ألمانيا مازالت تعيش تلك عقدة الذنب من محرقة "الهولوكست"، ولم تخرج من آثارها، ولهذا تواصل حتى يوم الدنيا هذا دفع فواتير الدعم لدولة إسرائيل الاستعمارية على مختلف الصعد والمستويات سياسيًا واقتصاديًا وقانونيًا وثقافيًا وتعليميًا وعسكريًا وأمنيًا. لأن إسرائيل وسادتها في واشنطن يمارسون الضغط على المستشارين المتعاقبين بمن فيهم المستشار الحالي شولتس ليدفعوا الفدية مضاعفة الف مرة. 


ولهذا وقفت القيادة الألمانية الحالية إلى جانب دولة إسرائيل مع قريناتها الأوروبيات تحت قيادة واشنطن في حرب الإبادة الجماعية، التي يرتكبونها ضد الشعب العربي الفلسطيني من السابع من أكتوبر 2023 حتى يوم الدنيا هذا 102. وكانت قيادتها السباقة في الحجيج لإسرائيل للتضامن معها، ولاعلان الدعم لها، حيث تبوأ شولتس الصدارة في قطار الزيارات لإسرائيل في الأيام الأولى من حرب الأرض المحروقة. وقال المستشار الألماني أنذاك إن بلاده "لديها مكان واحد فقط" تقف فيه، مع الدولة العبرية المارقة والخارجة على القانون ظالمة أو مظلومة، وأكد المعزوفة النشاز والمفضوحة، التي رددتها الإدارة الأميركية "لإسرائيل الحق بالدفاع عن النفس". 


ولم تكتفِ حكومة المستشار بإعلان الدعم والمشاركة في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب العربي الفلسطيني، وقتل اطفاله ونسائه وأبنائه جميعًا وتدمير مدنه وقراه ومخيمات لاجئي النكبة في ال  1948، وأماكن عبادته من كنائس ومساجد ومستشفيات ومراكز صحية ومؤسسات حكومية ومتاحف، وفرض العقاب الجماعي والحصار الشامل على أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات الشمال والجنوب على حد سواء، بل أن المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن هيبستريت أصدر بيانًا باسم حكومته يوم الجمعة الموافق 12يناير الحالي، أي اليوم الثاني من استماع محكمة العدل الدولية لمرافعة الوفد الإسرائيلي الفاشلة والبائسة دفاعا عن دولته ضد الدعوى القضائية، التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا على إسرائيل في 29 ديسمبر 2023 المتهمة لها ومن لف لفها بارتكاب حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، اعلن في البيان، إن ألمانيا ستتدخل كطرف ثالث أمام محكمة العدل الدولية بموجب مادة تسمح للدول بطلب توضيح بشأن استخدام اتفاقية متعددة الأطراف. وفق ما ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"  
ورفضت ألمانيا شولتس الاتهامات التي وجهتها جنوب إفريقيا لإسرائيل أمام المحكمة الأممية الأعلى في العالم، بارتكاب عملية "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وحذرت من "الاستغلال السياسي" للاتهامات، ولهذا تدخلت كطرف ثالث لجانب الدولة الإسرائيلية اللقيطة. ولم تتوقف المواقف الألمانية في التساوق مع إدارة بايدن واداة الغرب الرأسمالي، إسرائيل، بل كان هناك سابقة تكشف مدى الانحناء والانكسار والاستجداء المذل الألماني أمام دولة المشروع الصهيوني تمثل في ولاية ساكسونيا أنهالت، أدخلت مادة إضافية لدستورها من 29 نوفمبر 2023 يحتم على طالب الجنسية الألمانية التوقيع على شهادة تعترف صراحة بمسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه دولة إسرائيل، وتعترف بحق إسرائيل في الوجود، إضافة إلى إدانة جميع أشكال معاداة السامية، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسة 9 ديسمبر 2023.
وكانت وزيرة داخلية ساكسونيا إنهالت، تمارا زيشانغ، قدمت توضيحًا في مقابلة مع صحيفة "تاغ شبيغل" للتعديل، مؤكدة أن أمن إسرائيل وحماية الحياة اليهودية في ألمانيا يعتبر من أسباب الدولة، ويجب على الأفراد الذين يسعون للحصول على الجنسية الألمانية أن يوافقوا بشكل لا لبس فيه على هذا المبدأ". 


ومع أن اللحظة السياسية الراهنة تمنح حكومة المستشار شولتس الفرصة للخروج من عقدة النقص التاريخية، والابتعاد النسبي عن سطوة الهيمنة الأميركية الإسرائيلية. لكن الواضح أن المستشار الألماني لا يملك الكاريزما التي تؤهله لالتقاط الفرصة الذهبية، لا سيما وأن إسرائيل وأميركا ترتكب مع ألمانيا والغرب عمومًا حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، لكن لا تكفي الكاريزما لخرق المعادلات السياسية في الغرب، التي تشي بأن الولايات المتحدة مازالت صاحبة القول الفصل في القرار الأوروبي عمومَا والألماني خصوصًا، وهي من حرك البيدق الجرماني للدخول طرفًا ثالثًا لجانب إسرائيل في محكمة لاهاي. كما أني أعتقد من زاوية أخرى، إن حكومة شولتس لا تريد التعجل في أمر الانفكاك من دائرة التبعية لواشنطن وإسرائيل راهنًا لخشيتها من تداعيات التسرع، وتسعى لتثبيت وتعزيز قدراتها، وانتزاع ما يستجيب لتطوير منظومتها العسكرية والامنية وبرضى البنتاغون والدولة الأميركية العميقة. مع ذلك ألمانيا كشفت عن هزال فاضح، وصورة لا تشبه ألمانيا وأنفتها وثقافتها التاريخية وموروثها الحضاري. وانحازت لخيار حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وناصبت العداء للقانون الدولي وحقوق الانسان، الأمر الذي سيحملها ذات يوم ثمنًا قد يكون أغلى من ثمن المحرقة.