بقلم: عبد الباسط خلف

خلت ساحات كنيسة برقين، القريبة من جنين، كالعادة من السياح، بالرغم من أهميتها الدينية والتاريخية.

قال وكيل الكنيسة، معين جبور: "فقط أعداد قليلية من الزائرين يأتون إلينا كل عام، ونلمس أن حدثًا غير عادي حتى في احتفالات أعياد الميلاد المجيدة، وها نحن ننتظر انعطافة حادة أو معجزة".

وتابع: ساءت أوضاع الكنيسة بفعل الأوضاع الصعبة المتزامنة مع أعياد الميلاد، وصار أعداد الزائرين يتراجع، ومنذ السابع من تشرين الأول 2023 أصبحت مهجورة.

ووفق جبور، لم تأخذ الكنيسة حقها منذ أمد، وأصبح الناس يهتمون بها وبشكل محدود، منذ نحو 30 عامًا فقط، ويأتي إليها المسيحيون من القرى المجاورة في المناسبات الدينية المهمة، وبأعداد قليلة.

ورأى بأن بعدها عن المركز، جعلها مهمشة رغم أهميتها الكبيرة وارتباطها الوثيق برحلة السيد المسيح التاريخية بين الناصرة وبيت لحم.

- كلمة السر

وقال الشاب محمد إبراهيم، المقيم وسط البلدة: لم نلاحظ منذ فترة أي حركة غير عادية قرب المكان السياحي كما توقعنا، ولم تصمد مواقف المركبات والأرصفة التي نفذت في المكان قبل سنوات، ولو أن الكنيسة موجودة في مكان آخر لكان حالها أفضل بكثير، وربما صرنا تجارًا لخشب الزيتون والفضة مثل أهالي بيت لحم. 

ولخص: كلمة السر في أي شيء، هو مكان تواجده، وليس أهميته.

وتستلقي الكنيسة على تلة في بلدة برقين غرب جنين، وتبعد عن المدينة 4 كيلومترات، وتشرف على شارع رئيس يوصل جنين بقراها وتجمعاتها المجاورة.

وجاء اسم برقين، كما سرد ابن البلدة الأستاذ الراحل صبحي الصايغ، من تحريف لكلمة "برصين"، التي أصبحت بمرور الأيام "برقين"، أما اسم البلدة قبل اكتشاف الكنيسة وفق المصادر التاريخية فكان "بيت فلوى".

وتسمى الكنيسة، وفق راعيها جبور، بكنيسة "مار جرجيس"، وتتبع طائفة الروم الأرثوذكس، وقد بني الجزء الأول من الكنيسة منذ ألفي سنة، أما الجزء الثاني فشيد في عصر الملك قسطنطين وأمه هيلانا قبل حوالي 1500 سنة.

- المغارة المعجزة

وقال جبور: أهمية الكنيسة أنها ثالث أقدم مكان مقدس في العالم بالنسبة للمسيحيين، ورابع أقدم كنيسة في العالم كله، ولا تسبقها إلا القيامة في القدس، والمهد في بيت لحم والبشارة في الناصرة.

وزاد أنها ذكرت في الإنجيل، وكتاب "معجزات السيد المسيح، في الصفحتين 2002 و2003، وهي التي أشفى في مغارتها السيد المسيح عشرة من البرص، أثناء رحلته من الناصرة نحو القدس وبيت لحم".

واستنادا لإنجيل "لوقا" فإن القصة بالتفصيل، تشير إلى المكان، وتسهب في الحديث عن مصير البرص الذين لم يشكر أحد منهم السيد المسيح، إلا السامري.

وتتمدد الكنيسة على مساحة تقدر بألف متر مربع، وهي مقسومة إلى ثلاثة أجزاء رئيسة، إضافة إلى ساحة وحديقة وبناء حديث العهد لتعليم الأطفال، وغرفة لإقامة الخوري.

أما المغارة المنحوتة في صخرة بمساحة 20 مترًا تقريبًا، فتعلوها نافذة دائرية، هي التي تقول الروايات التاريخية أنها كانت تستخدم لإنزال الطعام للمرضى العشرة الذين أصيبوا بالبرص، ووضعوا فيها بحجر صحي، وقبل أن يتعافوا بمعجزة السيد المسيح.

- للرجال فقط!

ويمتد الشطر الثاني في الكنيسة لقاعة مبنية منذ 1500 عام تقريبًا، وبها كرسي المطران المنحوت من حجارة على شكل رأسين لأسدين، يجلس عليه الكاهن خلال مواعظه الدينية، وبجواره الهيكل، وهو قسم تفصل عنه القاعة حواجز في أعلاها 12 نافذة صغيرة، ترمز إلى عدد تلاميذ السيد المسيح، ولا يسمح للنساء بدخولها ولا حتى السائحات، وهو مخصص في الأصل للكاهن، حتى أن أرضيته لا تنظف إلا من الرجال لقداسته، وعلى حجارته الخارجية وجدت كتابات قديمة، لكنها آخذة بالاندثار بفعل عوامل الطقس.

فيما تشكل مغارة مفتوحة، في الركن الشرقي للكنيسة، القسم الثالث منها، وكانت تستخدم كمدرسة لتعليم الأطفال، وتعلوها قنطرة.

أما الأسوار الخارجية فقديمة، ويعود تاريخ تشييدها إلى ألف وخمسمائة سنة. وجرسها الحالي، ونافذتها الدائرية ما زالتا على حالتهما منذ ما قبل 1948.

ووفق راعي الكنيسة، فقد رممت على 3 مراحل، الأولى عام 1950 من البطريركية، والثانية في الثمانينيات، والثالثة في 2003 بإشراف وزارة السياحة والآثار، لكن جزءًا من هذه الترميمات تغير، كموقف السيارات ومواقف الانتظار والأشجار والأرصفة، والجدران التي صارت تعج بشعارات سياسية ووطنية.

وكان يفترض أن تكون الكنيسة جزءًا رئيسًا من المسار التاريخي الذي رافق احتفالات بيت لحم 2000، لكن ذلك لم يحدث، لأسباب كثيرة، أهمها بعدها عن المركز، والأوضاع الأمنية وحالات العدوان التي سادت الوطن.

وحسب جبور، فقد تآكل أو تقادم قسم من الترميمات والإنشاءات التي جرت في الكنيسة ومحيطها، ولم يتزاحم السائحون عليها كما خطط لذلك، حتى أن الكثير من أهالي المنطقة لم يدخلوها ولو مرة واحدة في حياتهم، ولا يعرفون قيمتها التاريخية أو الدينية.

- إنعاش وتاريخ

بدوره، أشار منسق لجنة تنشيط وتطوير السياحة في جنين، ربيع ياسين، إلى أن كنيسة برقين ليست وجهة بالنسبة للسياحة الدينية، رغم أهميتها ورمزيتها التاريخية.

وعزا تراجع زيارة الكنيسة إلى الظروف الصعبة في فلسطين، وعدم السيطرة على الحدود والمنافذ، وضعف البنية التحتية المحيطة بها.

وأكد ياسين أن اللجنة تبذل جهودًا للتعريف بالمكان، وحاولت إحياء مسار العائلة المقدسة والسير على خطى السيد المسيح؛ لتشجيع الحجاج المسيحيين على زيارتها؛ لكن بعدها عن بيت لحم والقدس والناصرة يشكل سببًا إضافيًا لما تعانيه.

ووفق أبناء البلدة، فإن برقين تجمع بين السهول والتلال والوديان، وتحاط بأحزمة كثيفة من أشجار الزيتون والحقول الزراعية، ويقطنها نحو 10 آلاف مواطن، فيما كانت شاهدة على إقامة الجيشين العراقي والأردني في تلالها عشية النكبة والنكسة.

ويتفاخر المواطنون بأنه يمكن من تلال بلدتهم مشاهدة جبل الكرمل وأعالي الناصرة وأجزاء من جبل الشيخ السوري المحتل.