بقلم: رفعت شناعة
خاص/ مجلة القدس، سؤالٌ وجيهٌ يطرحهُ السياسيون المخضرمون، والعاملون في إطار الفصائل الفلسطينية على اختلاف مشاربها الفكرية، كما يطرحه المنشغلون في العمل الشعبي والنقابي والاجتماعي، ولا نبالغ إذا قلنا أن الجميع رجالاً ونساءً، مثقفين وغير مثقفين هم اليوم في حالة استنفار وطني أكثر من أي وقت مضى نظراً لأنَّ "اللقمة أصبحت في الفم" كما يقول المثل، والخوف هو أن يأتي من ينزع هذه اللقمة، ويعيد العملية إلى الوراء، ويغيِّر المسار، ويزيل البسمة عن الشفاه، لنعود كما كنا قبل توقيع وثيقة المصالحة الوطنية، نندب حظنا، ونحاول بلسمة الجراح النازفة التي صنعناها بأيدينا، فهل قدرنا هو أن نستغرق عمرنا ونحن نبكي عجزنا؟ هل نسينا وصايا الشهداء لنا؟ وهل نتنكر لنداء أسرانا يخرج من جوف زنازين الألم والعذاب، ومن غرف التعذيب والتحقيق، ومن معتقلات القهر والإذلال؟
لا نستطيع الهروب من الإجابة، ولا التقليل من أهمية السؤال لأنه يتعلق بمصير الشعب الفلسطيني، وبكرامتنا الوطنية، وبمستقبل مسيرتنا الكفاحية، وبكل جرأة نقول آن الأوان أن نكرِّس الحقائق التي نبني عليها قرارنا.
أولاً: علينا أن نلتزم مضمون القاعدة الذهبية الشائعة وهي أنه عندما تجد نفسك مع عدوك في مربع. واحد حيال قضية معينة عليك أن تعيد حساباتك، وإلاَّ فإنك ستدفع الثمن. وإذا كان الكيان الإسرائيلي يناصرُ الانقسامَ، ويُعلن على الملأ بأنه عدوٌّ للمصالحة، وأنّ المصالحة بنظره تضرُّ بعملية السلام لأنها تكرِّسُ الوحدة الوطنية، إذا كان هذا ما نسمعه جميعاً، فهل يجوز لنا الاستهانة بموضوع المصالحة، والعبث بها، وإعادتها مجدداً إلى المشرحة من أجل قتل الوقت، وطمأنه الاحتلال بأن المصالحة بعيدة المنال؟!
ثانياً: يقول المثل: "إذا تهدَّم سور البيت ولم يقم أصحابُه ببنائه أفضل مما كان، فعليهم أن لا يعتبوا على المجرمين واللصوص عندما يدخلون ويعيثون فساداً في بيوت أهل العزة والكرامة". لقد تهدَّمت أسوارُ بيوتنا، وصمتْنا، ورأينا بأمِّ عيننا كيف نُذبح، ونُقتل، وتُهان كراماتُنا، وتُدنَّسُ مقدساتنا، لكننا قَبلْنا، ودجَّنا أنفسنا بأيدينا، وهانت علينا أنفسنا، ومن يَهن يسهلُ الهوانُ عليه، فهل نرضى بكل ما يجري، وهل استمرأنا ذلك؟ ولكن إلى متى ستظلُّ أسوارُ بيوتنا مهدَّمة، وليس من يبنيها؟؟!!
ثالثاً: يقول المثل الشعبي "كبرِّها بتكبر، وصغِّرْها بتصغر" والسؤال هو لماذا نحن نصُّر دائماً على تكبير الأمور وليس على تصغيرها، خاصة أنَّ هذه الأمور تتعلق ببيتنا الفلسطيني، وبضرورة تحصينه، وبتماسك أبنائه. فما يتعلق بالاحتلال يتم تصغيره واستيعابه، والقفزُ عنه غالباً. فالهدنة مع الاحتلال قائمة ولا أحد يسيء إليها، والجرائم يومية تزيد ولا تنقص، ونحن ندين ونستنكر فقط.
رابعاً: أمامنا خياران لا ثالث لهما، فإما أن نبقى في مستنقع الانقسام الذي أضرَّ بالشعب والقضية، ودمَّر انجازاتنا الوطنية، وحطَّم آمالنا وطموحاتنا المستقبلية. وإما خيار المصالحة الفلسطينية الفلسطينية الذي يفتح باب الأمل واسعاً أمام وحدتنا الوطنية، ويوحِّد طاقاتنا وقدراتنا باتجاه مقاومة الاحتلال إذا كنا نريد المقاومة، وباتجاه بناء الدولة المستقلة إذا كنا نريد إقامة الدولة. الخيار الأول يجعلنا مع ا لكيان الإسرائيلي في مربع واحد شئنا أم أبينا نشاركه في تحطيم وطننا، وتهويد مقدساتنا.
أما الخيار الثاني فهو الذي يوحِّدنا جميعاً في مربع واحد موحَّدين متضامنين بوجه الاحتلال. والرئيس أبو مازن هو أول من كرَّس هذا المفهوم عندما خيَّره نتنياهو بين حماس أو السلام فرد عليه إننا نريد حماس والسلام، فوصلت الرسالة إلى العدو الإسرائيلي، ويجب أن تكون قد وصلت إلى حركة حماس وإلى كافة الأطراف الفلسطينية والدولية.
