كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يوم أمس الثلاثاء 2024/08/13، استخدام الجيش الإسرائيلي لمواطنين فلسطينيين كدروع بشرية في عملياته العسكرية داخل قطاع غزة، وذلك في تحقيق يستند إلى شهادات جنود وضباط خدموا في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي في إطار حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وأظهرت العشرات من مقاطع الفيديو والصور والشهادات من المواطنين في القطاع، استخدام قوات الاحتلال للمواطنين، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن، كدروع بشرية، في مخالفة واضحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وفي جريمة حرب مكتملة الأركان. وتكرر المشهد أيضًا خلال عدوان الاحتلال على المدن والبلدات ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية.

وأظهر تحقيق "هآرتس"، نمطًا ثابتًا في سلوك الجيش الإسرائيلي باستغلال المدنيين، الذين يتم تجنيدهم قسرًا. ووفقًا لشهادات متعددة، يقوم الجيش بتحديد المدنيين الفلسطينيين، الذين قد يكونوا من كبار السن أو الأطفال، واستخدامهم في مهام خطرة مثل دخول المنازل والمباني المشبوهة، أو تفتيش الأنفاق، وذلك لحماية جنوده من الكمائن أو العبوات الناسفة.

وأكد التحقيق، أن ذلك يحدث بعلم القيادات العليا في الجيش الإسرائيلي، بمن فيهم قادة الألوية وصولًا لهيئة الأركان العامة، ويُجبر (المجندون) على ارتداء زي الجيش الإسرائيلي، ويزودون بكاميرات لتوثيق تحركاتهم، وأشار إلى أن هذه الممارسات ليست جديدة، بل هي امتداد لإجراءات مشابهة استخدمها الجيش الإسرائيلي في الماضي.

وبحسب الصحيفة، رغم قرارات "المحكمة العليا الإسرائيلية"، التي حكمت بعدم قانونية هذه الأساليب، ينتشر هذا النمط من السلوك في صفوف الجيش الإسرائيلي ويترجم إلى ممارسات ممنهجة خلال عملياته في أنحاء غزة، في ظل تكرار هذه الانتهاكات على مر السنين، مما ينفي مزاعم الجيش الإسرائيلي بالتزامه بالقانون الدولي والإنساني في عملياته العسكرية في الأراضي المحتلة.

وعن الأشخاص الذين تستخدمهم قوات الاحتلال كدروع بشرية في غزة، قالت الصحيفة: إنه "في البداية، من الصعب التعرف عليهم، وهم عادةً في العشرينات من العمر، محاطون دائمًا بجنود برتب مختلفة، ويرتدون في الغالب زي الجيش الإسرائيلي. ولكن عند التركيز على تفاصيلهم، يُلاحظ أنهم لا يرتدون أحذية عسكرية بل أحذية رياضية، وأيديهم مكبلة خلف ظهورهم، ووجوههم تعكس الخوف".

ووفقًا للصحيفة، فإن جنود وضباط جيش الاحتلال يطلقون على هؤلاء الفلسطينيين تسمية "شاويشيم" (جمع لكلمة شاويش)، وقالت: "يتم تجنيدهم دون أن يكون لهم أي حق في الاختيار في وحدات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، بهدف وحيد: أن يكونوا دروعًا بشرية للجنود في عملياتهم".

ونقلت الصحيفة عن جنود قولهم: "قالوا إن حياتنا أهم من حياتهم، وأنه في النهاية، من الأفضل أن يبقى جنودنا أحياء، وأن يتفجروا هم بالعبوات الناسفة"؛ وبحسب الشهادات التي حصلت عليها "هآرتس"، فإن هذه الممارسات تحدث في جميع أنحاء قطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة، بعلم كبار الضباط، وصولًا إلى مكتب رئيس الأركان.

وأضافت: "يتكرر هذا السيناريو مرارًا وتكرارًا: يقوم الجنود بتحديد المواطنين الغزيين (المناسبين) لهذه المهام، ويتم إحضارهم إلى الوحدات والكتائب العاملة في القطاع؛ ونقلت الصحيفة عن جندي يشارك في عملية "اختيار" الدروع البشرية من الفلسطينيين، قوله: "نشعر بنوع من الفخر فيما نفعله".

وقال أحد المصادر: إن "القيادات العليا تعلم بذلك، ومع ذلك، لم تمنع هذه المعرفة الجيش من ادعاء البراءة عندما نُشر توثيق قبل نحو شهرين يظهر جنود الجيش الإسرائيلي وهم يُلبسون معتقلين فلسطينيين بزّات وسترات واقية، ويربطون لهم كاميرات، ويرسلونهم إلى منازل مدمرة ومداخل الأنفاق، وكل ذلك بأيدي مكبلة بالأصفاد".

وأثار هذا التوثيق غضب الإدارة الأميركية، ولكن وفقًا لما ذكره نائب المتحدث باسم الخارجية فيدانت باتل، الذي علق على التقرير: "قالت إسرائيل والجيش الإسرائيلي إنهم يحققون في هذه الحوادث، وأن ما حدث في هذه الفيديوهات لا يعكس قيمهم ويعد انتهاكًا للأوامر والإجراءات".

ونقلت الصحيفة عن جندي من لواء نظامي شارك في استخدام الغزيين كدروع بشرية، أنه في الجيش الإسرائيلي يعرفون أنه ليس حدثًا منفردًا من قائد سرية شاب وغبي يقرر التصرف بمفرده.

وأظهرت المحادثات التي أجرتها صحيفة "هآرتس"، مع جنود وقادة في جيش الاحتلال أن الفلسطينيين الذين يستخدمون كدروع بشرية غالبًا ما يكونون رجالًا كبار السن. ومع ذلك، هناك شهادات تشير إلى استخدام أطفال أو مسنين في بعض الحالات (في بعض الأحيان كان يتم إجبار المسنين على دخول المنازل، وفقًا لما رواه جندي في إحدى القوات). وتعتبر معرفة اللغة العبرية ميزة للجيش الإسرائيلي، حيث يُطلب منهم أن يقدموا تقارير للقوات الموجودة في الخارج.

وأوضحت الصحيفة، أن استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية لم يولد في الحرب الحالية. فخلال اجتياح مدن الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية في آذار/مارس 2002، كانت هذه ممارسة شائعة في الجيش، عُرفت بشكل أساسي باسم (إجراء الجار) الذي يتمثل باستخدام الجنود للسكان المدنيين في الضفة الغربية لتمشيط المنازل خشية أن تكون ملغومة، أو دخول الفلسطينيين إلى المنازل قبل قوات الجيش للبحث عن مطلوبين.