

من العجيب أننا لم نسمع منها شيئا ولا نصف شيء عن سلوك بيبي في موضوع السلام ولم تقل كلمة ايضا في سلوكه الشخصي المهين نحو ناس ديوانه الذين أرادوا فقط الخير له حينما اشتكوا على نتان ايشل.     

ان صمت شيلي عن موضوعات سياسية وأمنية قد يثير ريبة عند اولئك الذين لا يحبونها حقا في أنها ليس لها موقف أو أنها، والعياذ بالله، تفكر مثل نتنياهو. ان شعب اسرائيل، بسبب الليكود، هو في إنكار ويعتقد مثل بيبي وباراك انه ليس لنا شريك في التسوية وان الكلمات الثماني في خطبة بار ايلان يجب ان ترضي طموح الفلسطينيين الى دولة.

يجب على يحيموفيتش كي تعيد الى العمل ايامه السابقة ان تُبين ان لها شهوة قيادية وقدرة على الانتصار ايضا وان تحذر مرة بعد اخرى الشعب، قبل كل شيء، من ان الليكود، الليكود فقط، يجرنا الى كارثة.