خامساً: لقد وقَّعنا على ميثاق المصالحة معاً، الفصائل كافة أجمعت على أن المصالحة خيارنا، وأن فلسطين هدفنا، وأن الكيان الإسرائيلي عدوُّنا. ولا مجال للعودة إلى الوراء، ولا مبرِّر لأي انتكاسة جديدة مهما كانت الأسباب، ومهما كانت المبررات، فجميع المبررات تسقط أمام المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وهنا ينبغي الإشارة إلى القضايا التالية توضيحاً للأمور:
أ- نقول لمن يعترض على ترشيح الرئيس أبو مازن رئيساً للحكومة، بأنَّ الرئيس أبو مازن لم يرشِّح نفسه لهذا المنصب، وإنما لبَّى رغبة أمير قطر وقيادة حماس من أجل الخروج من الأزمة الراهنة، وهي أزمة من يرأس الحكومة، ومن يستطيع إنجاح مهمتها بحيث تتمكن من تحقيق أهدافها المرسومة.
ب- الرئيس أبو مازن قَبلَ التكليفَ على مضض، فهو يتحمل مسؤولياتٍ عديدةً وكلها مرجعية للحكومة، وتحُّمله مسؤولية رئاسة الحكومة سيزيد من أعبائه اليومية التفصيلية، وهذا لا يخدمه كشخص، وإنما يخدم الشعب الفلسطيني.
ج- هناك من يسجل اعتراضاً على تسلُّم رئاسة الحكومة لأن المادة (45) من النظام الأساسي تقول: "يختار رئيس السلطة الوطنية رئيس الوزراء، ويكلفه بتشكيل حكومته، وله أن يقيله أو يقبل استقالته، وله أن يطلب منه دعوة مجلس الوزراء للانعقاد". لكن علينا أن نتذكر بأن الشعب الفلسطيني هو الذي وضع الدستور، ولا مانع إذا كان في مخالفته في حالة استثنائية مصلحة للشعب الفلسطيني، وخروجٌ من أزمةٍ وطنية يعيشها.
د- الرئيس أبو مازن هو رئيس السلطة الوطنية المسؤولة عن الحكومة، وقد سبق له أن أقسم اليمين أمام المجلس التشريعي عندما تولى الرئاسة، فالجولس التشريعي قد أعطاه الثقة كاملة في الرئاسة بعد أن انتخبه الشعب الفلسطيني، فكيف نعترض عليه عندما يتولى رئاسة الحكومة في ظرف استثنائي؟!
ه- إن المدة الزمنية لهذه الحكومة محكومة بتحقيق هدفين فقط وهما إعادة إعمار قطاع غزة، وثانياً التهيئة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، والمجلس الوطني. ومن يعرقل الانتخابات، ويمنع اللجان المختصة من العمل يكون هو السبب في إطالة عمر حكومة التكنوقراط، والحيلولة دون تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعد الانتهاء من الانتخابات التي اتفق على إجرائها في 4/5/2012.
و- طالما هي حكومة مستقلين وتكنوقراط لن يكون هناك صراع على اختيار الوزراء لأن المهم هو توفر الكفاءة الفنية لخدمة أبناء الشعب الفلسطيني، وإذا ما كانت هناك حوارات مع كافة الفصائل فالأمر لا يتعدى البحث عن الأكفأ والأقدر.
ز- إنَّ ما سيواجه الشعب الفلسطيني وقيادته هو العقبة الإسرائيلية، فالمحتل الإسرائيلي الممتعض من المصالحة الفلسطينية، والذي عبَّر عن ذلك من أنه لن يترك المركب الفلسطيني يسير بخير، فهو سيعمل على عرقلة وإعاقة الانتخابات الفلسطينية، وخاصة في القدس، لأنه يدرك أهمية إجراء الانتخابات التي تؤدي إلى اختيار قيادة جديدة، وإلى فتح باب الديمقراطية في الساحة الفلسطينية على مصراعيه مما يسهِّل الطريق أمام برنامج سياسي يتعاطى مع كافة القضايا الجوهرية وخاصة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، وكيفية حماية المقدسات، ووقف الاستيطان.
ح- إذا كان هذا هو المتوقع من الكيان الإسرائيلي الذي يرفض الحقوق الفلسطينية كافة فلماذا يحاول البعض عرقلة الصالحة من خلال حجج ثانوية لا قيمة لها أمام الخطر الإسرائيلي الداهم. ولماذا يصر البعض على أن يكون هو والاحتلال في مربع واحد سواء أكان ذلك بقصد أم بغير قصد فالتاريخ لا يرحم، والمسيرة الوطنية انطلقت ولا عودة إلى الوراء.
على الجميع أن يدرك بأن الرئيس أبو مازن صادقٌ في أقواله ومتمِّسكٌ بمواقفه من المقاومة، ومن الاستيطان، ومن المفاوضات ولا بديل ولا تغيير في كافة الثوابت، ومهما كانت الضغوطات فإنها لن تجعل قيادة حركة فتح تتراجع عن ثوابتها الوطنية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها