بقلم الشاعر الفلسطيني: محمد علي طه
اشتقنا والله اشتقنا إليك يا شامة على وجنة وطننا الصغير الجميل الذي لا وطن لنا سواه. فليتها لم تكن آلة الحرب لتجعلك قريبة بعيدة. فتح فاه ذا الأنياب الصفراء وأمطر علينا رعبًا ودمارًا وموتا، وسرق هواءنا وماءنا وزرعنا وزيتوننا ونخلنا وقمرنا وشمسنا وابتسامات أطفالنا.
اشتقت إلى سورك وسوقك وأزقتك ومساجدك وكنائسك وشاطئك وبحرك، وإلى مشوار الأصيل من مسجد الجزار فالبوابة الشرقية مارًا بجوار أبطال الثلاثاء الحمراء ومصغيًا لأغاني فرقة العاشقين، من سجن عكا طلعت جنازة، وامشي وامشي حتى أصل تل الجنرال الذي مرغت أنفه وعندئذٍ أحلف بغربتي وأعود لأشم رائحة البهارات في السوق وأسألها عن قهوة أمي وكعك أمي وطبيخ أمي.
اشتقت إلى الميناء الصغير وقواربه كي أبحث عن جدي معاوية الذي أبحر منه لفتح الجزيرة الصغيرة التي تبعد عنك خبط العصا.
أقف على سورك التاريخي وأرى جدنا ظاهر العمر وجنده وحضره وبدوه وفلاحيه فأسأله عن البوابة التي دخل منها صلاح الدين بعدما قدمت خيوله من حطين وشربت من بير العياضية ماء زلالا.
أمشي على بلاط شوارعك العتيقة من شارع صلاح الدين إلى الحي الجديد حيث سار عمر أبو ريشة حينما كتب "عيونك أجمل ما في الوجود" وحيث مشى غسان كنفاني فأسأله عن رجال في الشمس وعن الذين يدقون جدران الخزان، وحيث تمختر أبو سلمى وهو يكتب "أنشر على لهب القصيد" وحيث استوحى البرواني محمود درويش "سجل أنا عربي" ثم أمشي إلى محطة القطار حيث استوحت سميرة عزام قصتها الجميلة، كما أمشي من ساحة مسجد الجزار إلى صخرة الفنار وألتقي بأبطال روايتي الجديدة "فارس عين الزيتون" التي رفضت أن تصدر في زمن دوي القنابل والصواريخ.
اشتقت يا عكا إلى صحن حمص في مطعم سعيد أو مطعم حمودي أو مطعم سهيلة أو مطعم أبو الياس وإلى رغيف فلافل عند عرفة وفنجان شاي مع نعنع في مقهى السلطان، كما اشتقت إلى رائحة النراجيل والزنجبيل والزعتر والسماق وإلى وجبة سمك في الغربي أو أبو خرستو أو قعدة في مطعم دنيانا ومشاهدة أطفال عكا يقفزون من السور إلى البحر. يا أطفال عكا أشخروا للعنصريين ولجنرالات الحرب والموت، يا أطفال عكا لكم الحياة ولكم الشمس والمستقبل.
اشتقت إلى صلاة الجمعة في مسجد الجزار وإخوته مسجد الرمل ومسجد ظاهر العمر ومسجد اللبابيدي، كما اشتقت إلى رنين أجراس الكنائس في أيام الأحاد ورأس السنة الميلادية ولن أنسى الندوات الأدبية والفكرية في قاعة الأسوار والجلسات الودية مع حنان ويعقوب وريشة الأصيل وليد قشاش والحديث مع أبي محمد سروان ومع القارئة أم نجيب زوجة القائد الميداني والنقابي جمال موسى.
متى نعود يا عكا لنمارس الرياضة على الشاطئ الجنوبي ونسبح في بحرك مع القاضي ابي صالح داوود زيني ورفيقه أبو شاهين سواعد ونقف على الرمل مع العكاوي الأصيل بولس نحاس ونتحدث عن آخر الأخبار.
اشتقت إلى الحوارات الشائقة مع الإعلامي زهير بهلول والحديث في الأدب والفن والسياسة وعن شخصيات عكاوية لا تنسى.
اشتقنا والله اشتقنا إلى زرافات السائحين يأتون إليك من الشرق ومن الغرب كي يقرأوا التاريخ الذي يطل من بين مداميك بيوتك العتيقة، وإلى قوافل الأهل الذين يحجون إليك في عيدي الفطر والأضحى قادمين من مدن المثلث الأخضر وقراه، ومن النقب ومدنه وقبائله، ومن المدن الفلسطينية الأسيرة، من الخليل وطولكرم ونابلس وجنين. وين ع رام الله.
اشتقت إلى الجلسات الناعمة مع المبدعين من أبنائك، من الأدباء والفنانين والشعراء، إلى أيام الفن وليالي المسرح، إلى هؤلاء الذين حافظوا على عروبتك وحضارتك وعلى تهاليل الأمهات لصغارهن وعلى تراويد العرايس وعلى زفات العرسان.
أعرف يا أيتها الجميلة بين المدن أنك ترحبين بنا، وها نحن قادمون إليك فسلامًا لك من الرائعتين حيفا ويافا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها