علينا أن نعترف لأعدائنا بدءًا من الولايات المتحدة وصولاً لأداتهم اللقيطة إسرائيل، وما بينهما من قوى، بأنهم يجيدوا فن المناورة والالهاء لتعويم مخططاتهم التآمرية والتصفوية للقضية الفلسطينية من خلال طرحهم عددًا من الخطط والسيناريوهات، وكذلك طرح ما يطرب آذان القيادات الفلسطينية والعربية في اللقاءات المباشرة، أو غير المباشرة بشأن وقف حرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني، وبين ما يسربونه من سيناريوهات تتناقض 180 درجة مع ما قدموه لهم  للتعتيم على أهدافهم الخبيثة في آن واحد، مما يضع صانع القرار الفلسطيني في حالة من التشوش والإرباك.

ففي هذه اللحظة الراهنة طرح الرئيس بايدن ما اسماه مبادرة أو خطة خارطة طريق لوقف الحرب وتبادل الأسرى وإعادة اعمار القطاع دون تحديد دقيق للعديد من النقاط، أولاً عن مدى التزام إسرائيل بوقف فوري ودائم لحرب الإبادة، والانسحاب الكامل وغير المشروط من قطاع غزة والضفة الفلسطينية، وعلى الأقل يبدأ بالعودة لما كان عليه الوضع في عام 2000، وإلغاء القوانين العنصرية الإسرائيلية كافة التي صدرت منذ ذلك الحين؛ ثانيًا لم يحدد عدد وكيفية الإفراج عن أسرى الحرية الفلسطينيين، وهوية من سيتم الإفراج عنهم، في الوقت، الذي حدد بشكل قاطع الإفراج الكامل عن الأسرى الإسرائيليين؛ ثالثًا مكانة وموقع الدولة الفلسطينية في السيطرة الكلية على أراضي الدولة المحتلة في 4 يونيو 1967 راهنًا وفي اليوم التالي للحرب، حتى سيطرتها على المعابر جميعها غير محدد، ومازال مبهما وترفضه حكومة الحرب الإسرائيلية؛ رابعًا الغموض الذي يكتنف دور الحكومة الفلسطينية في ملف إعادة الاعمار في قطاع غزة، بل لم يذكر نهائيًا.
وطرحت الإدارة الأميركية خطة ثانية على السداسية العربية ومن ضمنها دولة فلسطين في الأيام الأخيرة يشوبها الغموض والالتباس، رغم تضمنها تأمين سلام مستدام، وليس دائمًا، ومن نواقص الخطة أولاً عدم ذكر للضفة الفلسطينية من قريب أو بعيد في بلوغ السلام، وعن جرائم الحرب الإسرائيلية المتواصلة فيها، وحتى لم يذكروا الدول العربية بالاسم، بل وصفوهم ب"الجيران"؛ ثانيًا الفصل الضمني بين الضفة والقطاع، وهو ما يعني إقامة كانتونات منفصلة عن بعضها البعض؛ ثالثًا الحديث عن سحب سلاح أذرع المقاومة الفلسطينية، دون ذكر لإلزام دولة إسرائيل باستحقاقات السلام وفق قرارات الشرعية الدولية، وإبقاء يدها طليقة في ممارسة حروبها على الشعب الفلسطيني؛ رابعًا عدم التطرق لوقف الاستيطان الاستعماري في القدس العاصمة الفلسطينية وعموم الضفة الغربية، ورفض الاستيطان الاستعماري كله، لأنه غير شرعي؛ خامسًا العودة لطرح المراحل الانتقالية للحكم الفلسطيني حتى يتم "ترتيبات فريدة دعما ومساهمات من الشركاء الدوليين"، وهو ما يعني التسويف والمماطلة والغموض في السيطرة الكاملة والمباشرة للحكومة الفلسطينية لتولي مهامها الوطنية، كونها صاحبة الولاية الأولى والاساسية على كل مليمتر من الأرض الفلسطينية المحتلة وفق اتفاقيات أوسلو؛ سادسًا إعادة الكرة لمتاهة المفاوضات المباشرة بين منظمة التحرير والدولة الإسرائيلية، التي أدارت الظهر لها إسرائيل منذ مطلع عام 2014، وتغييب كلي للمؤتمر الدولي للسلام وفق روزنامة زمنية محددة؛ سابعًا رغم الحديث عن دولة مستقلة ومتصلة للفلسطينيين دون تحديد شكل الاتصال بين جناحي الوطن، وهل ستكون أقاليم منفصلة، أم ستكون كونفيدرالية او فيدرالية؟ ولماذا لا يتم اعتماد قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع وخاصة القرار 181 والقرار 2334؟ ولماذا تترك للمفاوضات ثانية، والموقف الإسرائيلي الواضح في رفضه لمبدأ استقلال دولة فلسطين؟ ولماذا لا يطبق القرار 194 المتعلق بحل قضية اللاجئين بشأن حق العودة الكامل للاجئين الفلسطينيين؟ وهل يعي الاميركيون ماهية النقطة المتعلقة بعودة اللاجئين الفلسطينيين في مبادرة السلام العربية؟ ثامنًا تكبيل الحراك الدولي للقيادة الفلسطينية ومساواتها بجرائم وانتهاك دولة الاستعمار الإسرائيلية القائمة بالاحتلال وحرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني؛ تاسعًا عدم حسم الانسحاب الكامل من القدس العاصمة الفلسطينية، وإخضاعها مجددًا للتفاوض، وعدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ عاشرًا العودة للحديث عن الإصلاح المحصور ب"الحكم الرشيد" الفلسطيني"، وماذا عن الإصلاح في الدولة الإسرائيلية ومنهاجها التعليمية والدينية والثقافية والسياسية؟ وهل المطلوب من الفلسطينيين التخلي عن السردية الفلسطينية التاريخية والتنكر لتاريخهم ومورثهم الحضاري؟

 
وفي السياق، هناك خطة الجنرالات الأميركيين والإسرائيليين وأبرزهم دايتون الأميركي وعيرمان ليرمان الإسرائيلي المكونة من 112 صفحة، والتي تم اعدادها في مايو الماضي ولم تأت على ذكر الدولة الفلسطينية نهائيًا، انما تتحدث عن مندوب سامي أوروبي ومساعدوه من الأميركيين وأداة وظيفية من السكان المحليين لادارة القطاع، وبناء جهاز شرطي من السكان الفلسطينيين بعيدًا عن أجهزة الامن الفلسطينية. والتي على ما يبدو أنها الخطة، التي سيعمل على تنفيذها، وإلا لماذا ال112 صفحة، والجهد المبذول فيها بين الجنرالات الاميركيين والإسرائيليين؟ 
المحصلة كل الخطط المطروحة بمثابة حقول الغام تستهدف زج القيادة الفلسطينية فيها، واشعال نيران حرب أهلية فلسطينية. لأنها أفضل وصفة لتأليب الفلسطينيين على بعضهم البعض. وبالتالي على القيادة الفلسطينية التأني والتدقيق في كل جزئية في الخطط والسيناريوهات المطروحة، كونها تسعى بشكل واضح لتصفية القضية والمشروع الوطني الفلسطيني برمته، واستخلاص العبر والدروس من التجارب السابقة.