لا يبدو أن مفاوضات الصفقة، حتى بورقة الرئيس الأميركي بايدن، تسير في دروبها الصحيحة، سواء كان ذلك بسبب تعنت رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، أو غير ذلك. ولعله أمر غريب ألا تعرف حركة "حماس" في تحليلها السياسي أن واشنطن في هذه المفاوضات سوف لن تميل لغير إسرائيل، الأغرب أن ترى "حماس" في ذلك رضوخًا أميركيًا لنتنياهو، وكأن نتنياهو قاهر لكل الضغوط.
وبغض النظر ما إذا كان هذا صحيحًا أم لا، فإن هذا لا يعني في المحصلة سوى أن حماس باتت اليوم، مع هذا التحليل، وهذه الرؤية، كأنها في ذلك الخزان الذي جاء في رواية الشهيد غسان كنفاني "رجال تحت الشمس" الرجال الذين لم يطرقوا جدران الخزان، فماتوا اختناقًا فيه، حيث كان الخزان تحت شمس الصيف الحارقة على مشارف دولة الكويت، التي أرادوا الدخول إليها تهريبًا.
السؤال الملح الآن والتشبيه ملزم: متى ستطرق "حماس" جدران الخزان الذي هو في الحقيقة خزان محور طهران، متى ستطرق جدرانه، قبل أن تأتي عليها شمس المفاوضات، التي تبدو بالشروط الإسرائيلية، لاهبة أكثر من شمس هذا الصيف.
متى تطرق حماس جدران هذا الخزان، وهل تفعل ذلك وتخرج منه قبل فوات الأوان، متى تدرك أن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي اليد التي بوسعها أن تفتح طاقة في سقف الخزان، لتنجو من الاختناق فيه جراء هواءه الفاسد.
مرة أخرى وأخرى ودائمًا، ملزمون نحن أن نكون موحدين، الرئيس أبو مازن بقرار التوجه إلى غزة يرمي من بين ما يرمي إليه، تحقيق هذه الغاية الوطنية بالغة الضرورة، وفي جلسة مجلس الوزراء يوم أمس أكد رئيس المجلس د. محمد مصطفى في مستهل كلمته "أصبحت حاجتنا للوحدة الوطنية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، خصوصًا مع استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة وما نتج عنها، وما تحتاجه المرحلة المقبلة من جهود كبيرة للإغاثة وإعادة الإعمار" ومن الواضح طبعًا أن هذا التأكيد، وبمثل هذه الكلمات، إنما هو في الأساس رسالة لحركة "حماس" من أجل أن تطرق جدران ذلك الخزان الذي لم يعد ذا بيئة صالحة للحياة.
المعضلة في الواقع أن "حماس" ما زالت على ما يبدو لا ترى حالها في هذا الخزان، أو لعلها تراه كمنصة صواريخ، فعادت لخطابات التهديد كمثل جماعتها في "جبهات الإسناد" فنشرت ملصقًا تحت عنوان "قادمون"، وفي الملصق صورة لحافلة ركاب متفجرة في تل أبيب.
ويقال إن أسامة حمدان حذر إسرائيل من استخدام حماس سلاحها السري، أحد عشر شهرًا من حرب إسرائيل الطاحنة، والسلاح السري إن كان موجودًا، ما زال للتحذير، وللتهديد على نحو كأنه سلاح سيقلب موازين القوى رأسا على عقب.
هذه هي المعضلة، التهديد يتعالى، والقصف الإسرائيلي متواصل يوقع مزيدا من الضحايا، شهداء وجرحى، في القطاع المكلوم، أطرقوا جدران الخزان قبل فوات الأوان.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها