قال المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور: "إن عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة ليست بالأمر الرمزي، بل إنها أمرا في غاية الأهمية للفلسطينيين ولشعوب المنطقة في هذه المرحلة الدقيقة".
وأضاف السفير منصور في كلمته بعد تصويت مجلس الأمن الدولي، مساء يوم أمس الخميس، على طلب دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في المنظمة الأممية، حيث صوت لصالح القرار 12 دولة، وامتنعت دولتان عن التصويت، في حين استخدمت الولايات المتحدة الأميركية "الفيتو": هذه خطوة منتظرة منذ عام 1947، فهي خطوة ضرورية نحو العدول عن الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني منذ قرار التقسيم، مرورا بالنكبة، ووصولا إلى يومنا هذا، وليعود الإيمان بالشرعية الدولية والقانون الدولي، وبهذه المنظمة وميثاقها".
وأكد أنه بحصول فلسطين على العضوية يعود الأمل في التسوية السلمية للصراع، هي أحد صور تجسيد حقنا في تقرير المصير، وهي تكريس لشرعية دولة فلسطين بشكل لا يمكن التراجع عنه من قبل أي طرف، وهي حماية وصون لأرض دولة فلسطين حتى لا تقُدم كهدايا أو تُقسم كبقايا كما حدث.
وشدد على أن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة هو استثمار في السلام وانطلاقا له، إن عضويتنا الكاملة في الأمم المتحدة لا تنتقص من حقوق أي من الدول الأعضاء ولا تهدد أو تنفي عضوية أي منها، وتأييدكم منح دولة فلسطين العضوية الكاملة وضعنا على طريق الأمل، وعدم تبني القرار لن يكسر إرادتنا ولن يثنينا ولم يهزم عزيمتنا، فدولة فلسطين حتمية موجودة "يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنا لصادقون."
وأضاف: "لم يكن يوما حقنا في تقرير المصير خاضعا للمساومة والتفاوض، فهو حق طبيعي وتاريخي وقانوني في العيش في وطننا فلسطين، كدولة مستقلة حرة ذات سيادة، وهو غير قابل للتصرف، وغير مرتبط بزمن أو توقيت، فهو حق أزلي، دائم ومستمر، لا يؤجل ولا يعلق ولا يسقط بالتقادم".
وقال: من المهم، أنه لا يخضع لأي تحكم أو أي تسلط أو تشرط، لاسيما من قبل إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، القوة القائمة بالتطهير العرقي، القوة القائمة بالإبادة الجماعية، القوة الاستعمارية المنهمكة في طرد شعبنا عن أرضه، ومحو هويته، واستبدال ماضيه وتراثه، واستئصال حاضره وحضارته، وحصار مستقبله وآفاقه.
وشدد على أن الشعب الفلسطيني لن يختفي، ولن يندثر، وأنه واقع وتاريخ لا يمكن إزالته، مهما عتيت قوتها وجبروتها، فلقد بقي هذا الشعب العظيم على أرضه ليس منة أو رحمة من اسرائيل، بل صبرا وصمودا وأملا وتضحية، رغم الاحتلال والقهر والاستعباد والمحاصرة والمطاردة والتشريد والتهجير واللجوء.
وأشار إلى أنه تم التحذير مرارا من سياسة اسرائيل الاستعمارية في أرضنا والتي لا تعلنها على الملأ فحسب، بل أصبحت تتفاخر بها، كما أننا حذرنا من غياب أفق الحل، ومن مغبة تجاهل القضية الفلسطينية ومركزيتها، وتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني المتزايدة، وادعاء أن السلام العادل ممكن في منطقتنا بدون حل للقضية الفلسطينية بشكل عادل وشامل ودائم.
وقال: لقد جئنا إلى مجلس الأمن اليوم في لحظة تاريخية فارقة إقليميا ودوليا، لتنقذوا ما يمكن إنقاذه، نضعكم أمام مسؤولية تاريخية لإرساء أسس السلام العادل والشامل في منطقتنا، وأمام الفرصة لإحياء الأمل المفقود لدى شعوبنا، وأمام ترجمة التزامكم بحل الدولتين على حدود 1967، إلى فعل حقيقي، ثابت لا يحتمل المراوغة أو التراجع.
وأوضح أن الأغلبية العظمى من أعضاء المجلس ارتقت لمستوى هذه اللحظة، وانتصرت للعدل والحرية والأمل اتساقا مع المبادئ الأخلاقية والإنسانية والقانونية التي يجب أن تحكم عالمنا، بل اتساقا مع المنطق.
ونجدد عميق امتناننا للجزائر الشقيقة وللمجموعة العربية والإسلامية ودول حركة عدم الإنحياز وكل من دعم طلب عضوية فلسطين، وكل من صوت لصالح مشروع القرار.
وتابع: لقد قبلنا بحل الدولتين على حدود 1967 كرؤية دولية للسلام، ولقد قدمت الدول العربية المبادرة العربية للسلام دعما لهذه الرؤية، ولقد بنينا دولتنا بسواعد بناتنا وأبنائنا وبدعم وثقة من المجتمع الدولي رغم العراقيل والعقبات الاسرائيلية. وانخرطنا في العملية السلمية بما يضمن مصالحنا الوطنية العليا والتزمنا بأسس التسوية السلمية والقانونية للصراع. وما زالت القيادة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، ملتزمة بهذا المسار السلمي، ونجدد مطالبتنا بانعقاد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية دولية متعددة الأطراف يهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق استقلال دولة فلسطين.
وتساءل: هل من شريك حقيقي للسلام في إسرائيل؟ مشيرا إلى أن اسرائيل تصر عبر حكوماتها المتتالية على الاحتلال والقتل والحصار والتهجير والاستيطان، كلها سياسات وممارسات منافية لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها و تصب في تحقيق هدف واحد - وهو القضاء على أي أمل بسيادة دولة فلسطينية، ووجودها كدولة قابلة للحياة.
ونوه إلى أن إسرائيل ترى أن الدولة الفلسطينية تشكل تهديدا استراتيجيا دائما لها، وستفعل كل ما بوسعها لمنع سيادة الدولة فلسطينية، وليُنفى الشعب الفلسطيني خارج أرضه أو ليبقى تحت احتلالها إلى الأبد.
ولكم بعد ذلك أن تحددوا من هو المحب للسلام ومن عدو السلام، من يريد إنقاذ أرواح الأبرياء ومن يسعى في الإبادة الجماعية.
وشدد على أن اسرائيل لا تريد حل الدولتين، ولا تريد دولة فلسطينية، فهذه خطتها التي وافق عليها الكنيست ويعلنها أعضائه، والتي يصرح بها أيضا السياسيون والمسؤولون في الحكومة الإسرائيلية. ولقد تفاخر بها نتانياهو كإنجاز سياسي لنجاحه في منع "قيام دولة فلسطين". وأعلنها في خريطة الوهم التي رفعها أمام الجمعية العامة في أيلول الماضي، خريطة إسرائيل من النهر إلى البحر، تعدم وجود فلسطين. هذه هي خطة حكومته المتطرفة، التخلص من فلسطين والفلسطينيين. وهذا وهم ولكن للأسف رأينا كيف يكون الوهم مكلف للأرواح البريئة.
وتساءل مجددًا: هل تعلمون ماذا تحتاج إسرائيل لتنفيذ خطة الوهم هذه، خطة طرد الشعب وضم الأرض؟ هي تحتاج فقط المزيد من الوقت والمزيد من الحصانة والمزيد من الأرواح والدماء، ماذا سيفعل المجتمع الدولي؟ ماذا ستفعلون؟ هل ستمنحوا اسرائيل الوقت الذي تحتاج لضم الأرض؟ هل ستمنحوها الحصانة لطرد الشعب والفتك به؟ هل ستزودها بالأسلحة لزهق المزيد من الأرواح؟ هل ستستخدمون حق الفيتو على حقنا في الوجود على أرضنا، وعلى حق دولة فلسطين في العضوية الكاملة في الأمم المتحدة؟
نحن من يعيش القهر والظلم ونحن أكثركم دراية بغايات هذه الاحتلال الظالم، وأكثركم معرفة بالحل العادل ونقول لكم إن وقت الحرية هو الآن. تذكروا أن بعد نهاية هذه الجلسة، هناك في فلسطين أبرياء يدفعون حياتهم وحياة أطفالهم ثمنا لغطرسة هذا الاحتلال الاسرائيلي، وثمنا للمعايير المزدوجة، وثمنا للإنحياز الأعمي لإسرائيل، وثمنا لتأجيل العدل والحرية و السلام.
وأردف قائلاً: لقد تحمل شعبنا الفلسطيني مالا طاقة له به من شتى أنواع التنكيل على يد المحتل الإسرائيلي، ولعله أصبح واضحا الآن أكثر من أي وقت مضى أن هذا الشعب العظيم لم ولن يتنازل عن حقه في أرضه. رغم هول المآسي ومرارة الفقد، وجسامة التدمير والنزوح.
وشدد على أن شعبنا الفلسطيني لم يفقد إنسانيته، فهو الآن يبحث عن بقايا الحياة، ولن تجدوا من هو أكثر توقا لعيش الحياة العادية كشعبنا في غزة. بل إن شعبنا الفلسطيني كافة في كل أماكن تواجده يريد الحياة ويتشبث بها، كسائر شعوب الأرض، شعب يتوق للحرية والحياة الكريمة والعيش بسلام.
واختتم كلمته بالقول: شعبنا الفلسطيني لن يختفي ولن يندثر ولم يكن يوما فائضا عن الحاجة. إما أن تنصفوه أو تنصفوه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها