بين دم الضحايا وحبر القصيدة، خصومات جليلة، الحبر يغطي بالسواد كلماته، الدم يشق بالأحمر القاني دروب الفجيعة، الحبر كليم الورق، يسأله حسن الختام، بجماليات المجاز والكناية، الدم كليم الله يسأل العاقبة، ولا عزاء للقتلة، الحبر من شرود  المخيلة وتحليقاتها، الدم من توحش موازين القوى، ورداءة الواقع، وانعدام القيم الأخلاقية، إنها الخصومات التي تتصارع على الجدوى.

عدا حاجة التاريخ للذاكرة، تبقى القصيدة على نحو ما عمياء، ترى بحس الشطحات، وتقرأ الواقع برغبة المعنى، بينما الدم يظل مبصرًا، وله نص الإرسال الواقعي، بلا أية ملابسات، يحاول الشاعر اللحاق بهذا الإرسال، يلهث من خلفه، فلا يجد غير  الكلمات تتوسل الرؤيا الأخرى.

الشاعر غير معني بموازين القوى، فيحلق بالقصيدة نحو ما يريد من مشتهى، فيوظف الدم في سياق الأمثولة، ويتوعد القتلة بالذبح التاريخي، لينجو من مغبة الأرق. أتكلم عن شاعر اللحظة، الذي يطارد الأخبار اليومية، ليحيلها إلى مرافعة قضائية ضد القاتل والسياسي معًا، من على منصة القصيدة.

ينسى هذا الشاعر أن الدم صنو الملحمة، وهذه ليست خبرًا عابرًا، بل حكاية تاريخية، برؤية شعرية يحملها الدم في تفجراته الإنسانية إلى مصاف الأسطورة، وبمعنى آخر الدم بحاجة للملحمة، لا للقصيدة العابرة، اللحظية بتفجعها البلاغي، وسخطها المتعالي على السياسي. ينسى هذا الشاعر في حمأة التمجيد للمعنى، ينسى الأحياء الناجين من المجزرة، الجياع والعطاشى، لا يراهم، لا يرى شيئًا من التفجع الذي هم فيه، وقد باتوا في نزوح لا ينقطع، لا يرى تضورهم للحظة أمان، وينسى الجرحى الذين لا مشافي تبلسم لهم جراحهم، وينسى الأطفال الذين باتوا بلا عائلة، لا أم ولا أب ولا أخ ولا أخت، يتامى في براري الحرب الموحشة.

شاعر اللحظة، هو شاعر القصيدة البلاغية، لا شاعر الحكاية الملحمية...