سيقرأ الباحثون والدارسون وكذلك المحللون العقلانيون الموضوعيون خطاب رئيس دولة فلسطين وقائد حركة التحرر الوطنية للشعب الفلسطيني، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المناضل القائد محمود عباس أبو مازن، على منبر البرلمان التركي، بتأنٍ ودقة متناهية، إلى أمد ليس بقصير وسيذهبون إلى أبعد عمق في تفسير وفهم معاني وأهداف كل كلمة وجملة نطقها رئيس الشعب الفلسطيني، ونعتقد أن زعماء وقادة ورؤساء وملوك العالم ومعهم الساسة وصناع القرار قد ترقبوا الجديد في موقف قيادة الشعب الفلسطيني، ونعتقد أنهم قد سمعوه واضحًا بليغًا، لا تأويل  ولا تفسير له إلا بعنوان واحد وهو: الوفاء، فمن لا يعرف الرئيس المناضل الإنسان محمود عباس من قبل، عليه أن يعلم الآن المبادئ الناظمة لفكر وعقل وعمل كل من أدى قسم الاخلاص لفلسطين والعمل النقي من المصالح والمكاسب الذاتية على حرية شعبها وتحرير أرضها، وأن هذا المناضل قد وضع أثقال شرفه ومعتقداته في كفة، والوفاء للعهد والقسم والعمل اللامحدود في الكفة الأخرى، في ميزان الحساب التاريخي.

أوفى الرئيس وعي الإنسان الفلسطيني الفردي والجمعي، بتوسيع دائرة رؤيا البصيرة الفلسطينية  والإنسانية لأهداف منظومة الاحتلال الاستعمارية العنصرية من حملة الإبادة الدموية التدميرية على الشعب الفلسطيني بقوله: "إن هدف إسرائيل الحقيقي من حرب الإبادة هو اجتثاث الوجود الفلسطيني والتهجير القسري" وأوفى تضحيات وصبر وصمود الشعب الفلسطيني بقوله: "شعبنا بصموده الأسطوري لا يدافع عن وطنه فلسطين فحسب بل يقف في وجه أطماع الحركة الصهيونية التي تريد الهيمنة على منطقتنا والإقليم" وأوفى إيمانه وإيمان المؤمنين كافة بحتمية الانتصار مستلهمًا آية من القرآن الكريم: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".

أوفى الرئيس مبدأ التمسك بالثوابت والأهداف الوطنية الفلسطينية، وأوفى السلام ومعناه بالفلسطيني والعربي وبكل لغات وثقافات شعوب وأمم الدنيا حقه بقوله: "الطريق إلى السلام والأمن يبدأ من فلسطين وينتهي إلى فلسطين" فالأرض المقدسة "فلسطين" وعاصمتها التاريخية والأبدية القدس قبلة المؤمنين على تنوع أعراقهم وأجناسهم وألوانهم ولغاتهم وعقائدهم، وإشهار الحق الفلسطيني بات تعبيرًا صادقًا عن مكانة عقيدة  السلام في عقول وقلوب وفكر الأحرار في العالم. فسيادته قد قال: "إن القدس هي درة التاج، وهي مهد السيد المسيح عليه السلام ورفعته، وهي بالنسبة إليكم وإلينا خط أحمر، وليس فينا وليس بيننا وليس منا، من يفرط في ذرة من تراب فلسطين ولا في حجر من حجارة القدس، التي هي أمانة الدين وأمانة التاريخ".

أوفى الرئيس وحدة الشعب الفلسطيني ووطنه التاريخي فلسطين، ووحدة المعاناة والمآسي منذ نكبة 1948 وما قبلها حتى اليوم بقوله: "جئتكم أحمل إليكم آلام وآمال شعبنا الفلسطيني الذي يعيش الألم الكبير والنكبة المتواصلة منذ عام 1948" حينما تبين أهداف المشروع الصهيوني الاستعماري، وعندما ربط كارثة الإبادة الدموية اليوم بسابقاتها نكبة 1948 ونكسة 1967 بقوله: "إن هدف إسرائيل الحقيقي من حرب الإبادة في غزة والضفة الغربية والقدس هو اجتثاث الوجود الفلسطيني من وطننا، والتهجير القسري للفلسطينيين من فلسطين من جديد، فهم يريدون أن يكرروا مأساة التهجير كما حصل في عامي 1948، و1967، وهذا لن يكون لهم أبدا، مهما فعلوا ومهما حاولوا، فشعبنا متمسك بأرضه ووطنه ومقدساته".

أوفى الرئيس ابو مازن مبدأ وحدة أرض دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية بقوله: "إن غزة جزء أصيل من الدولة الفلسطينية الواحدة الموحدة، وإنه لا دولة في غزة، ولا دولة دون غزة، وشعبنا لن ينكسر ولن يستسلم، وسنعيد بناء غزة.

أوفى الرئيس معنى الوطن والدولة لدى المناضل والقائد الفلسطيني في إطار حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، فالوطن ثابت تاريخيًا لا ينساه وطني أبدًا، أما الدولة فهي استراتيجية الواقع والمرحلة، وتتويج لفن الممكن في ميادين النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني،  فقد قال: "إن شعبنا بصموده الأسطوري ومقاومته الباسلة المستمرة لأكثر من مئة عام وحتى الآن، لا يدافع عن وطنه فلسطين، ولا عن هويته وحقوقه الوطنية والسياسية والدينية والتاريخية فحسب، بل إنه يقف أيضًا في الخندق الأمامي دفاعًا عن أمتينا العربية والإسلامية في وجه هذا المشروع الاستعماري التوسعي، وفي وجه أطماع الحركة الصهيونية التي تريد الهيمنة على منطقتنا والإقليم". رابطًا مصير فلسطين بمصير المنطقة الحضارية العربية والمحيطة بالبحر الأبيض المتوسط أيضًا.
أوفى الرئيس أبو مازن عهد المناضل القائد المسؤول، بتطبيق القول وتصديقه بالفعل، والإيمان المبدأ المقرون بالعمل، بقوله: "لقد قررت التوجه مع جميع أعضاء القيادة إلى قطاع غزة، لنكون مع أبناء شعبنا، فحياتنا ليست أغلى من حياة أي طفل فلسطيني، فإما النصر أو الشهادة، وستكون وجهتي بعدها إلى القدس الشريف، عاصمة دولتنا الفلسطينية". إنه خطاب الوفاء للوطن والحق الفلسطيني التاريخي والطبيعي بامتياز.