على مدار الستة عشرة عامًا الأخيرة، ومنذ اكتساح حركة حماس للسلطة وسيطرتها أمنيًا وسياسيًا على قطاع غزة عام ،2007 لم تتوقف الحوارات الفلسطينية خاصة ما بين رأسي المعادلة الفلسطينية، حركتي حماس وفتح، بل إنه قد تم اعلان الاتفاق على المصالحة أكثر من 12 مرة خلال تلك الفترة، اعلان القاهرة، ومكة، واتفاق مخيم الشاطئ، ووثيقة الأسرى، والخرطوم واليمن، والجزائر، والقاهرة 1 والقاهرة 2، وأخيرًا الاتفاق الذي قاده عن حركة حماس موسى أبو مرزوق، وعن حركة فتح جبريل الرجوب، وللأسف فان كل هذه الإعلانات عن المصالحة كانت عديمة الجدوى بل أصبحت مادة للتندر والفكاهة في الشارع الفلسطيني، وأيضًا فقدانا للأمل.

تتوجه أنظار الكثير من الفلسطينيين، سواء أولئك من فقدوا الامل في إمكانية المصالحة، أو الكثيرين ممن يأملون أن يساعد الدم الفلسطيني المسال في غزة، والخطر المحدق بمئات آلاف الفلسطينيين في التهجير، في دفع المتوجهين إلى موسكو يوم 29 شباط، بأن يتوصلوا إلى اتفاقية بشكل ما، علها تساهم في حمل مهمات المرحلة الأقسى والأكثر عنفا في تاريخ شعبنا الفلسطيني.

هذه ليست المرة الأولى التي تستضيف موسكو لقاءات حمساوية فتحاوية، فقد شهدت الأعوام 2008 حتى 2012 أكثر من لقاء. على عكس معظم دول أوروبا الغربية وكذلك الولايات المتحدة التي وسمت حركة حماس بالإرهاب، فان روسيا أبقت على علاقات وثيقة إلى حد ما مع حركة حماس، ودأبت على استقبال قادتها من وقت إلى آخر، مما سبب ازعاجًا في بعض الأحيان لقيادة السلطة الفلسطينية، علمًا أن هنالك أيضًا علاقة قوية تربط موسكو بقيادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح.

نعم الحاجة ملحة للمصالحة الوطنية الفلسطينية، ومكان استضافة جولات المصالحة ما بين 29 شباط حتى 2 آذار، يمثل قوة عالمية مهمة، قد حافظت على علاقة متوازنة ما بين طرفي الانقسام الأساسيين "فتح وحماس" إلا أن ذلك لربما لن يكون كافيًا لتحقيق الرغبات.

في 18 فبراير/شباط الجاري رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال اجتماع للقيادة الفلسطينية بالدعوة الروسية، للحوار ما بين الفصائل الفلسطينية وأكد على ضرورة الالتزام بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير "وإنهاء إفرازات الانقلاب في العام 2007، والالتزام بمبدأ السلطة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد والمقاومة الشعبية السلمية".

ماذا يعني ذلك؟

- الاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها وأهمها أوسلو - علمًا أن إسرائيل وعبر تصريحات من معظم قياداتها، قالت أن اتفاق اوسلو ولى وانتهى، وأنها أي إسرائيل تنظر للسلطة كأداة أمنية لا أكثر ولا أقل، وهذا ما قاله رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل محمد اشتية من خلال التعقيب على استقالته يوم 26 شباط 2024.

- يعني ذلك عدم اصلاح واعادة هيكلة منظمة التحرير والقبول بها على عواهنها وهي التي تحولت الى مجرد دائرة تابعة للسلطة الفلسطينية.

- ويعني أيضًا إدانة المقاومة، وفقط القبول بالمقاومة الشعبية السلمية، على الرغم أن المقاومة الشعبية السلمية هي موضوع نقاش طويل وعريض في الضفة الغربية، كونه يطرح كشعار بعيدًا عن التغذية والتمويل والتطوير واطلاق اليد.

بالمقابل فإن النائب عن حركة حماس أيمن ضراغمة يقول " نجاح الحوار يتطلب التراجع عن الشروط التي وضعها الرئيس أبو مازن، ومنها الاعتراف بالشرعية الدولية لدخول منظمة التحرير". أما د. محمد اشتية رئيس الوزراء الذي وضع استقالته أمام سيادة الرئيس عباس فقد قال خلال مؤتمر ميونخ للأمن الذي انعقد مؤخرًا" سنرى ما إذا كانت حماس مستعدة للنزول معنا على الأرض، نحن مستعدون للتعامل معها. وإذا لم تكن حماس مستعدة فهذه قصة مختلفة، ويضيف انه لكي تكون حماس جزءًا من الوحدة الوطنية يتعين عليها أن تفي بشروط مسبقة معينة".

لقاء موسكو المرتقب قد يصل إلى اتفاق عام على حكومة تكنوقراط في سبيل إدارة أوضاع المرحلة القادمة والحرجة من تاريخ شعبنا، لكن موسكو لن تكون قادرة على تحديد مكونات واشتراطات ولا أهداف حكومة التكنوقراط، بمنتهى البساطة فالحرب العدوانية على قطاع غزة لم تكن موسكو حاضرة بقوة فيها لانشغالها في أوكرانيا، وربما كانت موسكو مستفيدة من انشغال أميركا وأوروبا في الشرق الأوسط ودعم إسرائيل، حتى يتاح لها تحقيق تقدمًا أكبر على جبهة أوكرانيا، حكومة التكنوقراط يجب أن ترضي أطرافًا إقليمية معينة، وكذلك تلقى قبولاً أميركيًا وأوروبيًا.

أما موضوع المصالحة الوطنية بمضامينها الاستراتيجية فربما تؤجل إلى مرحلة لاحقة، بسبب عمق الخلافات وتشعبها، والتي ازدادت بوضوح خلال مرحلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومثلما كان الاتفاق ما بين موسى أبو مرزق وجبريل الرجوب عام 2020، بترحيل الخلافات المركزية والاتفاق على اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في فلسطين، وبعدها يتم العودة لحل الخلافات المركزية، فربما يتم التوافق على بيان عام بخصوص حكومة تكنوقراط بعيدة عن الفصائلية السياسية لتحمل عبئ التعاطي في مرحلة ما بعد العدوان على غزة، أما تشكيلها والاتفاق على أعضائها، وكما قلنا أعلاه فهو يخضع للمزاج والمصالح الإقليمية والتدخلات الأميركية والأوروبية وإسرائيل إضافة إلى الدول العربية المركزية، والأهم من ذلك تأثير العدوان والحرب التي ما زالت تفعل فعلها المدمر في قطاع غزة، وهل هذا هو الوقت المناسب لتشكيل الحكومة أم لا؟، مما يرجح ترحيل تشكيل مثل هذه الحكومة لمرحلة قادمة.