عندما يكون مصير ووجود شعبنا الفلسطيني مهددًا، وتسفك آلة حرب الإبادة دماء الأطفال والنساء والشيوخ، قبل الشباب، وتدمر مظاهر الحياة على أرض وطننا التاريخي والطبيعي، ويبرز بين الحين والآخر من يحصر جل تفكيره وعمله، وسلوكه، وخطابه وادعاءاته الخاوية، رغم تغليفها بمصطلحات نبيلة كالديمقراطية وغيرها، فيما غرضه بلوغ سدة الحكم بأي ثمن، لإرضاء شهوته السلطوية الجامحة. ويستكبر المتسلح بالعناد، بعد انكشاف زيف أسلحته المادية والنظرية، ويتمسك بالحكم الذي اغتصبه بقوة السلاح (انقلاب دموي)، ولم يكن يومًا حاكمًا رشيدًا، وإنما مستنفرًا ومستخدمًا أدواته القمعية لإرعاب المواطن وإخضاعه، ومتمركزًا في الجبهة المعادية للعدل والحقوق الإنسانية، ومخالفًا لتطلعات وآمال وأهداف الشعب، وضاربًا عرض الحائط الثقافة الوطنية الإنسانية، يحمل كالبائع المتجول، القرار الوطني المستقل، ودماء ونفوس وأرواح مئات آلاف الضحايا الشهداء، والأحياء المعذبين كسلعة، هنا ومع هذين النموذجين يمكننا القول إن أمهات المصائب والكوارث والنكبات، تنزل على رؤوس شعبنا مزدوجة، ومن جهتين:
- الأولى: منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصرية المسماة (إسرائيل) والأخرى من جماعة الفرع المسلح للإخوان المسلمين المسمى "حماس"، ونعتقد أن الشاباك الذي منح حماس (إجازة) الإنشاء، لتكون الجسم الآخر المعاون على ضرب قوى حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كان على يقين أن (حماس) ستلعب دورها المرسوم لها سلفًا، والأدلة كثيرة في هذا السياق ومنها نقض الاتفاقات كافة مع الآخر الوطني، بما فيها اتفاق مكة سنة 2007، الذي أقسم قادتها على تطبيقه، في فضاء حرم الكعبة المشرفة، واتفاق القاهرة سنة 2011، مرورًا بإعلاني الدوحة سنة 2012 والشاطئ سنة 2014، ونكثهم الوعود والتعهدات التي قطعوها على أنفسهم بعد كل إعلان لتنفيذ الاتفاق الأساس الموقع في القاهرة، اللافت أن الحملات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي يسميها قادة حماس (الحروب) تزامنت مع توقيع قادتها على الاتفاقات، ومنها العدوان 2008، و2012 و2014، و2021، أما (7 أكتوبر 2023) فقد جاءت بعد اجتماع أمناء الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس والجهاد الإسلامي في 3 سبتمبر 2020، الذي انتهى بمخرجات مهمة وردت في البيان الختامي منها: "التمسك بهدف إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس، وأن لا دولة في غزة ولا دولة من دونها، وحل قضية عودة اللاجئين على أساس القرار 194. وضرورة التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة وقانون واحد، على قاعدة التعددية السياسية والفكرية، والتداول السلمي للسلطة، وتجسيد مبدأ الشراكة الوطنية في منظمة التحرير الفلسطينية، على اعتبار أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".
ويتضح من نصوص البيان: الاتفاق على مبادئ أساسية وهي: الوحدة الجغرافية لأرض دولة فلسطين المستقلة، على حدود الرابع من حزيران 1967، ووحدة الشعب الفلسطيني، ونظامه السياسي الديمقراطي التعددي، ووحدانية مؤسسات الدولة والقانون، والمؤسسة الأمنية، ومن المفيد التذكير أن اجتماع الأمناء عقد بين رام الله وبيروت عبر تقنية الفيديو كونفرانس برعاية منظمة التحرير الفلسطينية فقط، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهذه نقطة في غاية الأهمية، لتجسيد مبدأ استقلالية القرار الوطني الفلسطيني.
احتل جيش منظومة الاستعمار (إسرائيل) جغرافيا قطاع غزة، لكن نتنياهو ما زال يصارع المستحيل من أجل تشكيل أمر واقع، يسمى (اليوم التالي) يفكك الوحدة الجغرافية والسكانية والسياسية للدولة الفلسطينية، ومنع تجسيد ولاية منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين على قطاع غزة، وتحجيم مركز حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، والتشكيك بقدرتها وبشرعيتها المنبثقة عن منظمة التحرير، مستندًا على موقف قيادة جماعة حماس الذين حتى اللحظة ما زالوا يعتبرون قدرتهم على التمسك بسلطتهم الانقلابية، ليس انتصارًا استراتيجيًا وحسب، بل أمر وجودي يخص جماعتهم دون الشعب الفلسطيني، أما الإبادة الدموية بحق 160 ألف شهيد وجريح، ومليوني نازح، وتدمير شامل لقطاع غزة، واستعادة مشاريع الاستعمار الاستيطاني، فإنه بنظر رئيس حماس بالخارج خالد مشعل مجرد (خسارة تكتيكية)، فهل من تعريف دقيق لمعنى "أم المصائب" أوضح من هذا؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها