لن تعرفوا غزة بعد اليوم مطلقًا
لقد ولدت من جديد
فائض أحزان
فائض ألم...وفراق أبدي
فيضان من العيون الباكية
فائض جراح...وأسقام بلا أمل
فائض كبرياء...في ظل جحود لا يوصف
فائض إهانة...وفائض كرامة
فيضان وجع
طوفان عذاب
براكين غضب
عواصف خذلان
جيشان دموع...ولوعة
أمومة طافحة...وأشواق قتيلة
أبوّة مطعونة
فيضان حنق
فيضان تحدي...على فراش من الجمر
فائض حنان
طوفان مجازر
مقتلة لا تنتهي!
ما لا يحصي من أحاسيس الظلم والجور
فائض تعابير مجهولة النسب
سقط الفهمُ وسقطت المفاهيم وغاص الوعيُ في بئر هدير الطائرات
ورقصت الأفاعي على جثث بلا أسماء.
وارتفع السواد فلم يبقى للشعاع منفذ.
سقط التحليل وانتحر المحلّل.
وعبث القدر بترددات القلوب فأطلقت الآهات أو الزفرات أو الصرخات المبتورة.
توقفت المَشاهدُ المتخيلة عن التناسل في وعيك أنت تنظر من البعيد وراء الحدث،
فأنت لا تحتاج لذلك منذ اليوم لماذا؟
لأن فيض المشاهد المرئية، طوفان المشاهد المتولدة من تحت أزيز الرصاص والعراة الملهمون والبيوت المحطمة الأوصال والأرجل المقطوعة، ونقرات الجوع، وآلام المعدة والتخلي والنبذ، والشعر المعفر بالتراب لأطفال غزة قد كفتك العمر كله! نعم العمر كله!
توقف السادة المشاهدون، المراقبون، المتابعون عن ترف التخيّل والتوقع، وأنت فيهم بمنزلة الضبع لأن المَشاهِد المرعبة، طوفان المشاهد الساحقة المجدولة أمامك هناك باتت بلا خط نهاية.
توقفت المَشاهِد -غير ماتراه يوميًا في غزة- عن الاجتراح
إذ لا تكف المشاهد الأليمة عن التوالد بلا نسب
فما لم يكن ليتصوره الانسان قد حصل!
فعندما يتعانق الخذلان والوحشية وانعدام المشاعر وتبلد الأحاسيس يصبح الناس أرقامًا فقط
في غزة تعثرون (لمقاطع مرئياتكم/أفلامكم/متعة مشاهدتكم) بيُسر على مئات آلاف القصص ومثلها من المشاعر والعواطف غير المسبوقة
ملايين الانفعالات التلقائية
ملايين الرجفات وملايين الأدمع
ملايين منازعة بين القلب والعين
(الحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ
يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ هَذا يَجيءُ بهَا وَ هَذَا يَرْجِعُ)
ملايين العبارات البسيطة والأليمة في قسمات أطفال الرجاء، والأمل مطأطئ الرأس.
نسيتموها فنستكم.
لأن غزة النقاء والبهاء والحزن العميم لم تكن في قلوبكم أبدًا الا لعبة.
غزة المنكوبة بفلسطينيتها الطاغية عانت فيكم من يباس مشاعر الاقربين، وتلف عقولهم ونزق أنفسهم.
هل تعلمون؟
لقد تحولت غزة الى (شهاب حرقٍ) أبدي لخذلانكم
لقد تحولت لمجهول، لن تعرفونه بعد اليوم.
بمناسبة العام الجديد واستقرار الألم 2023م-2024م