في ظل تصاعد التوترات الداخلية في إسرائيل، يرى محللون أن قرارات الحكومة الأخيرة، وفي مقدمتها إقالة رئيس "الشاباك" رونين بار، تتحول إلى ما وصف بأنه "تمرد على القانون" و"محاولة لتقويض المنظومة القضائية"، في ظل انعدام أي مبرر مهني واضح، ومساع لتحويل أجهزة الأمن إلى أدوات طيّعة بيد السلطة السياسية.
وذكر محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة "يديعوت أحرونوت رونين بيرغمان، يوم أمس الأحد، أن سلسلة الاتهامات التي ساقها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ضد رئيس "الشاباك" رونين بار، وعلى رأسها أنه "فقد الثقة به منذ 7 أكتوبر"، لا تستند إلى أي واقعة موثّقة.
وقال بيرغمان: إن "هناك الكثير من المزاعم والكلام عن فقدان الثقة وعدم القدرة على العمل مع رئيس الجهاز، لكن لا يوجد مثال واحد ملموس"، مشيرًا إلى أن نتنياهو يسعى لتحويل مناصب يُفترض أن يكون شاغلوها ملتزمين بالمصلحة العامة، إلى مناصب تقوم على الولاء الشخصي.
وأضاف: "نتنياهو قال في أحد مقاطع الفيديو: في كل وقت، وخاصة في حرب وجودية كهذه، يجب أن يكون هناك ثقة كاملة بين رئيس الحكومة ورئيس الشاباك، وبكلماته هذه، يعترف بأنه أبقى الوضع المدمر هذا قائمًا طوال عام ونصف، وهو ما يشكل خطرًا على الأمن القومي".
وتابع: "في غضون 24 ساعة، أدان نتنياهو نفسه: إما أنه يكذب بشأن أسباب الإقالة، أو أنه تصرف بإهمال بالغ في ما يخص الأمن القومي لدولة إسرائيل، والادعاء بأن بار لم يوقظ نتنياهو ليلًا رغم معرفته بنية الفصائل الفلسطينية الهجوم، هو كذبة اخترعها من وصف نفسه بأنه مصدر سياسي، ولم تحدث سوى في مخيلة هذا المصدر المهووس بالمؤامرات".
وشدد على أن مكتب رئيس الحكومة "تلقى كل المعلومات الاستخباراتية المتاحة في حينه عبر ثلاث قنوات على الأقل"، ولفت إلى أن "رئيس مكتب بار هو من اتصل بالسكرتير العسكري لنتنياهو لإبلاغه، لكن الوقت كان قد شارف على الانتهاء".
وبحسب بيرغمان، فإن ما يدفع نتنياهو الآن هو نتائج تحقيق الشاباك نفسه بشأن أحداث 7 أكتوبر، والذي دعا إلى "تشكيل لجنة تحقيق رسمية"، وسلّط الضوء "ضمنًا على إخفاقات المستوى السياسي"، وقال: "فقط بعد أن وصل التقرير إلى نتنياهو، وفتح تحقيقات ضد مقربين منه قرر فجأة أنه لا يثق ببار وبدأ حملة لإزاحته".
وأضاف: "اتهم نتنياهو بار بتسريبات مزعومة، ثم قال: إن إقالته أدت إلى تراجع حاد في التسريبات، وهذا كذب موثق"، مشيرًا إلى تسريبات مستمرة يتلقاها صحافيون إسرائيليون من فرق المفاوضات حتى بعد إبعاد بار عن فريق التفاوض.
وقال بيرغمان: إن "نتنياهو اعتاد أن يوجّه أصابع الاتهام لكل من يزعجه داخل المنظومة، وفي كل مرة تُنشر تسريبات، يكون هو أو أذرعه الإعلامية أول من يحدد المصدر، وغالبًا ما يخطئون، لكنهم لا يتراجعون".
