بقلم الشاعر اوس ابو عطا

ألا يا ياسر قد طاف الوجد من القلب، وترحم البشر والطير والحجر والبحر على شهداء الأرض، وأنت الساعة تسير في رحلتك من البرزخ للسماء، تقود مسيرة الشهداء للعلياء.
تراودنا أساطير وخرافات عنك، كأن تقوم من ضريحك في رام الله وأنت تعدل كوفيتك، وتهزم التراب كما هزمت رمل الصحراء في ليبيا وخرجت بابتسامتك الواثقة.
لعلك تعلم كم كانت تلك الابتسامة الرصينة التي لم تكن تفارق محياك الوضاء، كم كانت ذات وقع في نفوسنا المترهلة بالأمل، وكيف كانت تبعث الماء في نبع الرجاء الجاف.
هي ابتسامة الواثق بنصر الله، الواثق بنضالات شعبه، بجلده وقوته وسطوته وجبروته، فأنت من أسمانا شعب الجبارين، ونحن نسميك أسد بيروت والختيار والبطل المغوار والليث الهصور الصبور والرقم الصعب والرجل الصعب والشهيد الحي، لم تقبل الأسر، فالطيور الجارحة مكانها السماء، بل طلبت الشهادة ونلتها ويكأنك تهتف 
فأما حياة تسر الصديق  وأما ممات يغيظ العدا.
عشرون عاما، وفلسطين كل فلسطين وأحرار الأرض، ينشدون اسمك الياسر، يذكرون بعضهم ببطولاتك وفراستك وبعد نظرك ورجاحة عقلك وصلب عزيمتك وصدق نيتك بالشهادة.
عشرون عاما، والأسرى كل أسرى فلسطين والعالم، يقرأون على بعضهم،  حصار طرابلس وحصار بيروت وحصار رام الله، فيلين حديد السجان وتتسع كوة الأسر لفراشات أكبر ويتسلل أريج زهر فلسطين حتى مخادعهم يزمّل أحلامهم ويرفع عن ليلهم الكوابيس.
عشرون عاما، والجرحى كل جرحى فلسطين، يبلسمون جراحاتهم بعزم بسالتك، يصافحوك، وأنت تقبّل جراحاتهم، تقبّل أيديهم المبتورة وسيقانهم، تقبّل الجرح الفلسطيني النازف منذ وعد بلفور، تقبّل أحزان الأرامل والثكالى واليتامى، تقرأ الفاتحة على قبورهم، فتنهض شواهد القبور لتصافحك وهي رافعة الرأس واثقة النفس تنشد الحرية الحمراء، تقرع على باب النصر فتفتح أبواب الجنة، حيا على الشهادة حيا على الكفاح.
كم جاهدت وناضلت وكافحت وقاومت، كم فاوضت وساومت وتشبثت، كم اسم لك اليوم ومن قبل، أنت الفلسطيني الأرمني، ياسر عرفاتيان، والمقدسي والمسيحي والمسلم والإشتراكي والشيوعي.
أنت شجرة الفصائل الفلسطينية المعمرة، تلك التي أنجبت فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية وجبهة التحرير حزب الشعب وفدا والجهاد.
عشرون عاما، وكل صبي فلسطيني، يحلم أن يكون ياسر عرفات، يلثمون صورك المثمرة على حيطان المخيمات، يكنون أنفسهم ب " أبوعمار"، يعتمرون الكوفية أمام أمهاتهم، يحفظون خطاباتك ويصرخون بشعاراتك القوية " عالقدس رايحين شهداء بالملايين ".
يتناولون السمك المقلي كما كنت تفعل في حصار بيروت رفقة الفدائيين، ويسخرون من الحصار والدمار والموت، ويرسمون صورتك على دفاتر المدرسة ويخطّون شعاراتك على الكتب.
طوال فترة حياتك، لم تمارس هواية تحبها، فالنضال والكفاح والحصار وركوب الأمواج الهائجة هي هواياتك القسرية التي ألفتها واعتدت عليها والتي أوصلتك بعد جهد جهيد وعدو لدود لا يحفظ العهد ولا يبر القسم، لشواطئ بحر غزة.
كانت وما زالت وستظل ابتسامتك مصدر الثقة وسكينة النفس بالنصر القادم، كلما كنت تخرج من كل حصار مبتسما ومن كل معركة مبتسما ومن كل جولة ضغوط دبلوماسية مبتسما، كنت دوما تبعث الثقة في أنفسنا أن الأمور بخير، وستظل فلسطين بخير بما أن شبابها وأطفالها يدانون شجاعتك ويتتبعون خطواتك المحفورة بالتعب على طريق التحرير والعودة الصعب.