بقلم: سامي أبو سالم
قبل أن ينته عاهد عقل وإخوته من تحميل خيامهم ومتاعهم، صعد أطفالهم وزوجاتهم على قاطرة يجرها جرار استعدادًا للنزوح من مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، متوجهين إلى منطقة "المواصي" غرب خان يونس، وتواصل آلاف العائلات، لليوم السادس على التوالي، النزوح من مدينة رفح سواء من شرقها لغربها أو خارج المدينة بعد تهديدات قوات الاحتلال الإسرائيلي بهجوم على الأجزاء الشرقية للمدينة، فالنزوح عذاب مرهق بدنيًا وذهنيًا وماليًا، النزوح ذل وإهانة.
وقال عقل (53 عامًا)، الذي يعمل تاجرًا مع إخوته: "أسسنا حمامات بدائية في الخيام برفح لنستر بناتنا وهذا مكلف والآن سنعيد الكرّة من جديد ولا يوجد عمل نحصل فيه على المال ولا يوجد سيولة".
وفي مدينة رفح هناك شاحنات وجرارات وكارات تجرها خيول وحمير وسيارات خاصة تسير ببطء وهي متخمة بمواطنين وفراشهم وحاجياتهم كلها تسير في اتجاهين فقط، من شرق المدينة لغربها أو من الجنوب للشمال، وتصطف هذه السيارات والجرارات قرب مدارس الإيواء لنقل آلاف الأسر التي اتخذت من المدارس مأوى لها، ويحمل المواطنون معهم أهم ما يحتاجونه على رأسها الطحين وبراميل المياه وأنابيب غاز الطبخ وشوادر لنصب خيمة تأويهم في أي مكان إن وجدوا متسعًا.
وقالت صفية سلامة التي لم تخفي غضبها من التنقل مع أطفالها وقالت بصوت عالٍ: "رابع نزوح وين نروح"، حيث تقف على قارعة الطريق وأطفالها يتباكون جوعًا وتعبًا، مشيرةً إلى أنها رحلت من مخيم الشاطئ إلى غزة المدينة ثم اشتد القصف فهربت إلى خان يونس ثم رفح وها هي تهرب من رفح.
وتدب شوارع رفح بالحركة باتجاهين فقط بلا عودة، من الشرق للغرب أو من الجنوب للشمال، أما أسواق المدينة، السوق الرئيس وشارع النص والعودة وشوارعها الرئيسة كانت تدب بالحياة وتعاني الازدحام الخانق فباتت خاوية وكأنها مدن أشباح، وهناك مواطنون يحملون شنطًا وأكياسًا يقطعون الطريق مشيَا، بعضهم يدفع ذوي احتياجات خاصة أو كهول على كراسي متحركة، بعض المواطنين يبكون من التعب أو القهر وآخرون وكأنهم اعتادوا المشهد يمشون ويتبادلوا أطراف الحديث.
وقال محمد صرصور: بينما كان يسير مع أولاده، أن لديه مالاً لاستئجار سيارة لكن لا يستطيع أن يتصل بأحد إضافة إلى أن السائقين مشغولون، ووزعت الحمل على أبنائي وبناتي الستة كل واحد يحمل شنطته فيها أهم شيء، ونمشي إلى أن نجد سيارة.
وآوت مدينة رفح أكثر من مليون نازح من شمال غزة فيما ينزح غالبيتهم باتجاه الشمال الآن، حيث تتكدس السيارات في طريقي صلاح الدين والساحلي، وهما الطريقان الرئيسان اللذان يربطان رفح بباقي مناطق القطاع، ومن يسلكون طريق صلاح الدين فغالبا يتوجهون لمحافظة وسط غزة بمخيماتها، أما الطريق الساحلي فيتوجهون لمنطقة المواصي وهي منطقة زراعية قرب شاطئ البحر أعلن الاحتلال أنها آمنة، لكن عشرات المواطنين استشهدوا في غارات على "المواصي" وخيام النازحين الأشهر الماضية.
وفي الحي السعودي غرب مدينة رفح هب مواطنون يفككون خيامهم ومعرشاتهم ويلملمون أغراضهم استعدادًا للهروب من رفح، وقال محمد أبو كرش من مخيم الشاطئ، يشد وثاق فرشات وبطانيات على سقف سيارته الجيب، أن الاحتلال وجه تهديده لشرق المدينة لكنه لا يأمن غدرهم، وربما يأتوا من البحر غربًا أو يضربوا المناطق الغربية، إنهم مخادعون، مشيرًا إلى أنه سيتوجه لمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، "لا مكان آمن لكننا ننتقل لما نعتقد أنه أقل خطرًا".
وقالت أم وائل أبو شعر من مخيم جباليا: أنها لن تغادر رفح "على الأقل حاليًا" بكل بساطة لأنه ليس لديها المال الكافي لدفعه للسائق الذي سيحملها هو وعائلتها إلى خارج رفح، وليس لدي مال وأيضًا لا أعرف أين سأذهب، فبيتنا في جباليا تم تدميره"، مشيرةً إلى أنها تعيش مع حاولي 70 عائلة في مسجد بمدينة رفح، هنا نتلقى أحيانًا مساعدات غذائية ويوجد حمامات وهذه امتيازات سأفقدها إن غادرت.
وارتفعت أسعار إيجار العقارات في دير البلح حوالي 20 ضعفًا على الأقل، وعبر الكثير من المواطنين عن حالة العجز والتيه التي يعيشون في النزوح.
ففي مدينة دير البلح كان محمد أبو عواد، قد وصل للتو من مدينة رفح، يجوب شوارع المدينة بحثًا عن أي مكان يستقر فيه، لأنه لا يعرف أين سيذهب.
وانتشرت على حسابات التواصل الاجتماعي نداءات استغاثة من مواطنين يبحثون عن غرفة للإيجار أو خيمة أو حتى مكان ملائم لنصب خيمة أو مساعدة مالية تُدفع لسائق شاحنة، وفي المقابل انتشرت إعلانات لأصحاب عقارات وقطع أراضي يهبونها للناس للاستفادة منها ونصب خيامهم.
وقال محمد سكر من مدينة غزة، على حسابه على الفيسبوك: إن خروجه من رفح هذه المرة هو النزوح الثامن علمًا أنه لا يعرف أين سيتوجه.
ورافق تهديدات الاحتلال للمواطنين بالنزوح اغلاق المعابر البرية سيما معبر رفح ما أدى لارتفاع في أسعار السلع الأساسية على رأسها الوقود الذي بلغ سعر لتر السولار 80 شيقلاً والبنزين 120، وحذرت منظمات دولية من مخاطر استمرار إغلاق المعابر ومنع تدفق المساعدات للمواطنين بغزة.
كما وقالت منظمة "الأونروا" الاغاثية: أن التهجير القسري والعمليات العسكرية في رفح تزيد من تفاقم الوضع الكارثي الموجود بالفعل، وأن ما لا يقل عن 300,000 شخص في جميع أنحاء قطاع غزة يتأثروا بموجة النزوح.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها