لشاشات الخديعة ضيوف دائمون من المحللين العسكريين، العرض لتسويق تحليلات هؤلاء المحللين الجهابذة، غالبًا ما يكون بتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث ساحة المعارك، بتقنيات هذا الذكاء المخادع، حافلة بمواقع "المقاومة" ودورها، وردودها، وعلى نحو تبدو فيها قوات العدوان الحربي الإسرائيلي، في مأزق يتفاقم تباعًا.

والأسئلة غالبًا ذاتها في كل مرة، أسئلة لا تريد أجوبة غير ما ترغب هذه الشاشات في تسويقه، حيث "المقاومة" قاب قوسين أو أدنى، من هزيمة جيش العدوان الحربي الإسرائيلي، هزيمة ساحقة، وهذا ما قاله وما أكده واحد من أولئك الجهابذة المقيمين في تركيا بعد تحليله لبعض معارك رفح.

في المقابل تفصيلات أخبار التفاوض بشأن تبادل الأسرى والوقف المستدام للنار، توضح أن هزيمة جيش العدوان الساحقة، مجرد جملة إنشائية عند هؤلاء لا محل لها من الواقع، ففي هذه التفصيلات نرى دائمًا مرونة "حماس" الهادفة إلى عقد الصفقات التي تبقيها على سدة الحكم في غزة فحسب. فيما رئيس الحكومة الإسرائيلية "نتنياهو" يواصل تكتيكاته الدعائية في هذا التفاوض لإبقاء نيران الحرب مشتعلة في قطاع غزة المكلوم، بل إنه طالما أعلنها، وما زال يعلنها  صراحة، أنه لن يوقف هذه الحرب، وكان هذا رده الواضح على خطاب الرئيس الأميركي يوم أمس الأول الذي قال إن هناك صفقة بمقترحات محددة، لوقف الحرب، وعودة السكان إلى مناطقهم، والبدء بعملية الإعمار.

وبرغم هذا الرد الحربي الإسرائيلي الواضح، تشبثت "حماس" بخطاب الرئيس الأميركي، وقالت في تصريح رسمي إنها تنظر إليه بإيجابية، وبهذه النظرة فإن مرونة "حماس" تجاوزت حد المقاومة بأبسط أشكالها، بل وأطاحت بتصريحات رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الذي قال في مراسم تشييع الرئيس الإيراني القتيل، إبراهيم رئيسي الأسبوع الماضي "إن غزة ستواصل المقاومة، حتى تحرير الأرض كل الأرض، وفي قلبها القدس المبارك".

لم يطرح الرئيس الأميركي، ولم يكن ليطرح تحرير الأرض كل الأرض، وفي قبلها القدس المبارك، بل تحدث عن صفقة أساسها توفير الأمن والحماية لإسرائيل أولاً وقبل كل شيء، ومن الواضح أن الرد الحمساوي على خطاب "بايدن" أدرك ذلك جيدًا، ولعله رأى فيه تلميحًا بأن "حماس" يمكن أن تعود لحكم غزة، خاصة بعد أن  لم يأت الرئيس الأمريكي على حل الدولتين ولا بأي كلمة من الكلمات، وبشأن هذا التلميح تفتحت مرونة "حماس" على نظرة إيجابية، التي ألمحت هي الأخرى بهذه النظرة، أنها موافقة على أن تعود إلى الحكم بلا سلاح المقاومة، بموافقة ضمنية على ما قاله "بايدن" أن حماس لم تعد لديها القدرة أن تفعل ما فعلته في السابع من تشرين الأول العام الماضي.

ما من تحرير، وما من سلاح، بعد هذه المرونة الفائقة و"طوفان الأقصى" حكاية حسابات وقرارات إقليمية، عبثت بأمن قطاع غزة، وأطاحت بأمان أهله، حتى صار مشهد القطاع، مليئًا بدم الضحايا، وموحشًا بأكوام الركام الهائلة، وأفواج النازحين نحو وجهات لم تكن آمنة، وحتى اللحظة.

لن توقف إسرائيل اليمين العنصري المتطرف، حربها على القطاع، وعينها على الضفة الفلسطينية المحتلة، لأنها في المحصلة لا تريد سوى تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، مشروع الدولة الحرة المستقلة، من رفح حتى جنين، بعاصمتها القدس الشرقية وهذا ما تتغاضى عنه "حماس" حتى الآن، وهي تفاوض لأجل عودتها لحكم غزة فحسب، ولتقل لنا مرونتها غير ذلك.