كما ربط بيرغمان إقالة بار بموقفه من لجنة التحقيق، وقال: إن "بار، في ختام تقرير الشاباك، دعا إلى لجنة تحقيق رسمية مستقلة، ونتنياهو لم يحتمل ذلك، وبدأ يصوره كمن يتدخل في السياسة".
وشدد على أن "كل ما فعله نتنياهو هو تحويل لجنة التحقيق، التي كانت دائمًا صخرة إجماع، إلى موضوع سياسي، ليمنع بار من تأييدها، ويستخدم الأمر كذريعة للإقالة، ما خرج من الكيس لم يكن مخرزًا بل سكين ذبح، قُطعت بها رؤوس وزير الأمن ورئيس الأركان، والآن جاء دور بار والمستشارة القضائية، وإذا أسقطت المحكمة هذه الإقالات، فسيستخدم ذلك لترهيب من تبقى".
وأضاف: "بالنسبة لنتنياهو، هذه خطوة رابحة في كل حال، حتى إذا أسقطت المحكمة الإقالات، فإنه سيستخدم ذلك أمام مؤيديه كدليل إضافي على ما يسميه الدولة العميقة، قائلاً: هكذا تحاول المحاكم إيقافنا، وهو تحذير لكل من سيقف ضده لاحقًا".
بدوره، يرى المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناداف إيال، أن ما يجري ليس مجرد خلاف على مناصب، بل محاولة للسيطرة على مؤسسات الدولة، واعتبر أن "الاحتجاجات أثبتت أن هناك من لا يزالون يؤمنون بأن إسرائيل يجب أن تكون ديمقراطية، لا سلطة فردية مطلقة".
ووصف الإقالة بأنها محاولة لـ"تحويل رئيس الشاباك إلى موظف ثقة شخصية"، وأضاف: "رئيس الحكومة يريد أن يفرض قاعدة مفادها: إذا لم يعجبه رئيس الشاباك، يُقيله كما يقيل مدير مكتب، لكن وفق القانون، رئيس الشاباك ليس موظفًا شخصيًا، ولا يمكن إقالته دون إجراء إداري منظم".
وأضاف: "نتنياهو لم يطرح أي أساس واقعي للإقالة، حتى هو لم يذكر 7 أكتوبر كسبب، بل لجأ فجأة إلى حجة أنه لم يُوقظ ليلًا، رغم أن مكتبه تلقى كل المعلومات من الشاباك"، واعتبر أن ما يحدث هو "محاولة لتحويل الشاباك إلى أداة سياسية".
وحذّر من أن "الأجهزة الأمنية السرية في الدول الديكتاتورية تخدم الحاكم وتراقب المواطنين، أما الشاباك، فهو في الأصل لحماية النظام الديمقراطي. فإذا تحول رئيسه إلى تابع ذليل، فإن الجهاز كله يتحول إلى شرطة سرية".
واعتبر أن المحكمة العليا تواجه الآن "أهم قرار في تاريخها"، "ليس الموضوع إنهاء ولاية بار فحسب، بل قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات كهذه دون أي رقابة، إذا قررت المحكمة أن لا بأس، فهذا يعني نهاية التوازن بين السلطات".
ولفت إلى أن "نتنياهو يراهن كعادته، إذا لم تنجح إقالة بار، سيحاول إقالة المستشارة القضائية، وإذا فشل في الأمرين، فسيكتفي بتغيير لجنة تعيين القضاة، لا شيء يوقفه، الفريسة هذه المرة هي الحرية نفسها".
اعتبر إيال، أن "إذا أصبح من السهل إقالة رئيس الشاباك بمجرد أن يفقد رئيس الحكومة ثقته به، دون إجراءات قانونية أو جلسة استماع، فسيتحوّل المنصب إلى أداة طيّعة، سيكون بإمكان نتنياهو تغيير رؤساء الجهاز كما يبدّل الجوارب، حتى يجد من يطيعه في كل شيء".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها